أعلن “جو بايدن”، في 4 فبراير/شباط الماضي عن السياسة الجديدة لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن السعودية.

وأكد هذا الإعلان التحول الذي طال انتظاره في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، الذي سيشهد إنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، مع جهد جديد من أجل التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الصراع.

ومع إعطاء أولوية لحقوق الإنسان كمحدد للعلاقات المستقبلية مع السعوديين، من المحتمل أن تبذل سياسة “بايدن” ضغطا كبيرا لإخراج السعوديين من اليمن، بينما يسعون لتحسين علاقاتهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

 

رمال متحركة

أوضح “بايدن”، في خطابه، أن السعودية لن تتلقى بعد الآن الدعم الأمريكي غير المحدود (الذي تمتعت به في عهد “دونالد ترامب”).

فقد تم إنهاء الدعم الأمريكي للهجوم الذي تقوده السعودية في اليمن؛ عسكريا من خلال تعليق مبيعات السلاح، ودبلوماسيا من خلال إطلاق مبادرة سلام جديدة في اليمن.

كما وعد الرئيس بإجراء حوار مستقبلي مع السعوديين على أسس أكثر أهمية من خلال التأكيد على حقوق الإنسان كعنصر أساسي في المخاوف الأمريكية.

يعكس هذا تحولا تاما عن نهج “ترامب” المتمثل في الدعم التام للسعودية، ويشير إلى أن التفويض المطلق الذي تمتعت به الأخيرة في شؤونها الخارجية والداخلية لم يعد موجودا. وسيؤثر هذا بشكل أساسي على مجالين هما: اليمن وحقوق الإنسان.

ففيما يتعلق باليمن، أشار “بايدن” إلى “الكارثة الإنسانية والاستراتيجية” في هذا البلد باعتبارها الدافع الرئيسي لرغبته في إنهاء الحرب الأهلية هناك، التي أودت بحياة أكثر من 100 ألف شخص وشردت 8 ملايين آخرين.

وفيما يتعلق بحقوق الإنسان، فإن مكالمة بين وزير الخارجية الأمريكيى “أنتوني بلينكين” ونظيره السعودي الأمير “فيصل بن فرحان” (في 5 فبراير/شباط الماضي) “رفعت شأن حقوق الإنسان” باعتبارها “أولوية رئيسية للإدارة الجديدة”، وهي أولوية من المرجح أن تُترجم إلى ضغط أكبر لتحقيق إصلاح داخلي في المملكة الخليجية.

لن يفاجئ إعلان السياسة، الذي طال انتظاره، السعودية، لكنه سيضغط عليها لإجراء تغييرات في سياستها الداخلية والخارجية من أجل تحسين علاقاتها مع إدارة “بايدن”.

 

اليمن

فيما يتعلق بالسياسة العسكرية، تم إلغاء جميع عقود بيع الأسلحة الأمريكية “ذات الصلة” للسعوديين، التي تشمل أي عتاد يدعم العمليات القتالية السعودية في اليمن، رغم أن الولايات المتحدة ستواصل تزويد المملكة بالمعدات الدفاعية ضد هجمات الحوثيين الصاروخية وهجمات الطائرات بدون طيار.

ورغم أن الكونجرس صوت سابقا لإنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية للحملة السعودية (في اليمن)، استخدم “ترامب” حق النقض الرئاسي لمنع تنفيذ القرار. وتثير ترجمة هذا التصويت إلى واقع الشكوك بشأن الصفقة البالغة 498 مليون دولار التي وقعها “ترامب” لبيع ما يصل إلى 7500 قنبلة ذكية للمملكة.

ومن منظور دبلوماسي، يشمل التحول في السياسة مبادرة أمريكية جديدة لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن.

فبعد يوم من خطاب “بايدن”، أكدت وزارة الخارجية عزمها إلغاء تصنيف “ترامب” للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. كما عين “بايدن” الدبلوماسي المخضرم “تيموثي ليندركينج” كمبعوث أمريكي خاص جديد لليمن لبدء محادثات سلام جديدة لإنهاء الصراع.

من المرجح أن تفرض هذه القرارات ضغوطا كافية على السعوديين لإنهاء أو على الأقل تخفيف حدة تصعيد الحرب في اليمن من خلال تسهيل محادثات بين الحوثيين والمملكة وإيران والأمم المتحدة بهدف أساسي يتمثل في السعي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

 

حقوق الانسان

فيما يتعلق بحقوق الإنسان، أعلنت إدارة “بايدن” في وقت سابق عن خططها لرفع السرية عن معلوماتها الاستخباراتية بشأن مقتل “جمال خاشقجي”.

من المرجح أن يحرج هذا ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” من خلال اتهامه بالمسؤولية الجزئية عن جريمة القتل، وإضعاف مصداقيته كشريك للولايات المتحدة.

بمعنى أوسع، على الرغم من عدم ذكر تفاصيل محددة، من المرجح أيضا أن تتخذ إدارة “بايدن” خطا أكثر حزما بشأن جرائم حقوق الإنسان داخل المملكة بما في ذلك حقوق المرأة، واحتجاز المعارضين السياسيين، وإعدام رجال الدين الشيعة.

ويبقى أن نرى إلى أي مدى سيذهب السعوديون في هذا الصدد، رغم أن قرارين تسكينيين صدرا عن نظام العدالة السعودي قد يخبرانا.

أولا، تم تخفيف الأحكام الصادرة بحق 3 شبان، بينهم “علي النمر”، نجل رجل الدين الشيعي الذي تم إعدامه (في يناير/كانون الثاني 2016) “نمر النمر”، إلى السجن لمدة 10 سنوات.

ثانيا، تم إطلاق سراح ناشطين سياسيين، هما “صلاح الحيدر” و”بدر الإبراهيم”، مطلع الأسبوع الماضي.

ويشير توقيت القرارين إلى أن المملكة تتخذ بالفعل خطوات لإصلاح علاقاتها مع واشنطن وسمعتها كحليف مَذمُوم. وإذا كانت هذه التحركات جزءا من سياسة جديدة، فمن المرجح أن تتخذ الرياض موقفا أكثر تساهلا بشأن العقوبات على النشاط السياسي في المستقبل المنظور.

 

المسار المستقبلي للعلاقات الأمريكية السعودية

تعني هذه الضغوط الأمريكية مجملة أن السعودية لم تعد قادرة على التصرف بحرية مع الإفلات من العقاب كما كانت تفعل في عهد “ترامب”.

وتكتسب السياسة الجديدة للولايات المتحدة قدرا هائلا من النفوذ على المملكة وتتسبب في قدر كبير من الضرر بسمعتها.

وتأمل إدارة “بايدن” في أن يدفع هذا النفوذ الجديد السعوديين إلى السعي لاسترداد سمعتهم من خلال تنفيذ إصلاحات داخلية والانسحاب من اليمن.

ومن خلال اتباع نهج أكثر انتقادا تجاه السعودية، ستؤدي سياسة “بايدن” إلى فصل المملكة جزئيا عن حملة “الضغط الأقصى” التي كان يشنها “ترامب” ضد إيران، والتي كان يُنظر فيها إلى السعوديين فقط من خلال عدسة الضغط الاستراتيجي على إيران.

وعلى الرغم من أن العلاقة الحميمة بين الولايات المتحدة والسعودية قد تتأثر على المدى القصير، لا تزال إدارة “بايدن” تعمل على أساس أن السعوديين هم أهم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة. إذ أشار “بايدن”، في خطابه، إلى هدف الولايات المتحدة المتمثل في الاستمرار في “مساعدة المملكة في الدفاع عن سيادتها… وشعبها”.

وفي الوقت نفسه، تضمنت مكالمة “بلينكن – بن فرحان” مناقشة حول مواجهة التهديدات المشتركة وتعزيز المخاوف الأمنية الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. لهذا السبب؛ هناك مصالح متبادلة كافية لإبقاء السعودية حليفا قويا للولايات المتحدة على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، رغم التحول في السياسة. أقلها أن الكثير من مكانة السعودية هو نتيجة الدعم الأمريكي، الذي سيسعى السعوديون بقوة لاستعادته.