أصدرت محكمة سعودية 8 أغسطس/ آب 2021، أحكاما قاسية بالسجن لمدد تتراوح بين 3 سنوات و22 عاما بحق 69 معتقلا فلسطينيا وأردنيا في السعودية التي تتهمهم بدعم المقاومة في فلسطين.

رئيس لجنة المعتقلين الأردنيين بالسعودية خضر المشايخ أكد لوكالة “شهاب” الفلسطينية أن المحكمة أصدرت أحكاما بحق 69 فلسطينيا بينهم 10 سعوديين، والدكتور محمد الخضري ممثل حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالرياض.

المشايخ أوضح أن “أقصى الأحكام وصلت إلى 22 عاما، وأقلها صدرت بـ3 سنوات، فيما سمح لشخص واحد من كل المعتقلين بحضور المحاكمة”.

 

أحكام سياسية

الأحكام، ذات الصبغة السياسية، التي أصدرتها المحكمة، تؤكد فشل المراهنات التي طرحت خلال الأسابيع الماضية عن وساطة ومصالحة مرتقبة بين حماس والسعودية.

وهذه هي المرة الثانية التي تفشل فيها المصالحة بين الطرفين بعدما طرحت لأول مرة عقب لقاء وفد من الحركة بقيادة خالد مشعل، الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان، على هامش موسم الحج 18 يوليو/ تموز 2015.

صدور أحكام ضد معتقلي حماس يعني وفق مراقبين أن المملكة قطعت كل خطوط الاتصال التي تجرى من وسطاء، لإنهاء ملف المصالحة مع الحركة.

كما أغلقت الباب الموارب أمام عودة الاتصالات مع حماس وأصبحت أكثر قربا لتل أبيب منها للقضية الفلسطينية.

خبير في الشؤون الفلسطينية أكد أن إصدار السعودية هذه الأحكام القاسية على فلسطينيين وأردنيين لمجرد انتمائهم إلى حركة حماس، يدل على أن ابن سلمان معني بتهيئة الظروف التي تسهل التطبيع مع الصهاينة.

الدكتور صالح النعامي قال في “تويتر”: إن هدف ابن سلمان “استرضاء بايدن على أمل غلق الملفات ضده”.

وأشار إلى أن الأحكام تعني أيضا عدم صحة الاستنتاجات التي قيلت حول دلالات إجراء قناة “العربية” مقابلة مع القيادي في حماس خالد مشعل يوم 4 يوليو/ تموز 2021، وأنها مؤشر على انفتاح ومصالحة.

 

توقعات متضاربة

قبل صدور الأحكام انتشرت توقعات متضاربة حول نتائج المحاكمة المحتملة ودلالاتها سواء بالإدانة أو التبرئة والعفو عن المعتقلين.

المحكمة السعودية، كانت أجلت يوم 21 يونيو/ حزيران 2021، وللمرة الثانية، النطق بالحكم على المعتقلين من أنصار “حماس” إلى 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

لكن الرياض قررت فجأة تعجيل موعد النطق بالحكم إلى 8 أغسطس/ آب 2021، على المعتقلين الذين يقبعون بالسجون السعودية منذ فبراير/ شباط 2019، بتهمة جمع أموال لحماس، التي تصنفها الرياض “إرهابية” منذ العام 2014.

ذلك القرار جاء بعد ثلاثة تطورات هي: انتشار تسريبات حول رسائل تهدئة متبادلة بين حماس والسعودية، وعودة الاهتمام السعودي بالقضية الفلسطينية، واستضافة قناة “العربية” لرئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج خالد مشعل.

مصادر فلسطينية اعتبرت التبكير بالحكم مؤشرا على نجاح الاتصالات السرية بين الطرفين ورغبة المملكة في غلق هذا الملف الذي أساء لصورتها كمدافعة عن القضية الفلسطينية، وتتوقع ربما الإفراج عنهم أو ترحيلهم.

المصادر القريبة من “حماس”، توضح لـ”الاستقلال” أن السعودية أبدت بعض المرونة عقب العدوان الإسرائيلي على غزة مايو/ أيار 2021، وربما يتغير موقفها من الحركة.

بالمقابل ترى مصادر أخرى أن التبكير بصدور الأحكام في القضية ربما يعني فشل المصالحة بين السعودية وحماس، مؤكدة أنها “لو نجحت ما تحدد موعد جديد للمحاكمة ولجرى إطلاق سراح المعتقلين”.

بيد أن المصادر الفلسطينية التي رجحت لـ”الاستقلال” نجاح المصالحة تعتبر أن تبكير موعد المحاكمة أمر روتيني لإخراج وإنهاء القضية بصورة شكلية، وإطلاق المعتقلين لأن الإفراج عنهم بلا محاكمة يحرج القضاء السعودي.

وتقول: إن “ترحيب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية 4 أغسطس/ آب 2021 بقرار السعودية التبكير بموعد النطق بالحكم على المعتقلين التابعين للحركة يعد مؤشرا على نجاح الوساطة والمصالحة”.

هنية قال في تصريحات صحفية: “نعبر عن أمنيتنا أن تتوج هذه الجلسات بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين كافة، وفي مقدمتهم الدكتور محمد الخضري أبوهاني رئيس مكتب حماس السابق في السعودية”.

وأضاف: “نتطلع لقرار قضائي وإرادة ملكية بإغلاق هذا الملف وإنهائه، انطلاقا من المواقف التاريخية للمملكة ولخادم الحرمين الشريفين في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.

لكن مشاركة إسماعيل هنية في حفل تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، يوم 5 أغسطس/ آب 2021، بالتزامن مع اقتراب محاكمة معتقلي الحركة في السعودية عادت لتطرح التساؤلات.

من قبيل: هل زيارته لإيران تعني فشل المصالحة مع السعودية، ومن ثم عودة حماس لأحضان إيران؟ أم أنها زيارة مراسمية؟

المتفائلون قالوا: إن السعودية نفسها تشارك بوفد في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد حسبما أكدت “وكالة فارس” الإيرانية فلماذا لا تشارك حماس؟

 

مؤشرات خادعة

يوم 4 يوليو/ تموز 2021، أجرت قناة “العربية” السعودية حوارا نادرا مع خالد مشعل، أبرز ما جاء فيه مناشدته الرياض إعادة العلاقات مع الحركة كما كانت.

مشعل أكد أننا بالحركة “كنا ولا نزال ننتمي فكريا إلى الإخوان المسلمين، إنما نحن حركة فلسطينية مستقلة”.

كما حرص مشعل على رفض “اعتداء” الحوثيين من اليمن على السعودية، بعدما أثار ممثل الحركة في اليمن أزمة تشير لدعمه الحوثيين في 9 يونيو/ حزيران 2021.

ممثل حركة حماس باليمن معاذ أبو شمالة، التقى عضو المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين محمد علي الحوثي، وسلمه درع حماس، تقديرا لـ”جهوده في دعم القضية الفلسطينية ودعم المقاومة تحديدا”.

تصريحات أبو شمالة أثارت انتقادات سعودية لحماس، واعتبروا ذلك دعما منها للحوثيين، رغم أن الحركة أكدت، أن أي تصرف أو تصريح يفهم منه أنه انحياز لأي طرف من أطراف النزاع باليمن “هو موقف شخصي لا يعبر عن الحركة وقيادتها”.

وبعد لقاء “العربية” مع خالد مشعل بـ24 ساعة، أكد مصدر فلسطيني لوكالة “غزة الآن” 5 يوليو/ تموز 2021 أنه من المتوقع الإفراج عن جميع الفلسطينيين في السجون السعودية، وبينهم قيادات من حركة حماس.

المصدر تحدث عن “عودة العلاقات بين المملكة وحماس تدريجيا”.

وأشار إلى إمكانية أن “يلتقي إسماعيل هنية ومرافقون له الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد محمد بن سلمان في السعودية لاحقا”.

وكشف لـ “غزة الآن” أن الملك سلمان تحدث مع إسماعيل هنية، وقال له: “أنتم منا وفينا”.

دلالات مقابلة قناة “العربية” مع خالد مشعل، تشير إلى احتمالات طي صفحة الخلاف بين حماس والسعودية.

كما أن إدانة مشعل لهجمات الحوثيين ضد الرياض، في المقابلة، تزامنت مع تخفيف إعلام السعودية هجومه ضد حماس، وفق مراقبين.

ساعد على هذا التقارب المحتمل، الخلاف السعودي الإماراتي الذي برز على السطح في عدة أجندات إقليمية ودولية، والذي نتج عنه ابتعاد الرياض عن موقف أبوظبي من المقاومة الفلسطينية.

وجاء إصدار السعودية، على هامش الخلاف الإماراتي السعودي، قواعد جديدة للاستيراد، تستبعد أي بضاعة إسرائيلية أو غيرها تصنع في المناطق الحرة بدول الخليج، تحديا للإمارات، وتقاربا مع حماس.

 

أصداء المقابلة

مقابلة مشعل ذات الـ26 دقيقة، مع “العربية” جاءت بمبادرة من القناة، وبهدف طي صفحة الخلاف بين حماس والسعودية، حسبما يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني عدنان أبوعامر لموقع “المونيتور” 9 يوليو/ تموز 2021.

أبوعامر، يرى أن إشادة مشعل بالموقف التاريخي للسعودية من القضية الفلسطينية في الحوار يحمل رغبة بعودة الرياض لسابق عهدها، بعدما واجهت أخيرا غضبا فلسطينيا، لما أثير عن دورها بـ”صفقة القرن”.

واعتبر أن “هدف لقاء العربية كان إدانة مشعل لهجمات الحوثيين على المملكة”، رغم أنه أكد اعتزازه بالانتماء لجماعة الإخوان التي تصنفها السعودية ودول خليجية (جماعة إرهابية)”.

المحلل الفلسطيني يعتقد كذلك أن حوار مشعل له تداعيات ربما في صورة وقف حالة التشويه الذي تعرضت له حماس من “العربية”، وحلحلة ملفات عالقة بينهما، خاصة السجناء، مع كبح جماح تيارات تطبيعية بالسعودية.

رغم الصراحة التي اتسم بها لقاء مشعل على العربية، لكن القناة حذفت مقطعا من المقابلة تضمن دعوته للسعودية لإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين لديها من أنصار حماس، ولم تعلق الحركة ربما رغبة منها بعدم تعكير الأجواء.

مشعل منذ تعيينه رئيسا للمكتب السياسي لحماس في الخارج (وزير خارجية ضمنا) يسعى لتطبيق سياسة تركية سابقة هي “صفر مشكلات” مع الأنظمة العربية، بدأها بتعزيز العلاقة مع تركيا، ورسائل إيجابية باتجاه إيران، وحتى دمشق نسبيا.

منذ تعيين مشعل رئيسا لحماس في الخارج، وانتهاء معركة سيف القدس يقوم مشعل وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة بسلسلة جولات خارجية لدعم موقف حماس وإعادة الزخم للقضية الفلسطينية.

حماس تسعى للاستفادة، سياسيا، من زخم رصيد المقاومة الكبير من المواجهة العسكرية الأخيرة، في استعادة علاقاتها القوية مع الدول العربية بعد أن أظهر جناحها العسكري قدرات غير مسبوقة في جولة الصراع الأخيرة مع الاحتلال.

قادة “حماس” بهذه الجولات السياسية والدبلوماسية يحاولون جني نتيجة معركة “سيف القدس”، وإحداث اختراقات جديدة في عدد من الملفات الفلسطينية العالقة، بحسب وكالة “قدس برس” 10 يوليو/  تموز 2021.

وفد “حماس”، لقي ترحيبا رسميا وشعبيا من الدول التي زارها في المغرب وموريتانيا ولبنان، ضمن جولته التي بدأت منتصف يونيو/ حزيران 2021، ما شجع الحركة على اختراق مساحات اختلاف سابقة مع أنظمة عربية.

ضمن هذا الاختراق جاءت مقابلة مشعل مع قناة العربية والحوارات والتصريحات التي أدلى بها حول حماية المقاومة للشعوب العربية.

 

دور إيران

عقب التدهور الذي شهدته علاقة السعودية مع حماس بسبب الدعم السعودي للانقلابات المضادة في مصر 2013 وغيرها، وتقارب الرياض وتل أبيب، عاد الحديث عام 2015 عن مصالحة الطرفين، بسبب إيران.

الخلافات التي ظهرت حينئذ بين حماس وطهران، دفعت للحديث عن سعي حماس للتقارب بالمقابل مع الرياض.

نائب رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبومرزوق، كشف لفضائية “الجزيرة” 24 يونيو/ حزيران 2015، عن هذا التوتر مع إيران بقوله: “مساعدات إيران لحماس وغزة متوقفة، والعلاقة بين طهران والحركة ما زالت على جمودها”.

تصريحات أبو مرزوق جاءت قبل أيام من زيارة وفد حماس برئاسة خالد مشعل للسعودية 18 يوليو/ تموز 2015، في مسعى لتحسين علاقة حماس بالرياض.

تردد حينها أن حماس ردت على قرار إيران بوقف دعم الحركة، بزيادة انفتاحها الدبلوماسي على السعودية.

لاحقا، ظهر تسجيل مسرّب نشرته الصحف السعودية يؤكد فيه أبومرزوق مرة أخري أن “طهران لا تقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية منذ عام 2009″، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط” 31 يناير/ كانون الثاني 2016.

لكن التوتر مع إيران لم يستمر وعاد معه التوتر مرة أخرى لعلاقات حماس والسعودية، واستمرت الرياض في اتهامها بـ”الإرهاب” على لسان سفيرها في الجزائر، ثم وزير خارجيتها، ما أظهر فشل المصالحة حينها.

ففي 13 يوليو/ تموز 2017 وصف السفير السعودي في الجزائر سامي الصالح حماس بـ”الإرهابية”، وانتقدت الحركة “التحريض” ضدها، ودعت المسؤولين السعوديين لوقف “التصريحات المسيئة للمملكة وتاريخها”.

وفي 24 فبراير/ شباط 2018 وصف وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، الحركة أمام البرلمان الأوروبي بـ”المتطرفة”، فيما استنكرت حماس التحريض عليها.

بقي أنه سيتم الاستئناف على هذه الأحكام بعد 40 يوما، فهل تعيد الرياض النظر أم تسير في طريق التطبيع بلا نهاية؟.