تعيش السعودية عزلة خارجية شديدة على كافة المستويات بداية من الولايات المتحدة وكندا مرورا بالاتحاد الأوروبي وانتهاء بمنطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى عزلتها داخل المنظمات الدولية والإقليمية ومنها مجلس حقوق الإنسان ومنظمة التعاون الإسلامي يضاعف ذلك التأزيم الداخلي الذي يخنق المواطن السعودي الذي لم يعتد رؤية المملكة في هذه العزلة الدولية .

ووسط هذا الرفض للسعودية لا تجد الرياض إلا مملكة الريتويت تشيد بها حفظا لماء الوجه.

وعكس تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن حالة حقوق الإنسان لعام 2018 وانتقاده للانتهاك في المملكة عزلة الرياض وفشل سياساتها الخارجية، وقال التقرير إن الحكومة السعودية لم تقدم شرحًا مفصلاً لاتجاه التحقيق بخصوص مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 أكتوبر الماضي.

وأشار إلى أن الحكومة السعودية، وعلى الرغم من توقيفها لأشخاص مشتبه بهم والادعاء على آخرين والمطالبة بإعدامهم، إلا أنها لم تقدم شرحا مفصلا لاتجاه التحقيق وتقدمه.

وسلط التقرير الضوء على انتهاكات حقوقية ترتكب في السعودية، وفي مقدمتها، عمليات القتل غير القانوني والإعدام لجرائم غير عنيفة وحالات اختفاء قسري وتعذيب سجناء ومحتجزين واعتقال تعسفي وسجناء سياسيين وقيود صارمة على حرية التجمع والتنقل والدين وغياب الانتخابات الحرة.

كما ورد فيه أن المعارضين السعوديين المنتقدين للحكومة يتم اتهامهم بقضايا إرهابية ويحاكمون وفقا لذلك.

وداخل الكونجرس صوت أمس مجلس الشيوخ الأمريكي بغالبية على مشروع قانون لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن بسبب الانتهاكات التي ترتكبها السعودية في مجال حقوق الإنسان ودبلوماسيتها الفظة بما في ذلك تعذيب ناشطات ومواطن أمريكي وقتل خاشقجي.

وسيعرض المشروع لاحقا على مجلس النواب ليوافق عليه في ظل مخاوف من أن يستخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حقه في النقض.

كما وجه أعضاء بمجلس الشيوخ خلال الجلسة نقدا لاذعا إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بسبب جريمة خاشقجي وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، وكان مجلس الشيوخ قد وافق بالإجماع في ديسمبر 2018 على قرار يحمل ولي العهد السعودي المسؤولية عن الجريمة.

الاتحاد الأوروبي

وعلى صعيد أوروبا، أكد دبلوماسيون أن 36 دولة بينها دول أوروبا قد وقعت على بيان قوي سيقدم لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف. وتضمن البيان توبيخاً صريحاً للسعودية على خلفية سجلها المشين في مجال حقوق الإنسان، وذلك وفقاً ما كشفته وكالة الأنباء العالمية “رويترز”.

وتسببت جريمة اغتيال خاشقجي في رفع النقاب عن الانتهاكات الصارخة التي ظل يمارسها نظام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضد المواطنين السعوديين المنتقدين والمعارضين لتوجهات السعودية وسياساتها الجديدة، حيث كشفت تقارير دولية وأممية تعرض المعتقلين والمعتقلات في السجون السعودية إلى انتهاكات جسيمة تمثلت في التعذيب الوحشي والصعق بالكهرباء، علاوة على التحرش الجنسي بالناشطات وتهديدهن بالاغتصاب والقتل.

وقالت رويترز في تقرير لها عن سجل السعودية المتعلق بحقوق الإنسان إن بيان التوبيخ الأوروبي لنظام بن سلمان والمقدم لمجلس حقوق الإنسان سيكون أول توبيخ يوجه للسعودية في المجلس منذ تأسيسه في عام 2006، مضيفة أن البيان سيتلوه هارالد أسبيلوند مبعوث أيسلندا في محادثات جنيف.

وأكدت الوكالة أن البيان يدعو السلطات السعودية إلى إطلاق سراح النشطاء والمعتقلين السياسيين والتعاون مع التحقيق الذي تقوده الأمم المتحدة حول جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي باسطنبول.

وقال مبعوث إحدى دول الاتحاد الأوروبي لرويترز “إنه نجاح لأوروبا أن تتوحد في هذا الأمر”.

وقبل ذلك قالت المفوضية الأوروبية، إنها أضافت المملكة العربية السعودية إلى القائمة السوداء للدول التي تشكل تهديدا للتكتل بسبب تهاونها مع تمويل الإرهاب وغسل الأموال. وإلى جانب التأثير السلبي للانضمام للقائمة على سمعة المدرجين بها، فإنه يعقد أيضا العلاقات المالية مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بحسب وكالة “رويترز”.

رعونة إقليمية ودولية

وعلى صعيد العلاقات الإقليمية تعيش الرياض حالة عزلة حقيقية، فالنظام السعودي يشن حربا وحشية ضد الأبرياء في اليمن خلفت ملايين الضحايا والمشردين.

كما تسببت السياسات السعودية في تدمير مجلس التعاون الخليجي منذ اصطناع الأزمة الخليجية وحصار قطر، فضلا عن مشاكل السعودية الحدودية مع الجيران وتوتر العلاقات مع باقي دول المجلس. كما سببت قضية اغتيال خاشقجي أزمة في العلاقات بين الرياض وأنقرة لرفض السلطات السعودية الكشف عن تفاصيل الجريمة وتسليم المسؤولين عنها لمحاكمة عادلة.

كما خيمت أزمة عنيفة بين كندا والسعودية على العلاقات بين البلدين، حيث بدأت تلك الأزمة على خلفية انتقادات من الخارجية الكندية لاعتقال الرياض نشطاء من المجتمع المدني مطالبة بالإفراج الفوري عنهم. هذا الوقف اعتبرته السعودية تدخلا في شؤونها الداخلية وردت عليه بوقف الرحلات من وإلى تورونتو، وتجميد التبادل التجاري، وسحب حوالي 12 ألف طالب سعودي من كندا، وطرد السفير الكندي في الرياض واستدعاء السفير السعودي في أوتاوا.

وتعتمد السياسة السعودية اليوم مقاربة نمط الاندفاع والتهور والربط بين السياسة والاقتصاد، فيما السياسة الكندية مع حكومة ترودو تتبنى القضايا الليبرالية والتقدمية في الداخل والخارج. وبما أن النهجين مختلفان كان لا بد من تصادمهما علنا أو وراء الكواليس حول الشؤون المشتركة. وكانت صفقة الأسلحة المقدرة ب 15 مليار دولار أحد أسباب الصدام السعودي الكندي.

كما بدأت العلاقات في الذهاب لنقطة اللاعودة بعد استضافة كندا للمعارضين السعوديين المهاجمين للنظام السعودي. وظهرت العزلة الدولية للرياض أثناء مشاركة محمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين، حيث ظل وحيدا ولم يصافحه أحد من رؤساء الدول المشاركة أو يجتمع معه مسؤول.

مجلس حقوق الإنسان

دعت دول أعضاء في مجلس حقوق الإنسان أمس للإفراج عن 10 نشطاء والتعاون مع تحقيق تقوده الأمم المتحدة في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول.

وتلا هارالد أسبيلوند مبعوث أيسلندا إلى مكتب الأمم المتحدة في جنيف البيان الذي دعمته كندا وأستراليا ولكن ليس الولايات المتحدة.

ولم يصدر رد فعل بعد من السعودية. وقال أسبيلوند وهو يتلو البيان “نشعر تحديداً بالقلق بشأن استخدام قانون مكافحة الإرهاب وغيره من الأمور الخاصة بالأمن القومي بحق أفراد يمارسون حقوقهم وحرياتهم بشكل سلمي”. وأضاف أن النشطاء بوسعهم بل وينبغي “أن يلعبوا دوراً حيوياً في عملية الإصلاح التي تنفذها المملكة”.

ودعا البيان المشترك إلى الإفراج عن لجين الهذلول وإيمان النجفان وعزيزة اليوسف ونسيمة السادة وسمر بدوي ونوف عبد العزيز وهتون الفاسي ومحمد البجادي وأمل الحربي وشدن العنزي.

وقال ناشطون إن بعض المحتجزات، ومنهن من شاركن في حملة للمطالبة بحق المرأة في قيادة السيارات، تعرضن للتعذيب بما في ذلك الصعق بالكهرباء والجلد والاعتداء.

وقال الاتحاد الأوروبي وغيره من الدول الراعية إنها “تدين بأشد العبارات” قتل خاشجقي، مشيرة إلى أن السعودية أكدت أن ذلك حدث في قنصليتها باسطنبول يوم الثاني من أكتوبر تشرين الأول. وجاء في البيان “ملابسات وفاة السيد خاشقجي تؤكد مرة أخرى على ضرورة حماية الصحفيين والحفاظ على حق حرية التعبير في جميع أنحاء العالم”. وأضاف “ينبغي أن يكون التحقيق في قتله مستقلاً وموضوعياً وشفافاً”. ودعا البيان إلى التعاون مع تحقيق تقوده أنييس كالامار مقررة الأمم المتحدة الخاصة لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون.

وفي نفس السياق طالبت منظمات أممية ودولية السلطات السعودية بإطلاق سراح النشطاء والمعتقلين بسجونها، وكانت كل من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش قد أكدت في وقت سابق حقيقة تعرض 8 ناشطات سعوديات للتعذيب والجلد بالعقال والصدمات بالكهرباء والتحرش الجنسي، مع منعهن من حق توكيل محامي للدفاع عنهن ضد الظلم والتعذيب الوحشي الذي يتعرضن له في السجون السعودية، وكل تلك الانتهاكات خلقت حالة رعب وغليان في الداخل السعودي.