خلص معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، إلى أن التهديدات التي أطلقتها مؤخرا السعودية بشأن القدرات النووية مجرد تصريحات إعلامية أكثر منها واقعية.

وجاء في تحليل نشره المعهد: تفيد إحدى القواعد المتبعة في الصحافة بأن الرد على سؤال معين لا يعتبر بياناً حول سياسة حكومية جديدة. إذاً، ما الذي ينبغي استخلاصه من التعليق الذي أدلى به وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود مؤخرا بأنه “إذا أصبح لدى إيران سلاح نووي جاهز للعمل، سيكون من الصعب التكهن بما سيحدث”؟.

ففي حديثه خلال مؤتمر في أبوظبي، تابع الوزير قائلاً: ” نحن في وضع خطير للغاية في المنطقة. يمكنك أن تتوقع أن دول المنطقة ستدرس بالتأكيد كيفية ضمان أمنها”.

وكلماته هذه جديرة جداً بأن تُنشر، الأمر الذي يفسر سبب قيام وكالة “رويترز” وغيرها من وسائل الإعلام إلى انتقاؤها على الفور.

ولكن هل يدل كلام الوزير على سياسة سعودية جديدة تسعى إلى مضاهاة طموحات إيران النووية المفترضة، كما اقترح الحاكم الفعلي للمملكة ولي العهد محمد بن سلمان في عام 2018 عندما صرّح لشبكة “سي بي إس نيوز” أنه “إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها بدون شك في أقرب وقت ممكن”؟

إنّ النقطة التي تُسبب تعقيداً إضافياً لمحللي السياسات الذين يحاولون أن يعرفوا بدقة مدى أهمية التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي هي أن مصطلح “جاهز للعمل” يفتقر إلى الوضوح وأن عبارة “سيكون من الصعب التكهن بما سيحدث” تعني أنه لا يمكن التنبؤ بالأمور، بدلاً من أن تصبح مؤكدة.

ومع ذلك، تشير عوامل أخرى، تاريخية وحديثة، إلى أن البعد النووي لسياسة الخليج العربي يشهد مجدداً حالة من التغير المتواصل على أقل تقدير، نظراً لموارد النفط والغاز الطبيعي التي تملكها دول الخليج، مما يضيف عنصراً آخر من عدم اليقين إلى أزمة الطاقة المتفاقمة التي يشهدها العالم في الوقت الحالي.

فمنذ أسبوع واحد فقط، كان من المتوقع أن تنطوي زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية على جانب نووي محتمل، حيث حضر أيضاً قمماً ضمت قادة الدول العربية الأخرى في «مجلس التعاون الخليجي»، وكذلك العالم العربي الأوسع نطاقاً.

 

وفي آب/أغسطس 2020، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المملكة “قد شيّدت بمساعدة صينية منشأة لاستخراج الكعكة الصفراء من خام اليورانيوم … [الأمر الذي] أثار قلق المسؤولين الأمريكيين والدول الحليفة من أن البرنامج النووي الناشئ في المملكة يمضي قدماً بينما تُبقي الرياض المجال مفتوحاً أمام خيار تطوير سلاح نووي”.

من هنا، كان المسؤولون في حالة تأهب خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم تحسّباً لأي تطور نووي جديد. فلهذه القصة خلفياتها في النهاية.

إذ أن الصواريخ التي باعتها الصين للسعودية قبل أكثر من 30 عاماً قادرة على حمل سلاح نووي، وللمملكة علاقات وثيقة مع باكستان، التي قايضت قبل 40 عاماً تكنولوجيا التخصيب بواسطة أجهزة الطرد المركزي بتصاميم أسلحة صينية وبضعة رؤوس حربية من المواد عالية التخصيب.

فإلى أي مدى ستساعد الصين المملكة العربية السعودية؟ الجواب غير واضح. فقد فرضت واشنطن عقوبات شديدة على الصين بسبب تعاملاتها مع باكستان، حيث تم حرمانها من التكنولوجيا النووية المدنية خلال الثمانينيات إلى أن استعادت موادها النووية المنقولة من إسلام أباد التي انصاعت على مضض آنذاك.

لكن الصين قد تقف موقف المتفرج هذه المرة، وتراقب باكستان تؤدي دوراً أكبر في هذا المجال. ويعتبر المطّلعون أن الرياض هي على الأرجح العميل الرابع للدكتور عبد القدير خان الذي أفشى الأسرار النووية وأُلقي اللوم عليه بالكامل في نقل التكنولوجيا، علماً بأنها انتقلت أيضاً إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية.

ووفقاُ لهذه الرواية، كان الجيش الباكستاني متآمراً مع خان، وقد عيّن هذا الجيش للتو رئيساً جديداً هو الجنرال عاصم منير.

وتتكهن وسائل الإعلام الباكستانية، التي تتمتع بدرجة عالية من الموثوقية، بأن منير سيقوم قريباً بزيارة إلى السعودية.

وتُفيد بعض التقارير أيضاً إن باكستان تسعى للحصول على قرض بقيمة 4,2 مليار دولار من المملكة لتعزيز احتياطها المتدني جداً من العملات الأجنبية.

وفي الواقع، إن السعودية ليست وحدها التي تعيد النظر في موقفها الدبلوماسي. ففي حديث للمستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي محمد بن زايد في اليوم السابق لانعقاد المؤتمر نفسه الذي شارك فيه وزير الخارجية السعودي، حذر أنور قرقاش الدول الأوروبية التي تلتمس من الخليج إمدادات الطاقة الطارئة من أن التعاون يجب ألا يتخذ شكل “صفقات”.

وفي إشارة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» المتعثرة مع إيران، أضاف عبارة يكتنفها غموض أكبر: “هذه فرصة لنا جميعاً لحضور (المؤتمر) وإعادة النظر في المفهوم بأكمله”.

وبخلاف حليفها السعودي، وافقت الإمارات على التوقيع على اتفاقية مع واشنطن بموجب الجزء 123 من قانون الطاقة الذرية – تُعرف بـ “اتفاقية 123” – تتخلى فيها عن التخصيب النووي وإعادة المعالجة النووية (مع أن هذه الاتفاقية تحتوي على بند وقائي للتملص من الالتزامات).