قدرت صحيفة تركية أن المملكة العربية السعودية “اتبعت سياسة مزجت بين النشاط العدواني والمغامر والعسكري في الفترة ما بين 2015-2021”.

لكن إدارة الرياض، التي استخدمت عناصر القوة الصلبة في حربها مع إيران وخاصة اليمن، اتخذت مؤخرا خطوات تظهر أنها تخلت عن سياستها الخارجية هذه، وفق ما قالت صحيفة “ستار”.

إذ أعلنت السعودية التي أنهت أزمة قطر، وقف إطلاق النار في اليمن وأعطت إشارات التطبيع مع إيران، بحسب مقال للكاتب والباحث محمد رقيب أوغلو.

 

تغيير جذري

وفي الآونة الأخيرة ظهرت ادعاءات تقول بأن الرياض ستعمل قريبا على تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد وفتح سفارة في دمشق بعد أن دعمت المعارضة في بداية الثورة.

وجدير بالذكر أن سياسة الرياض تجاه إدارة دمشق كانت مختلفة تماما عن سياستها تجاه المناطق الأخرى.

ووضح الكاتب بالقول: ففي المراحل الأولى من بداية الثورات وتطورها إلى حرب أهلية في سوريا، اتبعت السعودية سياسة تركز على موازنة إيران من خلال دعم المعارضة ماليا وسياسيا، وإن بدأت تتراجع عن ذلك بعد عام 2015 بشكل تدريجي.

وتابع: كانت صنعاء تشكل الأولوية القصوى للسعودية في الحرب ضد إيران، لكن حقيقة كون اليمن أقرب جغرافيا إلى المملكة وذهاب العملية في سوريا بعيدا عن توقعات الرياض، أثرت على هذا التغيير السياسي.

لكن تزايد تكاليف الحرب في اليمن وصعوبة دعم المعارضة في سوريا بسبب انخفاض أسعار النفط إلى جانب أن دعمها المعارضة جعلها في موقف الداعم “للإرهاب” في نظر الغرب والولايات المتحدة، دفع بالسعودية إلى تغيير سياستها في دمشق جذريا.

وفي هذا السياق، كانت إعادة إبراهيم العساف، رئيس وفد الصداقة السعودي – السوري، إلى منصبه كعضو في مجلس الوزراء في عام 2019 إشارة مهمة على ذلك.

فيما كشفت حقيقة كون الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان وشخصيات سياسية مهمة لم يذكروا سوريا ولا المعارضة أو يتحدثوا عنها في خطاباتهم عن هذا التغيير أيضا، بحسب ما يراه الكاتب التركي

وأردف: وكان وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير قد قال في مؤتمر صحفي عقد بعد لقائه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في روسيا في مارس/آذار 2019، أن التفكير في قضايا مثل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا أو إعادة عضوية دمشق لجامعة الدول العربية “مبكر للغاية”.

وهو ما يكشف أن السعودية تدرس إعادة تأسيس العلاقات مع سوريا.

واستدرك قائلا: أما في يناير/كانون الثاني 2020، فقد زعمت صحيفة موالية للأسد أن دبلوماسيا سعوديا التقى المندوب الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة.

وذكرت أن المسؤول السعودي قال في الاجتماع المذكور أنه يجب وضع التوتر بين البلدين جانبا وأنهم يرغبون في التركيز على العودة بالعلاقات السعودية السورية الأخوية إلى سابق عهدها قبل الحرب الأهلية.

وقال الكاتب: وإضافة إلى كل ما سبق، هناك ثلاثة أسباب جديدة على الأقل وراء هذا التغيير الجذري في سياسة السعودية تجاه سوريا. يتمثل أولها في التأثير الروسي على المملكة.

 

رياح الكرملين

وشرح رقيب أوغلو قائلا: تغير مسار الحرب الأهلية السورية تماما بحلول عام 2015. فعلى الرغم من سيطرة المعارضة على معظم البلاد، تدخل الروس في الحرب لصالح الأسد بدءا من سبتمبر/أيلول.

هذا الأمر تسبب في إثارة التساؤلات في السعودية التي كانت توسع وتعمق علاقاتها مع روسيا، حول مستقبل سوريا، وهي لذلك خفضت من دعمها للمعارضة السورية لتنهيه تماما بعد فترة قصيرة.

ولفت قائلا: على الرغم من أن التدخل العسكري الروسي في سوريا كان يقيم سلبيا في دول الخليج والسعودية في البداية، فإن إشارات التراجع العسكري الأميركي في المنطقة ونجاح روسيا في الحفاظ على الأسد وعرشه غير من وجهة نظر المملكة تجاه موسكو.

وهكذا أصبحت روسيا لاعبا مهما بالمنطقة خاصة في ضمان أمن النظام في الخليج والأسرة الحاكمة السعودية.

كما وأن حقيقة عدم تمكنها من إسقاط الأسد عن عرشه على الرغم من دعمها المعارضة بين عامي 2011 و2015، دفعت الرياض إلى مراجعة هذه السياسة، خاصة وقد بدا واضحا أن نزوله عن عرش السلطة أصبح مستحيلا مع التدخل الروسي.

لذلك، يمكن القول إن التغيير الجذري في إستراتيجية السعودية في سوريا يرتبط ارتباطا وثيقا بالتغيير في نظرة الرياض إلى روسيا.

فيما يرتبط التغيير في نظرة إدارة الرياض لروسيا ارتباطا مباشرا بالتغيير في نظرتها إلى الولايات المتحدة، ينوه الكاتب التركي.

ويوضح: “فقد كانت السياسة الأميركية تجاه السعودية في عهد باراك أوباما ودونالد ترامب تقلق الرياض، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن فاعلين بدائل في سياستها الخارجية”.

كما وأن التراجع الأميركي زاد من نفوذ روسيا في المنطقة، الأمر الذي جعل السعوديين يرون في روسيا لاعبا مهما في مستقبل المنطقة.

وعلى الرغم من أن السعودية غير راضية عن تقارب روسيا مع نظام الأسد وإيران، فإنها تتقرب من الكرملين بسبب سياستها “الحازمة والمتوقعة” في سوريا وليبيا واليمن.

إذ ترى السعودية أن قيام روسيا بملء الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة بما يتماشى مع الأهداف المنضبطة والطموحة والواقعية أمر إيجابي.

وبينما كانت موسكو السبب الرئيس في تغيير السعودية سياستها تجاه سوريا، كانت أنقرة السبب في رغبة روسيا في التقارب مع الرياض في محاولة منها للحد من نفوذ تركيا وكبح جماحها بعد تأزم الوضع بين الدولتين في ملف إدلب، وفقا للكاتب.

 

قلق على جبهتين

ويقول رقيب أوغلو: إن مسار العلاقات بين السعودية وتركيا يشكل الركيزة الثانية في عملية التحول التي تمر بها المملكة منذ عام 2015.

فقد وصلت العلاقات السعودية التركية، التي شهدت تعرجات كبيرة بعد عام 2010، إلى حد الانهيار السياسي بعد عام 2015، لتنقطع تماما مع مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

وشدد قائلا: كان التصور السعودي لتركيا حاسما في هذا. فقد تغيرت العلاقات بشكل جذري بعد اعتلاء ولي العهد منصبه بعد فترة طويلة من العلاقات الودية بين البلدين.

فقد بدا ابن سلمان، الذي يتحرك وفقا لتوجيهات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وجاريد كوشنر صهر دونالد ترامب، في تحويل المملكة العربية السعودية إلى دولة مناهضة لتركيا.

وتابع: أدانت إدارة الرياض العمليات التي شنتها تركيا لتطهير العناصر الإرهابية في سوريا والتي تشكل تهديدا للأمن القومي التركي.

كما تقاربت مع حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي لما رأت من أن تحرير تركيا للأراضي في سوريا مؤذن بعودة الإمبراطورية العثمانية، بحسب قوله.

لكن ومع انهيار هذه السياسة بعد العمليات التي أطلقتها تركيا من مثل: درع الفرات وغصن الزيتون، تخطط إدارة الرياض الآن لإعادة روابط علاقاتها مع الأسد.

وهكذا يعتقد الكاتب أن السبب الثاني لتغيير السعودية سياستها تجاه سوريا متعلق بموازنة تركيا، خاصة وأن تعاون أنقرة مع الجيش السوري الحر والمعارضين المعتدلين تسبب في دق “أجراس خطر الإخوان (المسلمين)” في الرياض.

فقد أجبرت شائعة “تسليم تركيا للمناطق التي سيطرت عليها عسكريا للإخوان” ـ التي تعتبر مصطنعة وغير واقعية ـ السعودية على الاختيار بين الأسد والإخوان.

في هذا السياق قد تفضل المملكة العربية السعودية التقرب من ديكتاتور وحشي قتل الآلاف من الناس بدلا من الإخوان، الذين لا يتبنون العنف أسلوبا، بحسب الكاتب.

واستطرد: أما السبب الثالث لتغيير السعودية سياستها في دمشق فهو متعلق بإعادة بناء سوريا بعد انتهاء الحرب وبدء العملية السياسية.

فعلى الرغم من أنه من المرجح أن يحافظ نظام الأسد على علاقات وطيدة مع إيران بعد الحرب، فإن تقديم السعودية الدعم المالي للنظام في بناء مستقبل سوريا سيعني موازنة طهران.

ويمكن تقييم هذا الوضع كإستراتيجية تقوم على تقسيم العدو وتقليل تأثيره من خلال التقارب مع حليفه.

بعبارة أخرى، تتقارب السعودية من نظام الأسد لموازنة إيران وعدم ترك سوريا تحت السيطرة الإيرانية. وإن كان يمكن القول أن هذه الإستراتيجية لن تؤتي أكلها على المدى القصير بالنظر إلى أن نفوذ طهران في دمشق يعود إلى ما قبل ثورات الربيع العربي.

ويختم رقيب أوغلو مقاله قائلا: “الإمارات أيضا لعبت دورا مهما في تطبيع السعودية علاقاتها مع الأسد”، حيث تعارض أبو ظبي عقوبات قيصر الأميركية.

كما ويمكن القول بأن تغير الرئيس الأميركي أثر أيضا على سياسة الرياض تجاه نظام الأسد.

وهكذا يمكن أن نتوقع أن توسع السعودية دائرة تحالفها الإقليمي بالتحالف مع الأسد في ظل الحكم الفعلي لابن سلمان.