سينعكس الإجراء السعودي بشكل إيجابي لصالح جماعة الحوثي”

في إجراءات مفاجئة، تعمل السلطات السعودية على إنهاء عقود اليمنيين العاملين في المدن الجنوبية للمملكة وتمنحهم أشهر قليلة لترتيب وضعهم ومغادرة هذه المدن.

ومع أن السلطات السعودية لم تعلن عن هذا الإجراء بشكل رسمي، وبالرغم من حالة الإنكار الواسعة لصدور أي قرار شبيه، فإن مسؤولا بإحدى الشركات العاملة في تنفيذ مشروعات عامة بالسعودية أكد الإجراء

وبين المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الرياض طلبت من أرباب العمل إنهاء عقود اليمنيين العاملين معهم في كل من نجران وجيزان وعسير والباحة، دون منحهم أي تعويض.

وذكر موظف يمني يعمل في شركة بمدينة نجران السعودية أن إحدى الوزارات، استدعت مالك الشركة وطلبت منها إنهاء عقود اليمنيين العاملين لديه.

وأوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه: “تم استدعاء مالك الشركة صباح اليوم (28 يوليو/تموز 2021) من قبل فرع الوزارة في نجران، وطلب منه الإمضاء على الإقرار بإنهاء عقود اليمنيين خلال أربعة أشهر، ولم يسمح له بتصوير الإقرار”.

 

إصلاح للسوق؟

وعقب ذلك الإجراء طلب من اليمنيين العاملين لديه الاجتماع وأطلعنا على حقيقة الوضع، قائلا إن “أوامر عليا جاءت بإنهاء العمالة اليمنية من غير أن يتم تفسير الأمر له”، على حد قوله.

وأضاف المصدر: “نحن من العمالة الماهرة والمؤهلة وحملة الشهادات العليا، ومن أعمدة هذه الشركة وكادرها الأساسيين وقد أمضينا أكثر من 15 عاما في العمل لديها، ومع هذا تم إخطار كل اليمنيين فيها، سواء العمالة الماهرة الحاصلة على شهادات عليا أو العمالة الرخيصة، بإنهاء تعاقدنا خلال 4 أشهر من غير أن نمنح أي تعويض أو يتم تسوية وضعنا”.

وعن هذا الأمر، يقول الكاتب والصحفي اليمني فهد سلطان: “ترحيل العمالة اليمنية من السعودية هو قرار قديم يعود للواجهة بين فترة وأخرى، ظهر بقوة في العام 2017، وحققت الرياض فيه بعض النجاحات، لكنها جمدته بسبب ظروف الحرب في اليمن واستمر تنفيذه ببطيء شديد خلال الأعوام الماضية”.

ويستدرك سلطان في حديثه “لكن السعودية وضمن رؤية 2030 عادت هذه المرة لإبعاد المغتربين اليمنيين باستراتيجية أكثر شراسة”.

ويبدو أن السعودية تريد أن تحقق جزءا كبيرا من تلك الرؤية إذا ما اعتبرنا أن السير بالقرار إلى النهاية سيجلب لها انتقادات ومشكلات كبيرة، على حين أنها ستعود إليه بعد عام أو عامين لتنفذ ما تبقى منه بشكل نهائي وكامل، وفق تقديره.

ويتابع الصحفي اليمني: “تبرر السعودية هذا الإجراء بإصلاح السوق السعودي الداخلي، وترى في المغتربين اليمنيين ثلاث مشكلات.

الأولى، أنها عمالة غير منظمة، والثانية أنها تستنزف أموالت كبيرة لخارج المملكة، إضافة إلى أنها أن تريد عمالة ضمن مواصفات جديدة سبق أن أعلنت عليها في مرات سابقة، حيث تعتقد أن الغالبية من اليمنيين لا يتمتعون بتلك المواصفات.

يتابع سلطان: “تشعر المملكة أن هذا التوقيت مناسب إلى حد كبير في التنفيذ، خاصة أن وضع الحكومة الشرعية أضعف بكثير مما كان عليه في السنوات السابقة، وأن الإجراءات الجديدة المتخذة غير المعلنة إلا في الدوائر السعودية ستحشد لها مبررات عندما تخرج إلى العلن متعلقة بالحرب بالحد الجنوبي وهجوم الحوثيين وستستفيد من هذا إعلاميا للسير مع الإجراءات إلى خط النهاية”.

 

“تهديد محتمل”

يذهب البعض إلى أن هذا الإجراء يعد مسألة أمن قومي، وقد حاولت التواصل مع مسؤولين سعوديين لتفسير الخطوة لكنها لم تحصل على استجابة، في حين يقلل البعض من الحديث عن البعد الأمني.

ويسكن عدد من اليمنيين الموالين لجماعة الحوثي، بشكل غير معلن، في المناطق الجنوبية، لا سيما في نجران، المدينة الحدودية مع مدينة صعدة معقل المليشيا.

وعلى نحو أقل في جيزان، بالإضافة إلى وجود إسماعيلي شيعي بارز في ذات المدينة.

وفيما يبدو فإن السلطات السعودية تخشى من أن يتم تكرار نموذج الجماعات الشيعية في المنطقة الشرقية، أي في الإحساء والدمام والقصيف والقطيف وتشكل تهديدا آخر لها.

هذا التهديد المحتمل يتضاعف فيما لو تمكن اليمنيون الموالون لجماعة الحوثي من مد أي علاقات مع السعوديين من ذوي المذهب الشيعي، حيث تتعاطى السلطات السعودية مع كل ما يتعلق بالوجود الشيعي في المنطقة الجنوبية والشرقية أيضا كمسألة أمن قومي.

لهذا فإن السعودية تتخذ على الدوام عددا من التدابير لتغيير البنية الديمغرافية للمنطقة الجنوبية.

وتقول دراسة حديثة بعنوان: “الأقلية الشيعية في السعودية تعايش أم خطر؟” صادرة عن منتدى السياسات العربية في مايو/أيار 2021: كانت مناطق الشيعة الإسماعيلية في نجران قد شهدت احتجاجات في العام 2000، ثم في العام 2006م نتيجة ما اعتبره اتباع الطائفة محاولات سلطوية لتغيير البنية الديموغرافية والدينية لمنطقة نجران.

ووفق الدراسة، فإن ذلك كان يجري عبر تسكين وتجنيس قبائل يمنية سنية، والسماح لها بحمل السلاح، واعتبر الاسماعيليون أن هدف السلطة من ذلك هو تذويبهم في الأغلبية السنية.

تضيف: “يفرض سلوك الأقلية الشيعية على النظام السعودي مواجهة المسألة الطائفية كأزمة بنيوية غائرة في المجتمع، وقادرة على الظهور بتعبيرات مستقبلية خطرة تتجاوز قدرة النظام الحالية على الضبط والاحتواء”.

من جهة أخرى، يفضي الانقسام الطائفي إلى مزيد من التدخلات الخارجية، ويعدّ التأثير الإيراني في الوسط الشيعي السعودي، رغم المد والجزر الذي يشهده، دليلًا على إمكانية التوظيف الخارجي للأقليات في ضرب استقرار المملكة.

 

انزعاج وغضب

وبطبيعة الحال فقد انزعج يمنيون من ذلك القرار المفاجئ الذي يشكل كارثة على اليمنيين العاملين هناك سواء كانوا من أصحاب المؤهلات العليا كالأكاديميين والأطباء أوعلى أصحاب الأصول الثابتة والشركات والمطاعم وحتى العمالة.

ففي منشور له على فيسبوك كتب مروان الغفوري وهو كاتب يمني وطبيب مقيم في ألمانيا: “طردت جامعة نجران (السعودية) في الأيام القليلة الماضية 106 أكاديميا يمنيا من أعضاء هيئة التدريس، وكلهم من حملة الدكتوراه. بالمثل تقوم جامعات الجنوب السعودي، في عسير وجازان والباحة وغيرها، بطرد كل الأكاديميين من الجنسية اليمنية”.

وتابع الغفوري: “لا استثناء تحت أي مسمى. عليك فقط أن لا تكون يمنيا إذا اردت أن تنجو من المحرقة. هكذا قالت المراسلات والخطابات الرسمية”.

وأضاف: “المستشفيات، من جهتها، ألغت عقودها الجديدة مع الأطباء اليمنيين ومنعت تجديد عقود وإقامات الأطباء القدامى”.

وأردف: “المؤسسات غير الصحية وغير الأكاديمية أبلغت الموظفين من الجنسية اليمنية بانتهاء عقودهم وطلبت منهم مغادرة البلاد. حتى المشاريع والمحلات الدنيا والأصغر طلب منها أن تتخلص منهم”.

و”في التعميمات الصادرة من الأعلى إلى الأسفل تعد السلطات السعودية أصحاب المؤسسات باستجلاب عمالة من جنسيات أخرى بتأشيرات مجانية وبحوافز، من أجل سد الفراغات الحادة”، وفق قوله.

وبدا كأن الأمر مقتصر على محافظات الجنوب السعودي، ولكن مؤخرا وصلت ذات الإجراءات الفعل حتى محافظات الشمال، بحسب ما قال.

وحمل الغفوري الحكومة الشرعية المسؤولية قائلا إنها: “تقف عاجزة كل العجز، وما من سبيل لإيقاف هذه المذبحة النازية (كونها استهدفت الناس وفقا لجنسيتهم) سوى ما كتبه الأطباء في مذكرة حزينة: الدعاء والصلاة”.

الجدير بالإشارة أن إنهاء عقود اليمنيين العاملين في المدن الجنوبية السعودية بالقدر الذي يتسبب بالضرر البالغ لهم وركنهم على رصيف البطالة، فإنه يتسبب بفقدان أكثر من 800 ألف أسرة يمنية لمصدر رزقها، حيث يعيل هؤلاء العاملون، وعددهم 800 ألف شخص وفقا لإحصائيات غير رسمية، أسرهم عبر التحويلات المالية الشهرية.

ما يجدر الإشارة إليه أن هذا التصرف والذي يراه مراقبون أمرا مجحفا سينعكس بشكل إيجابي لصالح جماعة الحوثي الذي ستسعى لتوظيف هذا الإجراء لصالحها في كسب مزيد من الموالين لها وفي تجنيد مزيد من اليمنيين للقتال ضد السعودية في الحد الجنوبي.

وكان الكاتب والصحفي اليمني عباس الضالعي قد كتب في تغريدة على حسابه في تويتر قال فيها: “إذا تم إخراج اليمنيين من جيزان ونجران وعسير وهي (مناطق يمنية) واستبدالهم بجنسيات أخرى ،سيتولد قناعة لدى اليمنيين في الداخل نظرة أخرى للاحتلال السعودي للاراضي اليمنية وسيدفعهم لتأييد أي جماعة لتحرير هذه الارض.. هذه الأرض سلمت للسعودية مقابل مشاريع وامتيازات والسعودية لم توف بها”.