في 24 أغسطس/آب، وقّع نائب وزير الدفاع السعودي “خالد بن سلمان” ونظيره الروسي العقيد “ألكسندر فومين” اتفاقية تهدف إلى تطوير التعاون العسكري المشترك بين البلدين، وذلك خلال المنتدى العسكري التقني الدولي “الجيش 2021”. وأجرى “خالد بن سلمان”، شقيق ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، محادثات في وقت سابق مع وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويجو” لاستكشاف سبل تعزيز التعاون العسكري والدفاعي.

وبالرغم من عدم الكشف عن نص الصفقة، إلا أن الاتفاقية تتماشى مع نهج السعوديين طويل الأمد المتمثل في السعي إلى الاستقلال النسبي من خلال بناء عدد من ترتيبات التوريد مع الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية، وتجميع شراكات دولية متنوعة بدلاً من الاعتماد حصريًا على الولايات المتحدة.

وقد خلقت الدبلوماسية الأمريكية مع إيران وتفاعلها مع الانتفاضات العربية أرضًا خصبة للتوترات بين السعودية والولايات المتحدة حيث كان السعوديون مستائين من تقاعس الولايات المتحدة عن الوقوف مع الرئيس المصري الراحل “حسني مبارك”، حليف السعودية، خلال اضطرابات الربيع العربي.

وعلى العكس في سوريا، كان السعوديون يأملون في تدخل عسكري أمريكي قوي لمنع القوات الإيرانية من تحقيق انتصار استراتيجي من خلال تحالفهم مع رئيس النظام السوري “بشار الأسد” والتحالف الضمني مع روسيا.

وقد فاقمت دعوات الرئيس “دونالد ترامب” المتكررة لسحب القوات الأمريكية من سوريا شعور السعوديين بالإحباط.

كما شجع الرئيس الأسبق “باراك أوباما” المملكة عن غير قصد على متابعة مصالحها الأمنية بشكل مستقل وذلك بسبب إبرام الاتفاق النووي عام 2015 ومحدودية المشاورات مع دول مجلس التعاون الخليجي وتسمية الحلفاء الخليجيين بـ”المستفيدين بالمجان”.

كما أن استعداد “ترامب” المعلن للقاء الرئيس الإيراني “حسن روحاني” أشعل نيران القلق السعودي.

وتصاعد الاستياء السعودي مع قدوم إدارة “بايدن” حيث تم تعليق مبيعات الأسلحة التي تم التفاوض عليها مع إدارة “ترامب” وأظهرت الولايات المتحدة اهتماما بالاتفاق النووي، وتواصلت الضغوط الأمريكية بشأن جريمة قتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” والصراع في اليمن.

وبالرغم أن إدارة “بايدن” خففت موقفها بشأن مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات في أبريل/نيسان، فقد تصاعد القلق السعودي بحلول يونيو/حزيران عندما أزالت الولايات المتحدة نظام الدفاع الجوي “ثاد” والذي جرى نشره في المملكة في 2019 بعد أن استهدفت طائرات مسيرة وصواريخ منشآت نفطية. ومن المرجح أن يتم تسليم بطاريات “ثاد” السبع التي اشتراها السعوديون بين عامي 2023 و2026 إلى المملكة، ولكن هناك المزيد من عدم اليقين بشأن الذخائر الهجومية التي سيتم توريدها من الولايات المتحدة.

وقد أنهت إدارة “بايدن” الدعم الأمريكي للحملة العسكرية السعودية في اليمن في فبراير/شباط، ومنعت بيع الذخائر الموجهة بدقة، وربما تمدد تعليق الأسلحة الهجومية الأخرى، مثل الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار.

ويثير انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان – بالرغم أن الظروف مختلفة تمامًا عن تلك الموجودة في الخليج – المزيد من الأسئلة في أذهان السعوديين حول التزامات الولايات المتحدة تجاه السعودية وقد يسلط الضوء على مزايا الشراكات الأمنية السعودية مع قوى عالمية أو إقليمية أخرى.

وفي ضوء هذه الأسباب المتراكمة لعدم اليقين في علاقتها مع الولايات المتحدة وإجبارها على تحمل عبء دفاعي أكبر، اعتمدت السعودية نهجًا ذا شقين. أولاً، سعت إلى اتخاذ إجراءات من شأنها إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، بما في ذلك المصالحة مع قطر قبل قمة مجلس التعاون الخليجي في العلا في يناير/كانون الثاني، وإطلاق مناقشات ثنائية أكثر جدية مع إيران في أبريل/نيسان.

وبالرغم من أن الإجراء الأخير مدفوع بحسابات المصالح السعودية فيما يتعلق بإيران، فإنه يهدف أيضًا إلى استرضاء فريق “بايدن” المنغمس في المسار الدبلوماسي مع إيران.

ثانيًا، سعت السعودية إلى توسيع تعاونها في مجال الطاقة وعلاقاتها الأمنية مع روسيا ردًا على الغموض الذي حصل خلال إدارة “ترامب” وعدم اليقين الناجم عن إجراءات إدارة “بايدن”.

ومن المحتمل أن تكون الرياض أبلغت واشنطن بتفاصيل الاتفاقية الأخيرة مع روسيا بسبب المخاوف من الوقوع في دائرة عقوبات “جاستا”، وربما للتأكيد على اهتمام السعودية بالعودة إلى الوضع السابق في العلاقات الأمريكية السعودية.

وقد زار “خالد بن سلمان” واشنطن في يوليو/تموز، والتقى بوزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين”، ووزير الدفاع “لويد أوستن”، ومستشار الأمن القومي “جيك سوليفان”، ورئيس هيئة الأركان المشتركة “مارك ميلي”.

ومن المرجح أن تكون الصفقة السعودية الروسية محدودة بسبب استمرار قوة العلاقات الأمريكية السعودية، بما في ذلك الحوار الاستراتيجي الأمريكي السعودي لعام 2020، الذي يجمع البلدين معًا ضد التهديدات المشتركة في المنطقة. ومن المتوقع أن تكون تفاصيل الاتفاقية تتضمن استمرار التعاون الأمني ​​والاستخباراتي ووعود بأشكال أخرى من التعاون وكذلك اقتراح العمل التقني على البنية التحتية.

وبالفعل، تشير بعثات التدريب العسكرية والمدنية الأمريكية واسعة النطاق في الرياض والبرامج التعاونية والاستشارية طويلة الأجل إلى تقييد نطاق أي تعاون سعودي مع روسيا.

ولا تعد واشنطن السبب الوحيد في قيود العلاقة بين الرياض وموسكو، فقد كان هناك تاريخ طويل من عدم التوافق الأيديولوجي والديني بين روسيا والسعودية فضلاً عن انعدام الثقة المتبادل.

وقد لعبت المملكة دورًا محوريًا في دعم المجاهدين ضد الجيش السوفييتي في أفغانستان في الثمانينات، وواصلت القوات المدعومة من السعودية القتال في صراعات أخرى في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك الحرب الشيشانية الثانية، التي استمد منها الرئيس “فلاديمير بوتين” رأس ماله السياسي بسبب أسلوب تعامله الذي أظهر عزما على استعادة مكانة روسيا.

كما تشكلت لدى “بوتين” شكوك طويلة الأمد حول “مكائد سوق النفط” في أوائل التسعينات والتي ربما ساهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي، ومن المتوقع أن تتصادم روسيا والسعودية مرة أخرى بشأن السياسة النفطية في السنوات المقبلة كما حدث في عام 2020، كما أن لهما وجهات نظر متباينة بشأن سوريا واليمن وأوكرانيا.

ومع ذلك، فإن التعاون يجذب كل من السعودية وروسيا على عدد من المستويات حيث يبحث الجانبان عن صفقات عملية قائمة على المصالح المشتركة. وتعكس الاتفاقية نية السعودية الحفاظ على علاقات ودية مع موسكو وبكين مع التركيز السعودي على تطوير قاعدتها الصناعية العسكرية.

ويعد “بوتين” حريصا على المنافسة بشكل أكثر فاعلية في سوق مبيعات الأسلحة في المنطقة بالنظر إلى صفقات الصين للطائرات المسلحة بدون طيار التي استفادت من الحالات التي قد تحد فيها الولايات المتحدة مبيعات الطائرات بدون طيار أو تعلقها أو تلغيها. وتسعى موسكو أيضًا إلى ترسيخ موقعها الإقليمي بطرق أخرى من خلال استكشاف الفرص في الخليج والبحر الأحمر.

وفي سياق رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى توطين ما يصل إلى 50% من نفقاتها الدفاعية وتنمية القطاعات غير النفطية، تمنح الصفقة السعودية تكافؤًا نظريًا مع الإمارات في العلاقات الدفاعية مع روسيا وتفوقًا على الشركاء العرب الآخرين، وكذلك إيران التي حضر ممثلوها أيضًا المنتدى.

وتسلك السعودية هذا المسار في حدود متطلباتها العسكرية، و في حدود طبيعة التهديدات الإقليمية المتطورة، وكذلك في ضوء علاقتها الحالية مع الولايات المتحدة، لذلك من غير المرجح أن تتطابق الصفقة السعودية الروسية مع مستوى الشراكة الاستراتيجية التي وقعها ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” و”بوتين”  في 1 يونيو/حزيران 2018.

ويتضمن الاتفاق الإماراتي الروسي التزام الطرفين بالتعاون في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة، ويتضمن مشاورات منتظمة على مستوى وزراء الخارجية، كما يتضمن التطوير المشترك للطائرة المقاتلة من الجيل الخامس “تشيك ميت” مع شركة “روستيك”. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت القائمة الكاملة للأهداف السامية للإمارات وروسيا ستتحقق بالفعل.

ومن المؤكد أن العلاقات السعودية الروسية الأوثق تضيف مصداقية لعروض روسيا المتمحورة حول الأمن، وتعزز احتمالية مشاركة “روساتوم” في بناء محطات للطاقة النووية في المملكة، وتدعم مقترحات الكرملين لأمن الخليج لتقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة.

وإذا أصبح التعاون الدفاعي المقترح مع روسيا حقيقيًا، فسيتعين على القادة السعوديين تحديد ما إذا كانت أي زيادة ملحوظة في هذا الاستقلال الاستراتيجي (الذي قد تستفيد منه المملكة) تستحق احتمال تراجع التعاون الدفاعي والاستخباراتي بشكل كبير مع الولايات المتحدة، وربما مع دول الغرب الـأخرى.

ونظرًا للمخاطر والمصالح التي لا تزال تربط  السعودية بالولايات المتحدة والغرب، يبدو من غير المرجح أن يتخذ السعوديون أي خطوات من شأنها أن تعرض تلك العلاقات مع واشنطن للخطر. وسيستمر المسار الأكثر ترجيحًا عبر سلوك التحوط بينما تقيس السعودية الضغوط المحلية الأمريكية وخطوات إدارة “بايدن” التي تؤثر على العلاقة الثنائية.