أثار تخلي المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي اليمني في 29 يوليو/تموز عن إعلان “الحكم الذاتي” آمالًا في أن ينتهي جمود المفاوضات مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.

بعد ذلك، تعهد الجانبان بتنفيذ اتفاق الرياض الذي جرى توقيعه في نوفمبر/تشرين الثاني والتعاون لتشكيل حكومة وحدة خلال 30 يومًا.

ومع ذلك، ففي 25 أغسطس/آب أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي تعليق مشاركته في المشاورات بشأن اتفاق تقاسم السلطة، وذلك مع اندلاع الاشتباكات مرة أخرى بين الجانبين، مما يشير إلى انهيار اتفاقية الرياض.

استمرت التوترات والخلافات العميقة بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وحكومة “عبدربه منصور هادي” المدعومة من السعودية بشأن السيطرة على أراضي جنوب اليمن وموارده.

علاوة على ذلك، فإن أبوظبي والرياض على خلاف فيما يتعلق بالحكومة اليمنية المستقبلية بالرغم من كونهما شريكين في التحالف ضد الحوثيين منذ البداية، وذلك بسبب طموحاتهما الجيوسياسية المتباينة.

 

محاولات محدودة للإحياء

أدى الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي “أحمد حامد لملس” اليمين أمام الرئيس “هادي” محافظًا لعدن في 11 أغسطس/آب.

وفي نفس الأسبوع، واصل “لملس” المفاوضات في الرياض لمناقشة تشكيل مجلس الوزراء مع رئيس الوزراء اليمني “معين عبدالملك سعيد”.

بارك السفير الأمريكي في اليمن تعيين “لملس”، منوهاً لأهمية توليته منصبًا في الحكومة الجديدة باعتباره من ذوي الخبرة، وتم الإشادة بكل هذه الخطوات باعتبارها إشارات إيجابية على إحياء اتفاق الرياض.

كان الهدف من اتفاق الرياض هو خفض التوترات التي استمرت لمدة عام بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة “هادي”، بعد أن قام المجلس بانقلاب في عدن -العاصمة التاريخية لجنوب اليمن والعاصمة الإدارية المؤقتة لحكومة “هادي”- ثم تحرك للسيطرة على جنوب اليمن في أغسطس/آب 2019.

ومع ذلك، حافظت الرياض وأبوظبي على تنسيق قوي وتمكنتا من جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات في اتفاق الرياض.

وعلى الرغم من المحاولات الخارجية المستمرة لإنقاذ اتفاق الرياض، أعاقت التوترات الكامنة أي تقدم كبير في تنفيذه، وعلاوة على ذلك، اشتبك الجانبان باستمرار في محافظة أبين طوال شهر أغسطس/آب، حيث اتهمت حكومة “هادي” المجلس الانتقالي الجنوبي بانتهاك بنود اتفاق الرياض.

 

التوترات تعيق الاتفاقية

في 14 أغسطس/آب، اتهم المتحدث باسم القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في أبين، “محمد النقيب”، ما سماه “ميليشيا الإخوان الإرهابية” (أي حزب الإصلاح) باستخدام العنف.

وغالبًا ما انتقد المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة لضم “حزب الإصلاح” وطالب بضرورة انسحاب “الإصلاح” من أجل تنفيذ الاتفاق.

وكانت هذه التوترات قد أعاقت الاتفاق سابقًا، حيث رفض المجلس الانتقالي سحب قواته، بل وانسحب مؤقتًا من اتفاق الرياض في يناير/كانون الثاني الماضي، متعللًا بوجود “الإصلاح” ضمن الحكومة.

ومنذ ذلك الحين، اشتبك الجانبان مرارًا وتكرارًا بسبب رفض كل طرف التنازل عن الأرض، لا سيما في محافظتي شبوة وأبين اللتين لهما موقع استراتيجي والغنيتين بالنفط.

ويمكن أن تمنع هذه الاختلافات المستمرة أيضًا انضواء جميع القوات المسلحة تحت سيطرة الحكومة، وهو أحد الشروط الرئيسية لاتفاق الرياض.

وعلاوة على ذلك، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في 29 يوليو/تموز أن هدفه النهائي لا يزال استقلال الجنوب، على الرغم من دعمه لاتفاق الرياض.

كما أرسل المجلس تعزيزات إلى أبين في 29 أغسطس/آب، مما زاد من خطر اندلاع مزيد من الاشتباكات، في الوقت الذي أشار فيه إلى أنه يعطي الأولوية الآن للتدابير العسكرية على الدبلوماسية.

 

الخلاف السعودي الإماراتي

لكن السعودية حريصة على نجاح الاتفاق ومنع انفصال المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد كان هدفها الأساسي من الاتفاق هو تعزيز سلطة “هادي” الذي تفضل حكمه على اليمن، وبالتالي تأمين نفوذها ومنع انهيار التحالف المناهض للحوثيين.

سيؤدي انهيار الاتفاق إلى إعاقة نفوذ الرياض في اليمن، لأنه سيهمش “هادي” ويسمح للحوثيين بتعزيز سيطرتهم على الشمال.

ويعتمد نجاح الاتفاق على الإمارات التي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي. وقد سعت الإمارات منذ فترة طويلة للسيطرة على الموانئ الجنوبية لليمن، ولا سيما عدن والمكلا، لإنشاء مجال نفوذ على البحر الأحمر وتعزيز التجارة البحرية.

وإذا استمر المجلس الانتقالي الجنوبي في السعي وراء طموحات الاستقلال، فربما سيؤدي ذلك إلى انهيار الاتفاق.

علاوة على ذلك، فإن الإمارات تتشارك مع المجلس الانتقالي الجنوبي في كراهية “حزب الإصلاح” الموالي لـ”هادي” وتسعى إلى تهميشه.

كما يشكل “هادي” عقبة أمام الحكم الإماراتي، إذ يمنع الإمارات من السيطرة على موانئ جنوب اليمن.

أوردت الأنباء أن الإمارات خفضت تمويلها للميليشيات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، في محاولة لتجنب تهديد تحالفها مع السعودية.

ومع ذلك، فإن استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على جزيرة سقطرى الاستراتيجية في يونيو/حزيران يشير إلى أن أبوظبي لم تتراجع عن أهدافها، حيث تشكل الجزيرة جزءً حيويًا في مخطط طموحات الإمارات الإقليمية.

علاوة على ذلك، يشير هذا الحدث إلى أن نفوذ السعودية آخذ في التراجع، بالنظر إلى قبول الرياض خطوة المجلس الانتقالي الجنوبي على الرغم من معارضتها السابقة لمحاولته الفاشلة في السيطرة على الجزيرة في عام 2018.

من جهة أخرى، يواجه المجلس الانتقالي ضغوطًا شعبية، مما يضيف مزيدًا من المخاطر على استقرار جنوب اليمن، حيث اندلعت احتجاجات في محافظة شبوة في 16 أغسطس/آب، تأييدًا لليمن الموحد، واحتجاجًا على المجلس الانتقالي الجنوبي ومعارضة لاتفاق التطبيع الإماراتي الأخير مع (إسرائيل).

وفي أوائل أغسطس/آب، رفض “المجلس الأعلى للحركة الثورية للتحرير السلمي واستقلال الجنوب” اتفاق الرياض، وانتقد أيضًا دعم الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي.

وخلقت الجماعات المستقلة مثل “تحالف الإنقاذ الوطني الجنوبي”، الذي تأسس في سبتمبر/أيلول الماضي في المهرة لمواجهة الفصيل المدعوم من الإمارات، مزيدًا من المعارضة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

وإذا سعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى فرض نفسه على الجنوب، فقد تظهر المزيد من الصراعات الداخلية في الجنوب.

 

اتفاقية معيبة

بصرف النظر عن بعض كلمات الدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن التقدم المفترض في اتفاقية الرياض، فإن الالتزام الدولي لتعزيز جهود السلام كان محدودًا.

كما لا تولي القوى الدولية أي اهتمام يذكر للأدوار المتباينة للسعودية والإمارات في اليمن، الأمر الذي قد يعرض نجاح أي اتفاق سلام محتمل للخطر.

حتى لو حظيت هذه الاتفاقية بالتأييد، فإن هذه الانقسامات والمصالح المتباينة داخل حكومة الوحدة يمكن أن تعرقل إعادة الإعمار والاستقرار، وهو ما يمثل عقبة أخرى في تخفيف الأزمة الإنسانية الشديدة في البلاد.

ولكن على المدى الطويل، فإن هناك مزيجًا من العوامل التي تهدد بالمزيد من عدم الاستقرار في الجنوب.

إذا انسحب المجلس الانتقالي الجنوبي من الاتفاقية واستمر دعمه الإماراتي، فسوف يندلع العنف، وستعود جهود السلام إلى نقطة الصفر.

لذلك، ينبغي للقوى الدولية أن تضغط على كل من السعودية والإمارات، فضلاً عن دعم إطار جديد لمبادرة سلام أكثر استقرارًا تمثل مجموعة أوسع من اليمنيين، بدلاً من تلك التي تخدم فقط مصالح الرياض وأبوظبي