قرارات متتالية ومتسارعة تشهدها “السعودية الجديدة” منذ صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد صيف 2017، غيَّرت من وجه المملكة، التي عُرف عنها تاريخياً الالتزام الديني، قبل أن تغيّر مسارها وتخلع عباءتها المُحافظة، وتنسلخ شيئاً فشيئاً من عاداتها وتقاليدها وأعرافها.

وتتكفل هيئة الترفيه، التي يقودها تركي آل الشيخ، أحد المقربين من بن سلمان، بمهمة إقامة فعاليات غنائية، يعتبرها البعض “دخيلة وغريبة وبعيدة” كلياً عن هوية المجتمع السعودي؛ وهو ما أحدث صدمة كبيرة وزاد من حالة الغضب والاستياء في مختلف الأوساط.

آل الشيخ، الذي يعمل أيضاً مستشاراً بالديوان الملكي السعودي، أكد تزامناً مع افتتاح مسيرة “موسم الرياض”، أن ما تشهده بلاده “ما كان ليتحقق لولا وجود شخص بمقام ورؤية محمد بن سلمان”، كما قال، ويؤكد هذا أن كل ما يحدث في السعودية من تحوُّلات، كان بقرار رسمي رفيع المستوى.

 

الحج والعمرة

جديد قرارات الانفتاح التي تخطت الخطوط الحمراء كافة، وصل إلى أحد أركان الإسلام، والحديث هنا عن الحج؛ إذ أعلن رئيس لجنة الحج والعمرة بالغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة، مروان شعبان، عن 11 قراراً وتوصية، خلال اجتماع وزير الحج والعمرة السعودي محمد بنتن ونائبه عبد الفتاح مشاط مع عدد من المستثمرين في قطاع الحج والعمرة والسياحة والفندقة.

ونقلت صحيفة “مكة” المحلية عن شعبان، قوله بعد الاجتماع (19 أكتوبر 2019)، إن أبرز القرارات والتوصيات كانت طلب الموافقة على إلغاء “المَحرم” المرافق للنساء لكل الأعمار.

وخلص الاجتماع إلى اتفاقية من شأنها معالجة أي معوقات تعترض مسيرة القطاع، لا سيما ما يتعلق منها بمستقبل تأشيرات العمرة أمام التأشيرات السياحية.

أما الأمين العام للجنة الوطنية للحج والعمرة السعودية، مازن درار، فقد كشف أن سلطات المملكة تدرس إلغاء شرط “المَحرم” للنساء القادمات إلى البلاد لأداء شعيرة العمرة، بحسب ما أوردته صحيفة “سبق” الإلكترونية.

وفيما بدا محاولة للتنصل من مسؤوليتها عن القرار، قال درار إن وزارة الحج والعمرة تجاوبت مع نداء شركات ومؤسسات العمرة المطالِب بالسماح للمرأة بأداء شعيرة العمرة دون مَحرم، على أن تتحمل الوكالات الخارجية المسؤولية الكاملة.

وباستعراض طريقة إدارة السلطات الرسمية في السعودية للملفات التي كانت تُعتبر سابقاً من المسلمات ولا يجوز تعديلها، خاصة إذا كانت مرتبطة بحكم شرعي واضح لا لبس فيه، فإنها تعمد أولاً إلى إخراجه على وسائل الإعلام، ثم تبدأ بتطبيقه شيئاً فشيئاً حتى يصبح نافذاً؛ وذلك خشية غضب المجتمع السعودي.

وبعبارة أوضح، يمكن القول إن السعودية منحت الضوء الأخضر للمرأة بأداء العمرة بلا مَحرم كخطوة أولى، يليها على الأرجح الموافقة لها على أداء مناسك الحج بلا مَحرم كذلك.

 

ما حُكم الشرع؟

ولا يبدو أن صانع القرار في السعودية يعير رأي الشرع أي اهتمام، رغم أن سلطات المملكة تدَّعي قيام دستورها على القرآن الكريم والسُّنة النبوية؛ إذ إنها تضرب -من خلال قرارها المرتقب السماح للمرأة بالحج دون مَحرم- بالأحكام الفقهية التي ترفض ذلك جملة وتفصيلاً، عرض الحائط.

ومَحرم المرأة هو زوجها أو من يَحْرُم عليها تحريماً دائماً، بسبب قرابة، أو رَضاعة، أو مصاهرة، ويكون مسلماً بالغاً عاقلاً ثقة مأموناً.

والمقصود من المَحْرَم حمايةُ المرأة وصيانتها والقيام بشأنها، كما يُخشى عليها من “الفتنة” عند السفر وحدها.

ويشترط وجوبه لأداء المرأة فريضة الحج، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة واختاره ابن باز وابن عُثيمين، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة، التابعة لهيئة كبار العلماء.

أما فيما يتعلق بالأدلة على وجوب وجود مَحرم للمرأة لأداء فريضة الحج؛ فعن ابن عُمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحلُّ لامرأة تُؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة ثلاث ليالٍ، إلا ومعها ذو مَحرم”.

وما ينطبق على الحج ينسحب أيضاً على العمرة؛ إذ لا يجوز أن تسافر المرأة بلا مَحرم، ولم يخص حديث الرسول “سفراً دون سفر، ولم يستثنِ من ذلك، السفرَ للعمرة ولا غيره”.

وفي السنوات الأخيرة، أباح بعض الفقهاء خروج المرأة للحج، في حالات معيَّنة، كأن تكون في سن متقدمة “لا يُخشى عليها من الفتنة”.

 

قرارات سابقة

تأتي هذه التطورات والمستجدات بعد نحو أسبوعين (مطلع أكتوبر 2019) من إقرار هيئة السياحة السعودية إجراءات جديدة، شملت السماح للمرأة بالسكن في الفنادق دون مَحرم، وإعفاء الأجانب من إظهار سجلّ الأسرة عند التسجيل لشغل الغرف فيها.

وأواخر سبتمبر الماضي، أعلنت السعودية، للمرة الأولى في تاريخها، تفعيل “التأشيرة السياحية”، ليصبح بإمكان مواطني 49 دولةً الحصول عليها إلكترونياً في زمن قياسي لا يتجاوز 7 دقائق. كما رفعت قيودها على النساء الوافدات؛ إذ أصبحت “غير مُلزَمات بارتداء الملابس التي تغطي أجسادهن بالكامل كما كان يحدث سابقاً”.

في هذا الإطار، سلطت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية الضوء  على قرار السعودية “المثير للجدل” إسقاط شرط القرابة عن النساء عند السكن في الفنادق، وهو ما يشير إلى السماح بالعلاقات غير الشرعية، وفق توقعات محللين.

ولفتت الصحيفة إلى أن المملكة أعلنت أنها “لن تطلب من السائحين القادمين إليها تقديم وثائق تُثبت زواجهم كي تسمح للرجال والنساء منهم بالإقامة معاً في غرفة واحدة بالفنادق”.

وأشارت إلى أن السعودية “تُيسّر للنساء اللواتي لا مَحرم لهن إجراءات حجز غرفة في الفنادق دون وجود رجال معهن حتى لو كنَّ من السعوديات”.

 

كيف بدأ الانفتاح؟

وفي محاولته للتغيير بالمملكة، فرض محمد بن سلمان منذ توليه ولاية العهد، حالة جديدة غير مسبوقة في مجتمع بلاده؛ تجسّدت في انفتاح هائل بمجالات الموسيقى والغناء والمرأة، في حين قيّد من جانب آخر، الأصوات الرافضة لهذا الانفتاح.

وسريعاً انتشرت حفلات الرقص المختلط بين الجنسين في السعودية، والتي وصفتها شبكة “بلومبيرغ” الأمريكية، في تقرير سابق لها، بأنها محاولة لإخفاء “الجانب المظلم” لولي العهد السعودي.

المملكة، ومن بين أبرز مشاهد الاختلاط غير المسبوقة، شهدت حفلات صاخبة لمشاهير أجانب، بعضهم عُرفوا بأغانيهم التي يحتوي تصويرها على مشاهد إباحية.

وظهرت فتيات سعوديات في حالةٍ رَفَضَها السعوديون، بحسب ما عبّروا عنه في مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ كنّ يرقصن ويتمايلن مع الموسيقى، في مشهد لم يكن يتوقعه أشد المتفائلين حتى وقت قريب.

ودعم بن سلمان سلسلة قرارات تقضي بالتخلّي عن عدد من القوانين والأعراف الرسمية التي اعتمدتها البلاد على مدار عقود، أبرزها السماح للنساء بقيادة السيارة، وكذلك دخولهن ملاعب كرة القدم، وتدشين صالات رياضية للنسائية، وتنظيم مسابقات رياضية نسوية كالماراثون وسباق الدراجات الهوائية، فضلاً عن إقامة عرض للأزياء وافتتاح دور للسينما.