MBS metoo

الخلاف السعودي الإماراتي.. تنافس اقتصادي ومواجهات إستراتيجية

مقدمة

بعد أنباء عن خلاف إماراتي – سعودي نادر يرتبط بالنفط، وبقرارات مرتقبة لمجموعة “أوبك بلس” (تضم دول أوبك بالإضافة إلى روسيا) حول استمرار خفض الإنتاج، واحتجاج إماراتي تجاه الرغبة السعودية تجاه هكذا تمديد، بدأت إجراءات سعودية تترى في مواجهة أبوظبي.

كان أولها قرار وقف الرحلات من الإمارات وإليها في ظل تفشي متحورات كورونا اعتبارا من 4 يوليو/تموز وإلى أجل غير مسمى.

وأصدرت الداخلية السعودية قرارا بمنع سفر المواطنين، دون الحصول على إذن مسبق من الجهات المعنية، إلى كل من الإمارات وإثيوبيا وفيتنام.

ولم تلبث الأجواء أن اشتعلت مع إجراء جديد تمثل في تعديل المملكة لقواعد الاستيراد من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي؛ لتستبعد بهذا التعديل كل السلع المنتجة بالمناطق الحرة، أو تلك التي تستخدم مكونات إسرائيلية، من الامتيازات الجمركية التفضيلية لدول الخليج.

الإمارات أعلنت لاحقا أن نصيبها الذي تحدده لها “أوبك بلس” ليس عادلا، وأنها قبلت الرغبة السعودية رغما عنها في إطار طمأنة المملكة بانتهاء موجة خفض الإنتاج في أبريل/نيسان 2020، وهو ما ترغب الرياض في تمديده لتعزيز السعر في سوق النفط.

ولكن بالرغم من هذا الإصرار الإماراتي، نجحت الرياض في إصدار قرار من “أوبك بلس” بتمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى ديسمبر/كانون الأول 2022، وهو ما يعني إصرار المملكة على تحدي الإمارات، وخنقها بأكثر من إجراء.

لم تكن ردود أفعال السعودية بحجم ما أشيع من خلاف، ما دفع للتساؤل عما يقف – حقيقة – وراء الخلاف السعودي – الإماراتي اليوم؟ وهل هو خلاف عادي ذو طبيعة نفطية أم أن له أبعادا أخرى اقتصادية وسياسية وأمنية؟

الدراسة تكشف ملامح الخلاف الراهن ومداه، بدءا باتجاه المملكة لوضع اقتصادها في موضع المنافسة البينية مع الاقتصاد الإماراتي؛ اليوم ومستقبلا، وحتى الرغبة الإماراتية المحمومة في تعزيز ثروتها ونفوذها، ولو بتهديد أمن السعودية، ما أدخل العلاقة بين البلدين في حالة من الانتقام والتحفز الذي سنعرف ملامحه.

 

أولا: التنافس الاقتصادي العام

يرى مراقبون أن الرياض وأبو ظبي تبدوان أمام مواجهة اقتصادية شرسة بعد بدء الأخيرة بالرد على الخطوات السعودية التي تهدد مكانة الإمارات الريادية في الخدمات والسياحة.

وتتحرك الدولتان على طريق ما بعد النفط، وفيما تحاول أبوظبي أن تمضي إلى زيادة إمكاناتها المستقبلية اقتصاديا وإستراتيجيا، بدأت السعودية تتحرك في نفس الإطار الذي شقته الإمارات لنفسها منذ أكثر من 3 عقود، سواء على صعيد ملفات استضافة الشركات أو السياحة غير الدينية، وحتى مجال إنتاج الطاقة النظيفة بغرض التصدير.

وتحتدم المنافسة بين البلدين مع تقدير الخبراء أن مساعي المملكة في هذا الإطار تهدد الإمارات بشكل خاص، وتتجاوز تهديدها باتجاه ابتلاع عدد من الفرص أمام دول عربية عدة.

 

ما ملامح هذا التنافس الذي قاد العلاقة بين البلدين من مربع التنافس إلى مربع المواجهة؟

  1. 1. ملف استضافة الشركات: يرتبط بملف الطاقة، ويستقل عنه في آن، رغبة السعودية في منافسة الإمارات في استضافة الشركات العاملة في الساحة الإقليمية.

ففي فبراير /شباط 2021، اتخذت السعودية قرارا يسري بدءا من مطلع العام 2024، بقصر تعامل المؤسسات والجهات الحكومية مع الشركات العالمية التي يكون لها فروع في المملكة، ومنع التعامل مع الشركات التي ليس لها فروع فيها.

وينطبق القرار على المؤسسات الكبرى التي لديها عقود مع الحكومة فقط. ويأتي في ضوء “رؤية 2030” التي وضعها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على جذب الاستثمارات الأجنبية.

خلفية هذا القرار – على نحو ما أسلفنا الإشارة إليه – برغبة السعودية في تنويع قطاعاتها الاقتصادية الفعالة، ودعم النمو الاقتصادي؛ لئلا تبقى رهينة إيرادات النفط، وتحفيز وتطويع أعمال الشركات والمؤسسات الأجنبية التي لها تعاملات مع حكومة المملكة.

القرار يهدف إلى الحد من التسرب الاقتصادي وتوفير فرص العمل، ورفع كفاءة الإنفاق، وضمان أن المنتجات والخدمات الرئيسة التي يتم شراؤها من قبل الأجهزة الحكومية المختلفة يتم تنفيذها على أرض المملكة وبمحتوىً محلي مناسب.

وفقا لهذا القرار، فإن أي شركة لديها تعاقدات مع أي جهة حكومية سواء كانت هيئة أو مؤسسة أو صناديق استثمارية أو أجهزة رسمية، سيتم إيقاف التعاقد معها في حال عدم وجود مقر إقليمي لها في المملكة بحلول عام 2024.

في هذا الإطار، أطلقت السعودية مبادرة تحفيزية للشركات الأجنبية تقضي بإعفائها من ضريبة الدخل، ومنحها حوافز لنقل مكاتبها الإقليمية إلى المملكة، وهو الأمر الذي دفع 24 شركة عالمية لإعلان عزمها على “نقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض، وذلك خلال “منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي عقد في المملكة 27 يناير /كانون الثاني 2021.

وأكد خبراء في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن القرار السعودي لا يعني منافسة دبي كمركز مالي وسياحي فقط، إنما هذا سيجعل المملكة تهيمن على اقتصاد الشرق الأوسط.

ومع إصدار هذا القرار، وقبل الخلاف السعودي الإماراتي الأخير، أرسل وزير المالية السعودي، محمد بن عبد الله الجدعان، رسائل طمأنة بقوله: إن “دبي لديها المزايا التنافسية الخاصة بها، وسنواصل العمل على إتمام جهود بعضنا البعض للحصول على بيئة صحية للتنافس”.

ورغم رسائل الطمأنة العديدة، توقع محللون ماليون أن تكون السوق السعودية مصدر جذب هام للاستثمارات، وأن إعادة رسم خريطة التدفق الاستثماري لن تكون على حساب دبي فقط، إنما على حساب منطقة الشرق الأوسط بأسرها.

جدير في هذا الإطار أن أحد أهم موارد تنويع الموارد الاقتصادية في أبوظبي يتعلق بجهودها لتحويل الإمارات المختلفة المكونة للاتحاد الفيدرالي الإماراتي إلى منصات لاستقبال الشركات العالمية وفروعها، بل ولسياحة المؤتمرات كذلك.

وتتكامل الإمارات المختلفة في هذه الأدوار، وإن كان لكل من دبي وأبو ظبي النصيب الأكبر من كعكة هذه المنصة، وذلك بما تحويه من مناطق حرة، ومنشآت فندقية فاخرة، ومطارات وشركات طيران ضخمة، علاوة على المنشآت الترفيهية التي تتركز في إمارة دبي.

  1. 2. الملف السياحي: من أبرز المجالات التي دخلت فيها السعودية مربع المنافسة مع دولة الإمارات ما يتمثل في اتجاه المملكة نحو توسيع نطاق إسهام قطاع السياحة في الناتج القومي الإجمالي السعودي، بما يتجاوز السياحة الدينية.

وبطبيعة التشريح الاقتصادي الإقليمي، فإن قطاع السياحة يمثل أحد المصادر المهمة للناتج المحلي الإجمالي للإمارات، حيث تبلغ اليوم قيمة استثمارات القطاع نحو 26.2 مليار درهم (7.1 مليار دولار أميركي)، أي ما يعادل 7 بالمئة من إجمالي استثمارات الدولة.

وتبلغ نسبة الزيادة المتوقعة 11 بالمئة سنوياً على مدى السنوات العشر القادمة، لتصل إلى 11.2 بالمئة من إجمالي الاستثمارات.

وفي عام 2016، بلغت نسبة المساهمة المباشرة للقطاع السياحي 5.2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. ومن المتوقع بلوغها 5.4 بالمئة في عام 2027.

أما نسبة المساهمة الإجمالية للقطاع في الناتج المحلي الإجمالي للدولة فبلغت 12.1 بالمئة ومن المتوقع ارتفاعها إلى 12.4 بالمئة في عام 2027. وبالرغم من هذه الحيوية المرتبطة بهذا القطاع، اتجهت السعودية لخنقه، وتعطيل إمكانات نموه التي تترقبها الحكومة الإماراتية.

وتعمل السعودية اليوم على تعزيز حضورها في سوق السياحة غير الدينية، و”تطوير” الخدمات التي تقدمها المنشآت الفندقية، وتنشيط الاستثمارات المحلية والدولية في القطاع.

وبما أن مثل هذا التوجه يقترب إلى حد خطير من هوية المملكة طيلة فترة ما بعد التأسيس، اتجه ولي العهد السعودي بخطوات راديكالية نحو احتواء الحالة الدينية، ليس فقط من خلال الاتجاه للسيطرة على “المذهب الوهابي” (مذهب عقدي متشدد أسسه الداعية محمد بن عبد الوهاب، واعتمد عليه مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز آل سعود لدعم شرعيته الدينية)، توافقا مع أطروحات غربية يؤمن بها ابن سلمان ترى في هذا المذهب عائقا أمام “السياسات الإصلاحية” في المملكة.

وفي هذا الإطار، يرى خبراء أن ولي العهد السعودي استغل هذا المسار لدفع “المذهب الوهابي” أكثر باتجاه “الوجهة الفكرية المدخلية” (تيار سلفي يبالغ في رفع منزلة ولي الأمر).

لم يكتف ولي العهد السعودي بهذه الخطوة، إنما سعى أيضا لاحتواء مضاعف للتيار الديني الإصلاحي (المعروف باسم الصحوة) داخل المملكة؛ والذي كان الصدام مع الأسرة الحاكمة أحد أهم مظاهر مساعيه الإصلاحية، حيث أقدم على سجن وقتل عدد كبير من رموزه، من أجل دفع من تبقى من قيادات هذا التيار نحو الصمت.

اهتمام السعودية بهذا القطاع، يحقق عدة أهداف بحسب مراقبين سعوديين، حيث يؤدي لتنشيط دورة رأس المال الاقتصادية داخل البلاد، وزيادة الفرص الوظيفية أمام السعوديين في هذا القطاع، وتمكين الأفراد وخاصة النساء.

غير أن أهم ما يشار إليه في هذا الصدد مبدأ “الحد من التسرب الاقتصادي”، وإعادة تدوير أموال السعوديين التي كانت تتجه لكل من الإمارات والبحرين ومصر بغرض الترفيه في الداخل السعودي.

لهذا، لا تقتصر السياحة الترفيهية على زيارة البقاع الجغرافية التي تتمتع بالجمال مثل بقية الشواطئ عبر العالم، لكنها تعدت ذلك في اتجاهات تشكل معارضة لتوجهات المجتمع السعودي المحافظ، مما يراه قطاع من المراقبين السعوديين “تتمة” للجهود في هذا القطاع.

وكان تقرير صادر عن “مركز المعلومات والأبحاث السياحية” (ماس)، التابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية، قد ذكر أن عدد الرحلات السياحية المغادرة خارج المملكة خلال عطلة صيف 2018، بلغ 9.4 مليون رحلة سياحية بنسبة نمو 7.4 بالمئة عن نفس الفترة من عام 2017.

في هذا الإطار، بلغت مصروفات السياح المسافرين خلال هذا الموسم وحده أكثر من 30.5 مليار ريال (8.1 مليار دولار)، بنسبة انخفاض 4.6 بالمئة عن عام 2017.

  1. 3. ملف مستقبل الطاقة: لا يمكن القول بأن هذا الملف خلافي بين البلدين، بل هو أقرب ما صرح به تقرير صادر عن مركز المعلومات والأبحاث السياحية “ماس”، التابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية.

وأشار التقرير إلى أن المشكلة في هذا الصدد مردها إلى التشابه الهيكلي بين اقتصاد البلدين.

الطبيعة غير التنافسية للمسار السعودي في هذا الملف، وعدم ارتباطه بالتوازنات الراهنة في سوق الطاقة دفعت الدراسة لتضمين هذا المحور ضمن قضايا الخلاف العام لا محاور التنافس التي تتبدى فيها النزعة الإقصائية للسياسة السعودية تجاه الإمارات.

وباعتبارها تخصصت في اقتصاديات الطاقة، وراكمت الكثير في ملف إدارتها، تتجه منطقة الشرق الأوسط لأن تصبح مُصدرًا رئيسا للطاقة النظيفة من خلال “الهيدروجين الأخضر”، ومن بين القوى التي تهتم بهذا الملف السعودية والإمارات على حد سواء.

وليست مراكمة أدبيات الإدارة وحدها ما يعزز هذا التوجه، بل إن الاقتصادات المعتمدة على النفط في بعض أكبر منتجي منظمة “أوبك”، مصممة على التنويع في مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط، ما يعد اتجاها تدريجيا لإحلال الهيدروجين محل النفط كمصدر للطاقة؛ وللدخل كذلك.

ويُنتج الهيدروجين الأخضر عبر التحليل الكهربائي للمياه باستخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح.

ومن المتوقع أن يلعب الهيدروجين دورًا بارزًا في خفض انبعاثات الكربون من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. والشرق الأوسط لا يريد أن يفوت هذه الفرصة، بحسب مقال نشره موقع Oil Price المتخصص في أخبار الطاقة.

ويشير المراقبون إلى أن الملفات التنافسية التي يجمعها رصيد البلدين قد تزايدت إلى حد كبير، لتضم مستقبل الطاقة. في العام 2020، وقعت مدينة “نيوم” اتفاقًا مع شركة “Air Products” وشركة “أكوا باور” السعودية لمشروع إنتاج الأمونيا الخضراء القائمة على الهيدروجين بقيمة 5 مليارات دولار، بهدف تصدير المنتج.

وتركز الإمارات على الطاقة الشمسية، والتوسعة المتزايدة لمشروع “Solar Park” (مجمع حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية)، الذي يتوقع أن يصل إنتاجه إلى 5 جيجاوات من الكهرباء بحلول عام 2030، كأكبر حديقة شمسية في موقع واحد في العالم.

وأطلقت دبي منتصف مايو /أيار 2021، أول مشروع هيدروجين أخضر على نطاق صناعي في المنطقة، يعمل بالطاقة الشمسية بالتعاون مع شركة “سيمنز إنرجي” الألمانية.

وفي إمارة “أبو ظبي”، تتجه كل من شركة مبادلة للاستثمار، وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وشركة أبوظبي الوطنية للاستثمار، لتشكيل تحالف ثلاثي ضخم لإنتاج الهيدروجين.

ولا يقتصر الأمر خليجيا على السعودية والإمارات، فقد أعلنت شركة الطاقة العمانية المملوكة للدولة “OQ” وشركة “InterContinental Energy” وشركة “EnerTech”، عن “خطط” لبناء واحد من أكبر مصانع الهيدروجين الأخضر في العالم.

ومن خارج الخليج، وفي العالم العربي، تتجه مصر كذلك لتدشين هذا المسار من مسارات إنتاج الطاقة، حيث أعلن وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، محمد شاكر المرقبي، في 14 يونيو /حزيران 2021 أن بلاده تخطط لاستثمار ما يصل إلى 4 مليارات دولار في مشروع لإنتاج الهيدروجين من خلال التحليل الكهربائي الذي يعمل بالطاقة المتجددة، وهو أمر – إن صح – فسيعني – على الأقل – تراجع الواردات المصرية من الطاقة.

وبإضافة هذا الملف التنافسي لقائمة طويلة من الملفات تعالجها هذه الدراسة، ترغب الإمارات في التعجيل بتطوير مشروعها لإنتاج الهيدروجين، لما يكفله السبق من حجز مقعد أكبر في السوق المستقبلي مقارنة بالمنافسين السعودي والعماني.

  1. 4. الطيران السعودي: وفي هذا الإطار التنافسي كذلك، وبحسب ما أفادته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، تتجه السعودية نحو إطلاق شركة طيران جديدة للتنافس مع طيران الإمارات والخطوط القطرية، تستهدف مسارات دولية جديدة تنافس تلك التي تعمل عليها شركات الطيران الخليجية الكبرى، وتوفر رحلات ربط (ترانزيت) منافسة كذلك، وهي خطوة تتواصل مع خطة دعم منصة عمل الشركات، بقدر ما تمثل مدخلا لتعزيز فرص السياحة للمملكة.

 

ثانيا: ملفات الطاقة

كان ملف الطاقة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وكما أشرنا، فإن المساعي السعودية الممنهجة لانتهاج نفس الطريق الإماراتي، والظفر من الاقتصادات الخليجية والإقليمية بحصة اقتصادية وأمنية، من شأنها تكريس التنافس بين البلدين.

وهو ما دفع الإمارات للتشدد في ملف النفط، غير أن الأمر تجاوز ملف “أوبك بلس”، بل وسبقه كثيرا، ما يربطه مراقبون بمساع إماراتية لتعزيز أدوارها الوظيفية أملا في مساندة محور شرق المتوسط الموسع لها في رغبتها بحسم خلافاتها الحدودية مع السعودية.

 

ما ملامح التدافع على الصعيد النفطي؟

  1. 1. ملف الإنتاج النفطي: مع تزايد أزمة أسعار النفط، والتي بلغت حد بيع سعر النفط الخام بأسعار سالبة بسبب جائحة “كوفيد 19″، اتفقت مجموعة “أوبك بلس” (أوبك + روسيا)، في أبريل/نيسان 2019، على خفض الإنتاج قرابة 10 ملايين برميل يوميا اعتبارا من مايو/ أيار 2020، ووضعوا خطة لإنهاء تلك القيود بصورة مرحلية حتى نهاية أبريل/ نيسان 2022.

ومع التعافي النسبي لأسعار النفط، والذي يتداول اليوم عند أعلى سعر له منذ نحو 3 أعوام، اتجهت “أوبك بلس” – تحت ضغوط السوق – نحو زيادة الإنتاج بنسبة بسيطة.

وتدفع كل من الرياض وموسكو باتجاه تمديد خفض الإنتاج وفق خطة لضخ ما مقداره 400 ألف برميل يوميا اعتبارا من أغسطس /آب  وحتى ديسمبر /كانون الأول من العام 2022، بحيث تصل كمية النفط الإضافية المطروحة في السوق بحلول نهاية السنة إلى مليوني برميل في اليوم.

ومنذ مايو/أيار 2021، أعادت “أوبك بلس” ضخ النفط مع تقليل الإنتاج، ما أدى لرفع الأسعار التي باتت تدور حول عتبة 75 دولارا.

وترفض الإمارات هذا الطرح، وترى أن الوقت مبكر للموافقة على التمديد حتى نهاية عام 2022، وأنها ترغب في أن تتم إعادة مناقشة مستويات الإنتاج بحلول نهاية الاتفاق الحالي في أبريل /نيسان من ذات العام المذكور.

ولا تعارض الإمارات مبدأ زيادة إنتاج المجموعة، بل ترغب في أن ترفع إنتاجها الخاص، وتقول: إن خط الأساس الخاص بها – وهو مستوى الإنتاج الذي يتم من خلاله حساب التخفيضات – متدنٍ للغاية، وأنها كانت مستعدة لقبوله إذا انتهى الاتفاق في أبريل/نيسان.

وترغب الإمارات في أن يتحدد خط الأساس لإنتاجها الخاص عند 3.8 ملايين برميل يوميا مقارنة بالمستوى الحالي عند 3.168 ملايين برميل يوميا.

وتطور الأمر بين الدولتين، انتقالا من إدارة المفاوضات في الغرف المغلقة، إلى التصريحات العلنية الاحتجاجية من جانب الإمارات، حيث صرح وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، قائلا: “أحضر اجتماعات أوبك منذ 34 عاما، لم أشهد طلبا مماثلا”.

فيما رد وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي “سهيل المزروعي” في تصريحات شديدة اللهجة قائلا: “إن مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل /نيسان”، وأنه “لا يُعقل أن نقبل باستمرار الظلم والتضحية أكثر مما صبرنا وضحينا”. وتعد مثل هذه التصريحات العلنية المتبادلة نادرة في منطقة يتم فيها تسوية الخلافات بين الحلفاء عموما بأقصى قدر من التكتم.

ويرى غالبية المراقبين أن الفشل في الوصول إلى اتفاق قد يؤدي إلى الاستمرار في القيود، ومن ثم الارتفاع الحاد في أسعار الخام، وهو ما يهدد التعافي الاقتصادي العالمي الذي تهاوى بسبب “جائحة كوفيد 19”. في حين يرى مراقبون آخرون أن الخلاف قد يهدد أيضا بتفكيك “أوبك بلس”، ما قد يتسبب بحرب أسعار ستؤدي إلى فوضى اقتصادية عالمية.

وسبق أن أدى خلاف بين موسكو والرياض، في العام 2020، إلى تدهور سعر الخام الأميركي إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في التاريخ. ويعرب خبراء عن قلقهم من الخلاف الإماراتي السعودي.

وفي 18 يوليو/تموز، اتفقت مجموعة “أوبك بلس” على تمديد خفض الإنتاج حتى نهاية 2022، فيما لم تصدر بعد عن أبوظبي بادرة تصعيد، وهو رد الفعل الذي أفاد معه بعض الخبراء التنبؤ باحتمال مغادرة الإمارات منظمة “أوبك”.

وجه الخلاف بين البلدين في هذا الصدد أن السعودية تريد أن تجمع مما تبقى من نفطها أكبر قدر ممكن من الثروة تمكنها من توفير بنية تحتية لاقتصاد ما بعد النفط.

فيما الإمارات التي بدأت رحلة الاستعداد لعصر ما بعد النفط منذ أكثر من ثلاثة عقود تريد أن توفر قدرا من السيولة بعد ارتفاع تكاليف مغامراتها العسكرية والسياسية.

وخاصة مع اتساع نطاق انتشارها ليطال شرق المتوسط، والمناوشات التي اشتركت فيها، والتي تجري بين تركيا من جهة وكل من فرنسا واليونان والهند والإمارات والكيان الصهيوني من جهة ثانية.

  1. 2. ملف الثروة وترسيم الحدود: يذهب خبراء آخرون إلى توضيح بعد جديد فيما يتعلق بالخلاف السعودي الإماراتي، فيما يتعلق بملف الطاقة التقليدية.

وكان الخلاف الحدودي المتعلق بالثروة والطاقة مصدر نزاع بين البلدين منذ استقلال الإمارات في 18 يوليو/تموز 1971.

وما زال الخلاف مستمرا بالرغم من قوة العلاقة بين البلدين خلال العقد الأخير. وموضوع الخلاف السعودي الإماراتي يتمثل فى ملفات عدة، أبرزها ملف حقل الشيبة وخور العديد.

يرى الإماراتيون أنهم تنازلوا عن الحقل مؤقتًا أثناء الأيام الأولى لاستقلال دولتهم، في مقابل حل أزمة واحة «البريمية»، وازدادت الأزمة بعدما منعت السعودية الإمارات من التنقيب عن النفط في الجزر المقابلة لحقل الشيبة، واعتبرته تعديا على سيادتها.

كما وقع خلاف بين البلدين حول خور العديد بعد اكتشاف كميات هائلة من النفط به، ووقعوا على اتفاقية جدة عام 1974، وقضت بتخلِّي الإمارات عن «خور العديد» و«حقل شيبة»، بينما تنازلت السعودية عن جزء من واحة البريمي.

إلا أنه بعد وفاة مؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ظهر الخلاف مرة أخرى.

وأصدرت الدولة في عام 2006 كتابها السنوي خرائط جديدة يظهر فيها خور العديد تابعًا للمياه الإقليمية الإماراتية.

وكادت العلاقات تنقطع بين البلدين عندما أطلق زورقان تابعان للإمارات النار على زورق سعودي في خور العديد واحتُجِزَ اثنان من أفراد حرس الحدود السعودي عام 2010، وما زالت مشكلة الحدود قائمة حتى الآن.

ولا يمكن القول بأن الخلافات بين البلدين، والتي تسبق تأسيسهما بنحو مائتي عام، قد دُفنت مع تولي محمد بن زايد ولاية العهد في أبوظبي، وغدوه الحاكم الفعلي للإمارات.

ففي وثيقة سرّبها موقع ويكيليكس، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2010، نُقل عن محمد بن زايد قوله في 31 يوليو/ تموز 2006: إن “الإمارات وقطر خاضتا حروباً ضد السعوديين، وإن أبوظبي وحدها خاضت 57 معركة ضد السعودية خلال الـ250 سنة الماضية، السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء، ولكن نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط”.

ويشير مراقبون بين نشاط الإمارات في شرق المتوسط، أو نشاطها مع “أوبك بلس” لمنع تطور العلاقات الروسية السعودية؛ وهو دور تلعبه لصالح الولايات المتحدة، وبين سعيها لترسيم الحدود مع الرياض.

وذلك من خلال بناء محور داعم لها خلال مطالبتها بالترسيم، وهو محور يبدو أنه يتجه لاستيعاب الولايات المتحدة نفسها؛ عبر عدد من الأدوار الوظيفية التي تباشرها الإمارات في هذا الصدد.

وثمة دراسات جيولوجية وسيزمية (المسوح الزلزالية) أثبتت وجود احتياطيات نفطية وغازية هائلة في مياه الخليج المحيطة بالإمارات، وهي دراسات ترى معها أبوظبي ضرورة ترسيم الحدود مع السعودية لضمان تحصيلها، وتجاوز مبدأ الإنتاج المشترك فيها لصالح حسم قضية السيادة عليها.

 

ثالثا: الخلاف الإستراتيجي

المواجهة السعودية الإماراتية تبدو في أحد أبعادها منافسة على قيادة الإقليمين العربي والخليجي، وربما الشرق أوسطي كذلك.

وفيما تباينت المصالح بين الدولتين في كل من اليمن والبحر الأحمر وشرق المتوسط وحتى العلاقة مع إسرائيل، بدت المواقف الإماراتية دوما ضمن مربع الإصرار على إثبات الخلاف بين “الحليفين”. فما ملامح هذا الخلاف؟

  1. 1. اليمن: يمكن القول بأن من بين أسباب الخلاف بين الدولتين تلك القرارات والأهداف المستقلة التي التزمتها الإمارات، خروجا عن التوافق الإستراتيجي الذي ابتدأت به الدولتان حربهما على اليمن.

فمنذ بداية الحرب في اليمن مارس/آذار 2015، شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة في مقاتلة ثلاثة أعداء في آنٍ واحد: جماعة الحوثي، والإخوان المسلمين، وتنظيمي “القاعدة” و”الدولة”، بحسب نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية، قائد العمليات المشتركة في اليمن عيسى بن عبلان المزروعي.

أما المملكة، فكان هدفها واضحا، وهو احتواء الحوثيين وتقليم أظافرهم، إن لم يكن القضاء عليهم ممكنا.

وهكذا بدا الخلاف واضحا، وبخاصة مع استضافة الرياض قيادات من “حزب الإصلاح” الإسلامي، وتعاونها مع أذرعه العسكرية في الميدان لمساندة قوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مواجهتها للحوثيين.

كان الهدف السعودي إستراتيجيا؛ ومحط تركيز لدرجة أن تقارير أبرزت تعمد الضربات الجوية السعودية تفادي “تنظيم القاعدة” في البداية، لأنه كان يشن هجماتٍ ضد الحوثيين، وكذلك كان الحال مع “تنظيم الدولة” الذي كان يقاتل الطرفين معا، وإن كانت مواجهته للحوثيين أشد كثافة.

ومن جهة أخرى، تضاربت المصالح بين الطرفين على صعيد آخر، وفيما استمر تركيز السعودية على هدفها، تطور هدف الإمارات باتجاه السيطرة على الموانئ اليمنية، ومن هنا بدأت أنماط التحالفات في التغير، حيث بدا كل منهما يدعم طرفاً لصالحه.

إذ تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الانفصالي في جنوب اليمن، بينما تدعم السعودية حكومة عبد ربّه منصور هادي.

دعم أبوظبي لانفصال الجنوب من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، ثم انسحابها من اليمن عام 2019، أدى إلى إضعاف موقف السعودية التي باتت وحيدة برفقة قوات الحكومة اليمنية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران ومليشياتها المسلحة.

بذلك، بقيت السعودية مع خيارات أقل في اليمن، فإما أن تواصل القتال لتغيير ميزان القوى على الرغم من الانقسامات الواضحة داخل التحالف، أو أن تدفع حكومة عبد ربه هادي منصور إلى إبرام اتفاق هش مع الحوثيين لتأمين خروج من حرب اليمن يحفظ لها ماء الوجه.

وبرغم “اتفاق الرياض” الذي جرى توقيعه بحضور وليي العهد في البلدين، فإن تغير الأهداف الإماراتية حال دون نجاحه، ما ترك بنود الاتفاق الأساسية من دون تنفيذ حتى اليوم، ودفع السعودية للظهور بمظهر العاجز الذي يتسول الوصول لأي تسوية.

وتعد مشكلة الصورة الذهنية عن ولي العهد ونجاحاته من أهم ما كان الطرف السعودي يعنى به، وبلغ الأمر حد اتجاه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للاستعانة بتركيا، في حين قرر ابنه الاستعانة باليونان وفرنسا وحتى المملكة المتحدة.

  1. 2. البحر الأحمر: سبق أن أشرنا في محور النفط إلى مساعي الإمارات لدفع السعودية للتوقيع على اتفاق بترسيم الحدود بين البلدين، وخلال حرب اليمن، سعت أبوظبي للسيطرة على الموانئ اليمنية وجزيرة سقطرى، وتمكنت من إحكام قبضتها على مداخل البحر الأحمر، سواء عبر جيبوتي وإريتريا، أو عبر اليمن.

وتصاعدت الاتفاقات بينها وبين إسرائيل على نقل النفط عبر خط إيلات – عسقلان (البديل لقناة السويس)، لكن طموح الإمارات بلغ حد التفكير في سيطرة مشتركة على البحر الأحمر بالتعاون مع تل أبيب مع مشاركة عربية رمزية ثانية مثلها السودان الذي كان يتطلع للتطبيع ورفع اسمه من قوائم “الإرهاب”.

هذا الدور كانت تؤديه الإمارات – كما في شرق المتوسط – وكالة عن الولايات المتحدة، وكانت روسيا آنذاك قد بدأت في الدفع باتجاه تنفيذ وعد الرئيس السوداني الأسبق “عمر البشير” في بناء قاعدة روسية بحرية بجوار ميناء “بورتسودان”.

كما يمكن الحديث عن وجود رغبة مشتركة “إماراتية – إسرائيلية” لاحتواء الوجود التركي في البحر الأحمر، وتوفير نواة يمكن البناء عليها لمواجهة أنقرة في هذه المنطقة، سواء عبر وجودها في القرن الإفريقي، أو عبر حضورها في “ميناء سواكن” السوداني، وهو ما مثل أحد دوافع مساهمة الإمارات في تأسيس القاعدة العسكرية المصرية في منطقة “برنيس”.

تقوم الإمارات بهذا النشاط بمعزل عن المملكة رغم أن البحر الأحمر هو أحد أهم المرتكزات الإستراتيجية للسعودية التي تعد صاحبة أكبر السواحل المطلة عليه، ما دفعها في مطلع عام 2020 لتدشين “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، في اجتماع عقد بالرياض، وحضره وزراء خارجية السعودية ومصر واليمن والأردن والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال، الذين وقعوا ميثاق تأسيس المجلس.

وبالرغم من أن السعودية قلقة من الوجود التركي، فإنها ما زالت تحمل قدرا من الحساسية تجاه إسرائيل التي يبدو أنها تجاوزت خطوطا حمراء عدة وهي تحاول دفع المملكة باتجاه التطبيع.

  1. 3. العلاقة مع إسرائيل: تبدو العلاقة بين أبوظبي وتل أبيب في أحد أبعادها دعوة للاستقواء بالكيان الصهيوني في مواجهة السعودية، وبخاصة فيما يتعلق بترسيم الحدود بين البلدين الخليجيين.

هذا علاوة على الطموح المشترك الإماراتي – الإسرائيلي في البحر الأحمر وترتيباته التي تزعج المصريين والسعوديين على حد سواء، برغم ميول السعودية باتجاه التطبيع.

وتقف هذه السياسة الإماراتية – الإسرائيلية وراء استجابة الرياض للمطالب الخليجية بضرورة الوقوف ضد تمدد حضور تل أبيب في الخليج، ليس فقط لأبعاده الثقافية؛ بل لأسباب أمنية كذلك، ترتبط باستفزاز إيران، وهي المخاوف المرتبطة بتكرار ضرب أهداف إسرائيلية وأميركية في الموانئ الإماراتية، والتي لم يكن آخرها “تفجير جبل علي” في 8 يوليو/تموز 2021.

وهي ترتيبات أسفرت عن اتجاه الولايات المتحدة لنقل مخازن سلاحها من قاعدة “السيلية” القطرية إلى تل أبيب، ما يعكس مخاوف قطرية من أن تُستباح أجواؤها؛ ما يورطها في مواجهة لا تريدها مع إيران، علاوة على مخاوف أميركية من أن تفقد قدرتها التعبوية في الخليج بضربة واحدة في حال نشوب صراع مع إيران.

لكن مراقبين يرون أن العلاقة بين السعودية والإمارات قد اهتزت بسبب لعبة مشتركة إماراتية – إسرائيلية أخرى، تتعلق بالرغبة في دفع المملكة نحو تطبيع سريع، إبان فترة حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو الأخيرة، وذلك عبر التهديد بزعزعة وضع العرش السعودي من خلال اللعب بورقة أبناء الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سعود.

الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سعود، هو الابن السادس عشر من أبناء الملك عبد العزيز الذكور، ووالدته هي الأميرة حصة بنت أحمد السديري ويعتبر أحد من يطلق عليهم لقب: “السديريون السبعة”.

وقد وظفت الإمارات هذه الورقة كذلك للضغط على ولي العهد السعودي في ملفات عدة اقتصادية ونفطية.

ولم تكن هذه آخر أوراق ضغط الإمارات عبر علاقاتها الإقليمية، بل يبدو أنها سعت لعرقلة التواصل التركي مع مصر.

فقد بدأت في نسج علاقات أمنية؛ بمستوى غير معروف السقف حتى الآن؛ مع تركيا فيما يتعلق بالملف الليبي، عبر الأمير سيف بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية وعضو المجلس الأعلى للأمن الوطني في دولة الإمارات.

هذه الترتيبات فتحت الباب لاحقا لتطوير العلاقات التركية – الإماراتية بعد زيارة مستشار الأمن الوطني، طحنون بن زايد، إلى تركيا في 21 أغسطس/آب 2021.

ويضاف إلى هذه الصورة تلكم الإحاطة الكاملة بولي العهد السعودي، بدءا من منع تدريب حرسه الخاص في الولايات المتحدة بعد واقعة “اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي”، وإبعاد الحرس المنتمين للقبائل الكبرى من الحرس الوطني، وإيكال حراسته لمنظمة خاصة سهلة الاختراق (منظمة بلاك ووتر).

إضافة إلى إيكال مهمة إدارة المواجهات مع الأسرة الحاكمة السعودية لهذه الشركة التي تحمل بعض قياداتها علاقة خاصة مع بعض ضباط الموساد الإسرائيلي.

ومن ثم إمكانية عدم المساس بأوراق الضغط الإماراتية – الإسرائيلية، وإمكانية وصول الموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي) في أية لحظة لأي أمير سعودي، بما فيهم الملك سلمان وولي عهده.

هذا علاوة على ما كشفه رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابق، يوسي كوهين، من وجود مكتب خاص في الإمارات لدراسة السعودية وتحركاتها المستقبلية، وهو ما من شأنه إثارة حفيظة المملكة التي ما زالت شخوصها قادرة على التعبير عن قلقها، وإثارة قلق ولي العهد السعودي في آن.

 

خاتمة

هل هو تنافس أم خلاف أم انتقام؟ من الجيد أن نذكر أن العلاقات بين الإمارات والسعودية قامت على أكتاف خلافات سابقة عميقة، وكان التحالف تعبيرا عن مصالح وتفاهمات احتاج الطرف السعودي لتضخيمها لظروف تخصه، ولم تلبث أبوظبي أن أنكرت التحالف متى انتهت من مصالحها.

ويبدو أن “التفكير السعودي خارج الصندوق” يأخذ صيغة انتقامية من الإمارات، بقدر ما يخدم ما اعتادته دول الخليج من “طموح الأخ السعودي الأكبر”، الذي اصطدم بمجلس التعاون ، كما اصطدم بمصر على حد سواء.

وفيما تمكنت دول الخليج من مواجهته، خضعت مصر عبر تسليم جزيرتي “تيران” و”صنافير” للسعودية. لكن الإمارات اتجهت بوضوح لرفض مطامح الأخ الأكبر، وشرعت في حشد الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي ترقبا للمواجهة القريبة.

الصيغة السعودية لاقتصاد ما بعد النفط هي تنافسية تضر الجوار الخليجي بأسره، وبخاصة الإمارات التي قام اقتصادها على تعزيز “منصة الأعمال” و”السياحة النوعية”، فيما تتجه المملكة اليوم لابتلاع السوقين، وبلغ معها هذا الأمر حد الإطاحة بتياري الوهابية والصحوة.

الطموحات الإماراتية المرتبطة باستدعاء إسرائيل أثارت حفيظة السعوديين الذي شعروا بحجم الاختراق الأمني، والذي بلغ حد حماسة كل أمراء آل سعود، بما في ذلك الملك وولي العهد، ثم اللعب بورقة زعزعة العرش من أجل التعجيل بخطوة التطبيع.

وهو الأمر الذي أقلق المملكة، وأدى لتوتير العلاقات مع كل من الإمارات وإسرائيل تجاوزا لتصورات ابن سلمان المرتبطة بالانفتاح على “تل أبيب” ودول أوروبا، وبخاصة بعد الجفوة الأميركية السعودية التي رافقت وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض.

Exit mobile version