د. عبد الله العودة
في أعقاب جريمة القتل البشعة للصحافي السعودي المخضرم جمال خاشقجي، لا يزال هنالك سؤال حاسم: من الذي أمر بها؟

شدد المدير السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل على أنّ قضية خاشقجي ستخضع لـ”تحقيق سعودي” وأنّ “النظام القضائي السعودي قويم وعلى ما يرام وإنّه يعمل وسوف تأخذ القضية مجراها”. يتجاهل بيانه الانتهاك المتواصل للسلطة القضائية على يد ولي العهد وفريقه. في الشهر الماضي، وعد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بإجراء “تحقيق شامل وشفاف” من قبل المدعي العام السعودي الذي يسيطر عليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفقًا لقاضٍ مقرب من القضية. في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، جدد الجبير تأكيده على أنّ المدعي العام السعودي لا يزال يسعى للحصول على إجابات لعدد من الأسئلة المتعلقة بالتحقيق وأنّ المملكة ملتزمة بمحاسبة المتورطين في جريمة القتل من خلال النظام القضائي. التركيز على دور المدعي العام السعودي هو محاولة للتغطية على السيطرة الفاضحة وغير المسبوقة لولي العهد على ذلك المنصب

لم يكن من المفاجئ أن يبرئ المدعي العام ولي العهد في بيانه الصادر يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني. بعد أيام قليلة، قال الجبير: “إن كنتم تعتقدون أنّ تحقيقنا زائف، فانتقدونا، لكن انتظروا حتى يتم الانتهاء منه.”

حسنًا. أنا أكاديمي سعودي تخرج من جامعة سعودية ودرس القانون السعودي لفترة طويلة وكان يراقب حيثيات قضية خاشقجي وكذلك دور النائب العام الحالي. يتبين لحد الآن أنّ التحقيق السعودي في مقتل خاشقجي هو تحقيق زائف تماماً

في شهر فبراير/شباط الماضي، كتبتُ عن المدعي العام السعودي وأشرتُ إلى المرسوم الملكي] الصادر يوم 17 يوليو/تموز 2017 الذي حوّل منصب هيئة التحقيق والادعاء إلى منصب النائب العام وأشار إلى وعد لم يتحقق أبدًا بـ”الاستقلالية التامة“. منذ البداية، وعلى الرغم من افتقاره إلى أي خبرة [aawsat.com] في التحقيق الجنائي في القضايا الجنائية، فقد عُيِّنَ سعود المعجب كمدعٍ عام بعد أن أصبح محمد بن سلمان وليًّا للعهد ببضعة أيام فقط. اختِيرَ المعجب على الأرجح لأنه أثبت أنّه رجل مطيع خلال فترة عمله كعضو في مجلس القضاء الأعلى، وهو أعلى هيئة قضائية تتحكم في الشؤون الإدارية للقضاة.

بلغت ذروة انتهاك ولي العهد لاستقلالية الادعاء العام في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 عندما ترأس ولي العهد شخصيًا لجنة كان ينبغي أن تكون من اختصاص المدعي العام في التحقيق في قضايا الفساد، وبدلًا من ذلك، كان المدعي العام مجرد عضو في اللجنة التي تقدم التقارير لرئيسه محمد بن سلمان.

المدعي العام الذي يحقق في وفاة خاشقجي، الصحافي الذي كان من المحتمل أن يكون قد قُتِلَ بسبب نشاطه السلمي، هو نفسه الذي يسعى إلى فرض عقوبة الإعدام على والدي، رجل الدين السعودي البارز سلمان العودة، وغيره بسبب أنشطة مماثلة. ووفقًا لما قاله الرئيس ترامب] “يقول ممثلون عن الحكومة السعودية إنّ جمال خاشقجي كان عدوًّا للدولة وعضوًا في جماعة الإخوان المسلمين.” بالتالي،لو كان قد اختُطِفَ خاشقجي حيًا وحُوكِمَ في المحاكم السعودية، لكان على الأرجح سيواجه عقوبة الإعدام بسبب مدعٍ عام مُسَيطَر عليه بشكل كامل وقضاةٍ يتعرضون للتخويف والتهديد. إنّ القضاة الذين من المفترض أن يشرفوا على قضية خاشقجي يتعرضون لضغوط هائلة من ولي العهد.

خلال هذا الأسبوع فقط، أُطلِقَ سراح قاضيَيْن بعد بضع أشهر من احتجازهما خارج نطاق القضاء بسبب رفضهما الوقوف أثناء النشيد الملكي، وفقًا لقاضٍ آخر تحدثتُ معه. ستة قضاة آخرين من نفس المحكمة التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن محاكمة قضية خاشقجي كانوا أنفسهم محتجزين بشكل تعسفي لعدة أشهر. يبدو أنّ الدافع وراء الاحتجاز هي القضايا التي رفض فيها هؤلاء القضاة اتباع العقوبات الموصى بها التي اقترحها المدعي العام. أخبرني عن هذا الأمر قاضٍ قريب من الحالة، والذي قال أيضًا إنّ القضاة المعينين حديثًا في هذه المحكمة يخشَون من أن يلقوا ذات المصير.

ثقافة الخوف تطارد المؤسسات الحكومية في السعودية، خاصة القضاء. السعودية تبتعد أكثر فأكثر عن أي مظهر من مظاهر سيادة القانون ومراعاة الأصول القانونية