MBS metoo

السعودية في مرمى الابتزاز.. كيف أحيا بندر بن سلطان قانون “جاستا”؟

مجدداً عاد قانون “جاستا” الأمريكي المثير للجدل ليطغى على الساحة، لكن هذه المرة تختلف عن سابقاتها، حيث يرد للمرة الأولى اسم أحد أبرز أمراء الأسرة السعودية المالكة كمتورط في تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001، بتقديم الدعم لمنفذيها.

توقيت الكشف عن تلك المعلومة يأتي في وقت يعاني ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأمرَّين في ورطة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وكأن المصائب لا تأتي فرادى، ليبقى الأمير الشاب محصوراً بأزمات لم يُلقِ لها بالاً.

وهكذا دبّت الحياة مجدداً في قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” المعروف اختصارا باسم “جاستا” (صدر في 2016)، والذي يتهم المملكة بالمسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر، ويطالبها بتعويضات.

فهل تصر عائلات ضحايا 11 سبتمبر على الاستمرار في مسألة المقاضاة التي سيكون لها شأن آخر بعد أن كشفت واشنطن النقاب عن تورُّط أمير سعودي؟، وما موقف حلفاء ابن سلمان في البيت الأبيض وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب، وإلى أي مدى تُشكل القضية فرصة للأخير على طبق من فضة لابتزاز المملكة؟

 

بندر بن سلطان

موقع “فلوريدا بولدوج” الإلكتروني كشف عن وجود علاقات شخصية وطيدة بين رئيس الاستخبارات السعودي وسفير الرياض السابق في الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان وشخصين قدّما مساعدة لاثنين من منفذي اعتداءات 11 سبتمبر2001.

يتناول المقال الذي نشره الموقع استجواباً أجراه رئيس لجنة التحقيق، فيليب زليكو وبعض مساعديه، مع ابن سلطان عام 2003، وكيف ساعد كل من منفذي الاعتداءات أسامة باسنان وعمر البيومي، وكيف حصلا على أموال من ابن سلطان وزوجته.

وأزاح الأرشيف الوطني النقاب عن تفاصيل الاستجواب قبل شهر فقط بعد معركة قضائية، حيث ظل سرياً على مدار 16 عاماً لدواع تتعلق بالأمن القومي.

يرصد المقال دور شخصين قدّما دعماً مهماً ومريباً لاثنين على الأقل من منفذي الهجمات، هما عمر البيومي؛ وهو مسجل كأجير لدى هيئة الطيران المدني السعودية رغم أنه لم يمارس عمله أبداً، وأسامة باسنان وهو مقرب من الأمير بندر.

يذكر المقال استقبال البيومي لكل من نواف الحازمي وخالد المحضار بعد وصولهما إلى الولايات المتحدة عام2000 وكيف قدّم لهما دعماً هاماً تمثّل في مساعدتهما على الانتقال إلى سان دييجو بكاليفورنيا والإقامة بها، بل إنه وقع عقد الإيجار نيابة عنهما.

يلفت المقال إلى أن راتب البيومي من هيئة الطيران المدني السعودية تضاعف في الفترة التي مكث فيها الحازمي والمحضار في كاليفورنيا ليعود وينخفض بعد مغادرتهما لها.

ويبرز المقال الصلات التي كانت تربط البيومي بهيئات وأشخاص سعوديين في الولايات المتحدة بينهم ثلاثة موظفين بالسفارة في واشنطن، كما يكشف عمق العلاقات بين باسنان، والأمير بندر، فقد تلقّى باسنان وزوجته شيكين مصرفيين من الأمير بندر شخصياً.

وعثر مفتشو “إف بي آي”، في بيت باسنان، على 30 شيكاً مصرفياً بقيمة 70 ألف دولار وقد جرى إلغاؤها لسبب غير معروف، وكان اللافت أن كل هذه الشيكات باسم زوجة باسنان ومن الحساب الشخصي لزوجة السفير بندر بن سلطان.

وكانت وزارة العدل الأمريكية وافقت على إطلاع المحكمة وعائلات ضحايا الهجمات على معلومات أساسية بشأن الاشتباه في تورُّط المسؤول السعودي، وذلك بعد حملة ضغوط بذلتها العائلات.

وقال جون كريندلر، أحد محامي عائلات الضحايا إن 11 مسؤولاً سعودياً معلومة هوياتهم، متورطون في القضية، مشيراً إلى أنهم عازمون على التصدي لنفوذ السعودية وإسدال الستار على “الأمر القبيح” الذي توارت فيه الحقيقة على مدار 18 عاماً.

 

ليست مفاجأة!

اللافت أن حديث وسائل الإعلام الأمريكية عن تورُّط الأمير السعودي في التفجيرات يعود إلى سنوات مضت، وانتعش كثيراً في أعقاب إقرار الكونغرس لقانون جاستا، إلا أن الاختلاف هذه المرة هو أن تورُّط ابن سلطان مصدره معلومات استخباراتية رُفعت عنها السرية.

القضية أصابها الجمود منذ آخر فصولها المثيرة في مارس/آذار 2018، عندما رفض قاض أمريكي طلب السعودية إسقاط دعاوى بالولايات المتحدة تتهم المملكة بالمساعدة في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر، وتطالبها بتعويضات للضحايا، الذين بلغ عددهم نحو 3 آلاف قتيل.

إذن فالمخاوف السعودية جدية وثابتة بدليل تماهيها مع المسلك القضائي، وتبدو الآن تلك المخاوف أكبر وأعظم بعد اتهام أحد أبرز أمراء الأسرة المالكة وزوجته الأميرة هيفاء بنت الفيصل بالتورُّط في القضية.

اللافت أن الأميرة ريما بنت بندر ابنة الأمير المتهم تشغل منذ 5 أشهر فقط موقع أبيها السابق بسفارة السعودية في واشنطن، كأول سفيرة في تاريخ البلاد، الأمر الذي قد يلقي بظلاله على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وعُرف ابن سلطان بنفوذه القوي داخل الولايات المتحدة وعلاقاته المتشعبة سواء إبّان عمله كطيار، أو مهندس للعديد من صفقات التسليح الضخمة، أو شغله منصب سفير بلاده لفترة طويلة بين عامي 1983 و2005، أو رئاسته للاستخبارات بين عامي 2012 و2014.

اتُهم الأمير بندر بن سلطان، بالرشوة والفساد وتلقي أكثر من ملياري دولار على مدى عقد من الزمن كعمولات مشبوهة مقابل دوره في إبرام صفقة اليمامة، التي وُصفت بالأضخم عالمياً حينها بين بريطانيا والسعودية، حيث بلغت قيمتها أكثر من 40 مليار دولار على مدار نحو 20 عاما،ً منذ 1985 وحتى 2005، وتورد السعودية مقابلها 600 ألف برميل نفط يومياً لبريطانيا.

وبموجب التحقيق الذي أجرته “بي بي سي”، قدمت شركة BAE Systems البريطانية مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية للأمير بندر الذي كان يترأس مجلس الأمن القومي السعودي، بمعرفة وزارة الدفاع البريطانية معرفة كاملة.

وتحت ضغط سعودي وتهديد بقطع العلاقات، اضطر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عام 2007 إلى الأمر بوقف التحقيق في مخالفات تشوب الصفقة، وأقنع مجلس العموم حينها بأن الاستمرار في تحقيقات الفساد سيدمر علاقة إستراتيجية قوية بالمملكة، ويهدر آلاف الوظائف للبريطانيين.

 

ابتزاز في الطريق

على غرار النسق البريطاني في قضية اليمامة، وضمن نفس التوجُّه الذي يتبعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع السعودية منذ وصوله للحكم القائم على الابتزاز، يبدو أن الأمر في قضية جاستا مرشح لذلك، خاصة مع وجود ابن سلمان المستعد دوماً للدفع.

و”صفقة اليمامة” هي سلسلة من مبيعات الأسلحة من بريطانيا إلى السعودية بدأت عام 1985، تلقت مقابلها لندن ما يصل إلى ستمئة ألف برميل من النفط السعودي الخام يومياً. وتوصف الصفقة بأنها الأضخم في بريطانيا والأكثر ارتباطاً بالفساد الذي تورط فيه أمراء سعوديون.

وربما يضطر ابن سلمان هذه المرة للدفع أكثر مما سبق، نظراً لأنه لا يواجه تداعيات قانون جاستا على الأسرة المالكة فقط، بل يؤرقه كابوس جمال خاشقجي، خاصة بعد اتهامه في تقرير أممي رسمي في يونيو/حزيران الماضي بالمسؤولية المباشرة عن اغتيال الصحفي السعودي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول.

ولعل الأمر ينطوي على توجه أمريكي متجدد لابتزاز السعودية والحصول على دفعات جديدة من ثروتها الطائلة التي لم يفرغ ترامب من الحديث العلني الدائم بشأنها مقابل الحماية.

 

أحدث ما قاله ترامب بشأن ذلك كان في مايو/أيار الماضي، حين قال في تجمع لأنصاره بولاية فلوريدا: “السعودية دولة ثرية جداً ندافع عنها، وليس لديها سوى النقود، وهي تشتري الكثير منا، اشترت منا بـ450 مليار دولار”.

قبلها بنحو 10 أيام وتحديداً في 28 أبريل/نيسان، وفي كلمة ألقاها آنذاك، أمام تجمع لمؤيديه في ولاية ويسكنسن الأمريكية، قال: “اتصلت بالملك (سلمان بن عبد العزيز)؛ فأنا معجب بالملك، وقلت: أيها الملك، نحن نخسر كثيراً في الدفاع عنكم، أيها الملك لديكم أموال كثيرة..”.

وفي المرة الأكثر إيلاماً للسعودية والتي اعتبرت الأكثر إهانة بحق رأس السلطة في الدولة الملك سلمان، قال ترامب في أكتوبر/تشرين الأول 2018 أمام الآلاف من أنصاره بولاية مسيسيبي: “نحن نحمي السعودية. يمكننا القول إنهم أثرياء. وأنا أحب الملك، الملك سلمان. ولكنني قلت: نحن نحميكم. قد لا تبقى هناك أسبوعين بدوننا. يجب أن تدفع تكاليف جيشك”.

ترامب تحدث أيضاً في مناسبتين سابقتين عن تفاصيل أخرى بشأن اتصاله الهاتفي الأخير بالملك سلمان، وقال إنه تحدث مطولاً معه، وقال له: “ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك، لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب أن نحصل عليه”.

المشهد العام الآن يعيد إلى الأذهان زيارة ابن سلمان للولايات المتحدة في مارس/آذار 2018، والتي أعلن خلالها تدشين خطة استثمارات بين المملكة والولايات المتحدة بإجمالي 200 مليار دولار، مشيراً إلى أنه تم بالفعل تنفيذ 50 % من الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين البلدين.

المثير أن تلك الصفقة الجديدة جاءت بعد أقل من عام على الصفقة التاريخية التي أعلنها ترامب، أثناء زيارته للسعودية في مايو/أيار 2017، بقيمة تجاوزت 460 مليار دولار بينها 110 مبيعات أسلحة.

 

أوراق ضغط سعودية

لكن في مقابل تلك الصورة المأساوية التي ترسم في النهاية ربما اضطراراً سعودياً إلى دفع تعويضات ضخمة، فإن الرياض تملك أوراق ضغط وعوامل قوة كثيرة يمكن أن تستخدمها مقابل الابتزاز الأمريكي.

أول تلك الأوراق، مبدأ المعاملة بالمثل وسن تشريعات تسمح لضحايا الهجمات الأمريكية في العديد من البلدان مثل باكستان وأفغانستان والعراق واليمن والصومال وغيرها، بمقاضاة أمريكا، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة في موقف لا تُحسد عليه.

ولعل إثبات الأخطاء الأمريكية في قصف مدنيين خلال العمليات العسكرية أيسر بكثير من إثبات تورط السعودية في أحداث 11 سبتمبر، وليس أدل على ذلك من اعترافات واشنطن في وقائع كثيرة بقصف مدنيين “عن طريق الخطأ”.

المجال الثاني الذي يمكن أن تتحرك فيه السعودية لمواجهة التصعيد في قانون جاستا، هو بيع الأصول وسندات الخزانة التي تمتلكها في أمريكا، والتي تُقدّر مجتمعة بنحو تريليون دولار، فضلًا عن استثمارات أخرى تُقدّر بمئات المليارات.

كما يمكن للمملكة أن تتراجع عن إتمام الصفقتين الأخيرتين (مجموعهما يتخطى 600 مليار دولار)، في خطوة تصعيدية قد يكون لها أبلغ الأثر في ممارسة مزيد من الضغوط على الولايات المتحدة لوقف المضي قدماً في القانون.

السعودية قد تُهدد بوقف التعاون الأمني والاستخباراتي مع أمريكا، فضلاً عن إغلاق المجال الجوي السعودي أمام النشاط العسكري الجوي الأمريكي، الأمر الذي لا يمكن معه حصر خسائر الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.

على الجانب الآخر، فإن إقدام السعودية على مثل تلك الخطوات ولو بصفة تهديدية من شأنه أن يضعها منفردة في مواجهة عدوها اللدود إيران، بدون دعم أمريكي تعول عليه الرياض كثيراً في صراعها التاريخي مع طهران.

 

ما هو “جاستا”؟

ولعل الغرض الأساسي من قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب “جاستا” هو توفير أوسع نطاق ممكن للمتقاضين المدنيين تماشياً مع دستور الولايات المتحدة للحصول على تعويض من الأشخاص والجهات والدول الأجنبية التي قامت بتقديم دعم جوهري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأفراد أو منظمات تعتبر مسؤولة في أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة.

وبحسب مادته الثالثة، فلن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية الأمريكية في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالات وفاة تحدث داخل أمريكا وتنجم عن فعل إرهابي أو عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغض النظر إذا كانت العمليات الإرهابية تمت أم لا.

ومنح القانون المحاكم الأمريكية حق وقف الدعوى ضد أي دولة أجنبية إذا ما شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة تشارك بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعى عليها بغية التواصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة على الدولة الأجنبية أو أي جهات أخرى مطلوب إيقاف الدعاوى المرفوعة بشأنها.

ووفقاً للمادة (4) من القانون فإنه تم بشكل عام تعديل الفصل (2333) من المادة (18) من القانون الأمريكي الخاصة بالحصانة السيادية للدول الأجنبية بإضافة النص التالي “يؤثر التعديل الذي تم في هذه المادة على حصانة الدول الأجنبية تحت أي قانون آخر”، وذلك حسب تعريف هذا التعبير الوارد بالمادة 1603 من الباب (28) من القانون الأمريكي.

وفي ورقة عمل نشرها المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، فإن قانون “جاستا” ليس قانوناً، وإنما هو “أقرب إلى إجراء سياسي مبيّت وتدبير إداري يقصد دولاً بعينها، ويستهدف ابتزازها لدفع أموال بعنوان تعويضات للضحايا”.

وبالرغم من أن قانون “جاستا” هو قانون وطني أمريكي في داخل الولايات المتحدة، إلا أنه يشكل، بحسب ورقة العمل، سابقة قانونية في التعامل مع الدول الأخرى، وفي ذلك مخالفة للقوانين الجنائية التي تلتزم بمبدأ شخصانية العقوبة، أي أن كل شخص مسؤول عما ارتكبه من جرائم دون امتداد أثر الجريمة إلى أشخاص آخرين أو إلى الدولة التي يعتبر أحد مواطنيها، ويخالف هذا القانون قواعد القانون الدولي الجنائي.

ويتعارض القانون كذلك مع قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، خصوصاً احترام مبدأ السيادة الوطنية للدولة، ومبدأ عدم رجعية القوانين.

Exit mobile version