تعد هذه الأيام محورية بالنسبة لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” فقد عاد والده الملك “سلمان” إلى المنزل بعد أسبوع قضاه في المستشفى بينما انتشرت أنباء مفادها أن عملية الخلافة قد لا تكون بعيدة.

ولا تقتصر التكهنات على عملية الخلافة حيث تشير التقارير الإعلامية إلى أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” قد يزور السعودية الشهر المقبل لحضور أول لقاء مع ولي العهد بالرغم أنه وعد خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية “دولة منبوذة” ومحاسبة المتورطين في مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.

وانتظر “بن سلمان” عودة والده البالغ من العمر 86 عامًا من المستشفى قبل السفر إلى أبوظبي للتعزية في وفاة رئيس الإمارات الشيخ “خليفة بن زايد آل نهيان”.

واستخدم “بن سلمان” تشكيل وفده للتأكيد على قبضته على الأسرة الحاكمة السعودية، ويبدو أنه أراد إيصال رسالة للمجتمع الدولي بأسره، خاصة “بايدن”، أنه يسيطر على المملكة بغض النظر عن أي شيء.

وكان الوفد مكونًا من ممثلين عن فروع مختلفة لعائلة “آل سعود” الحاكمة، بما في ذلك الأمير “عبدالعزيز بن أحمد”، الابن الأكبر للأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، شقيق الملك “سلمان” الذي يقبع خلف القضبان.

وبالرغم أنه لا يشغل أي وظيفة رسمية، لكن اسم “عبدالعزيز” تصدر وسائل الإعلام السعودية عند الحديث عن الوفد المرافق لـ”بن سلمان”.

وكان والده الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، واحدًا من 3 أعضاء في هيئة البيعة لم يدعموا تعيين “بن سلمان” كولي للعهد في عام 2017، وقد أنشئ هذا المجلس من قبل الملك “عبدالله” في عام 2009 لتحديد ولي العهد الذي سيرث العرش في السعودية.

احتجز “بن سلمان” الأمير “أحمد” وكذلك الأمير “محمد بن نايف”، وهما الرجلان اللذان يعتبرهما أهم منافسيه، فيما يعود جزئياً لشعبيتهما لدى المسؤولين الأمريكيين.

تم اعتقال “أحمد” في عام 2020 لكن لم يتم توجيه تهم إليه أبدًا، في حين أن “بن نايف” اتهم بالفساد. وعاد “أحمد” من لندن إلى المملكة في عام 2018، بعد أن ظهر في مقطع فيديو وهو يطلب من المتظاهرين ضد حرب اليمن توجيه خطابهم للمسؤولين الحاليين، أي الملك وولي العهد، وليس كل عائلة “آل سعود”.

ويتناسب إدراج “عبدالعزيز” في وفد أبوظبي مع سياسة “بن سلمان” منذ صعوده في عام 2015 والتي تتضمن تعيين الأقارب الأصغر سناً للأشخاص المحتجزين.

 

زيارة معززة لولي العهد

وسيحاول “بن سلمان” إقناع شعبه أنه أجبر “بايدن” على زيارة الرياض للتأكيد على ضمان أمن المملكة في مقابل زيادة إنتاج النفط.

ولم يكتفِ ولي العهد برفض طلبات الولايات المتحدة للمساعدة في خفض أسعار النفط ومساعدة أوروبا في تقليل اعتمادها على النفط الروسي، وإنما رفض أيضًا تلقي مكالمة هاتفية من “بايدن”.

وعندما سئل بعد شهر عما إذا كان “بايدن” قد أساء فهمه، قال “بن سلمان” في مقابلة له: “ببساطة، لا أهتم”.

وفي نبرة أقل تصادمية، أشار “محمد خالد اليحيى”، وهو زميل زائر في معهد هدسون، ورئيس تحرير سابق لـ”العربية الإنجليزية” المملوكة للسعودية، أن “السعودية تأسف لما تراه تفكيكًا أمريكيًا متعمدًا للنظام العالمي الذي أنشأته وقادته خلال العقود الماضية”.

ونقل “اليحيى” عن مسؤول سعودي كبير قوله: “أفضل صديق يمكن أن تحظى به السعودية هو أمريكا قوية وموثوقة. لذلك، فإن ضعف وارتباك الولايات المتحدة يمثلان تهديدًا خطيرًا ليس فقط لأمريكا، ولكن أيضًا بالنسبة لنا”.

وأشارت الولايات المتحدة إلى أنها تحول تركيزها بعيدًا عن الشرق الأوسط إلى آسيا على الرغم من أنها لم تسحب وجودها العسكري المهم.

وترى دول الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة تحاول تقليص التزاماتها الأمنية في المنطقة الولايات المتحدة وهو ما يتجلى في غياب أي رد أمريكي على الهجمات التي تتعرض لها السعودية والإمارات بالإضافة إلى جهود إدارة “بايدن” لإحياء الاتفاق النووي مع إيران.

 

تجاوز “خاشقجي”

التقى العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم مستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” ومدير وكالة الاستخبارات المركزية “بيل بيرنز”، مع ولي العهد خلال رحلات إلى المملكة العام الماضي، كما هاتف وزير الدفاع “لويد أوستن” ولي العهد.

وأوردت تقارير أن “بن سلمان” صرخ في وجه “سوليفان” بعد أن أثار مسألة مقتل “خاشقجي”. وقيل إن ولي العهد أخبر المسؤول الأمريكي أنه لا يرغب في مناقشة الأمر مرة أخرى وأن الولايات المتحدة يمكن أن تنسى طلبها لتعزيز إنتاج النفط السعودي.

ومع ذلك، فإن المصلحة متبادلة بين الولايات المتحدة والسعودية؛ وبينما يحتاج “بايدن” إلى نفط السعودية لكسر ظهر روسيا، فإن السعودية تحتاج إلى الولايات المتحدة كضامن أمني لها.

ويعرف “بن سلمان” أنه لا يوجد مكان آخر يذهب إليه، فقد أخرجت روسيا نفسها من المعادلة، والصين ليست قادرة ولا مستعدة لأن تحل محل الولايات المتحدة في أي وقت قريب.

وتحظى خطط زيارة “بايدن” للرياض بانتقادات داخل أمريكا، ويرى المنتقدون أن التطبيع مع “بن سلمان” ينسف القيم التي تتغنى بها الولايات المتحدة، ويجادل هؤلاء بأنه على الولايات المتحدة أن تتحدث وتتصرف وفق المبادئ، خاصة أنها تخوض معركة مع روسيا والصين على نظام عالمي جديد في القرن الـ21.

وفي مقال افتتاحي، أشارت صحيفة “واشنطن بوست” التي كان “خاشقجي” كاتب عمود فيها، إلى أن “التباين بين المبادئ الأمريكية المزعومة والسياسة الأمريكية سيكون صارخًا ولا يمكن إنكاره” إذا أعاد “بايدن” الانخراط مع السعودية.