أجمعت صحف عالمية عديدة، بينها «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست» و«لوموند»، على تراكب عاملين كبيرين على «سحب البساط» من تحت الخطط الكبيرة التي كانت، البرنامج الاقتصادي والسياسي الذي أعلنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على مواطنيه، واعدا إياهم بأشكال الرخاء التي سينعمون بها في عهده، ليتحوّل الحلم أو «الرؤية»، كما سمّاها الأمير، إلى قرارات تقشّف تنذر بأوقات صعبة طويلة قادمة.
وبعد النجاح النسبيّ الذي حقّقه بيع حصّة من أسهم شركة نفط أرامكو السعودية وتسجيل قيمة الاكتتاب العام الأولي رقم 29.4 مليار دولار، مقتربا من تقييم ولي العهد لقيمة الشركة بتريليوني دولار، صرحت الشركة يوم الثلاثاء الماضي بأن أرباحها للربع الأول من هذا العام انخفضت بحوالي 25 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وكان ذلك أحد انعكاسات هبوط سعر النفط إلى أكثر من النصف في شهر آذار/مارس الماضي بعد أن جمّد انتشار وباء كورونا المستجد في العالم الطلب عليه، وبعد أن شنّ الأمير محمد بن سلمان حرب أسعار هائلة ضد روسيا، بحيث بات سعر النفط حاليا أدنى بكثير من المستوى الذي يسمح للحكومة السعودية بضبط ميزانيتها، وبهذا المستوى الحالي من سعر النفط ومستويات الإنفاق الحكومي، ستصبح صناديق مال المملكة خاوية خلال 3 إلى 5 أعوام.
هذه المعضلة دفعت المملكة إلى طلب مزيد من القروض، وهو ما يشير إلى نموذج ثابت للسلطات السعودية منذ استلام الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة، وحسب بيانات البنك الدولي.
فقد ارتفعت المديونية السعودية خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة، فوصلت في نهاية عام 2019 إلى 183.7 مليار دولار (مقارنة بـ11.8 مليار دولار عام 2014)، أي أنها تضاعفت أكثر من 16 مرة خلال السنوات الخمس الماضية.
وحين نضيف إلى ذلك إعلان وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن حكومته ستقترض 220 مليار ريال (58 مليار دولار) خلال العام الحالي، فإن المديونية العامة للمملكة ستبلغ ربع تريليون دولار أمريكي مع نهاية 2020.
وبما أن جميع هذه الأرقام تعود إلى ما قبل انتشار كوفيد ـ 19، وانهيار أسعار النفط الشهر الماضي، وقبل تعطل الزيارات الدينية إلى مكة والمدينة المنورة بسبب الجائحة، والتي كانت تشكل واحدا من مصادر الدخل المالي للسعودية.
إضافة إلى القروض الخارجية (وهناك قروض داخليّة أيضا)، فقد بدأت السلطات بفرض إجراءات تقشف، قاطعة بعض الدعم عن السلع، وكانت عام 2018 قد أدخلت ضريبة القيمة المضافة، وبذلك ترتفع نسبة الضريبة على السعوديين إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، وبذلك تمّ تحميل عبء التقشف على ظهر مواطني وسكان السعودية.
بعد جولات إعلان القوة التي بدأها ولي العهد، آن كان وزير دفاع، بالهجوم على اليمن، ثم أتبعها بعد تسلّمه منصبه جولات مطاردة رجال الأعمال وبعض الأمراء بدعوى الفساد، ليلحق الاستهداف فئات كثيرة من الدعاة والأكاديميين والناشطين الحقوقيين، صار واضحا للسعوديين أن أي شكل من أشكال التذمر على الإجراءات تعني السجن والمطاردة والقتل أحيانا، كما حصل مع أحد أفراد قبيلة الحويطات حين اعترض على تدمير منزله ضمن مشروع بناء مدينة نيوم.
رغم ذلك فإن بعض الأصوات حاولت مساءلة أشكال التبذير والهدر الهائلة، سواء بدفع مبلغ نصف مليار دولار على لوحة تبيّن لاحقا أنها مزيفة، أو بشراء اليخوت والقصور، وصولا إلى تمويل صندوق الثروة السيادي لعملية شراء نادي نيوكاسيل يونايتد لكرة القدم في إنكلترا بمبلغ 370 مليون دولار، في الوقت الذي تطالب فيه الحكومة المواطنين بالتضامن مع بلادهم ودفع الضرائب بطيب خاطر.
لا يتعلّق الأمر، في النهاية، بحظوظ القدر التي أطلقت وباء عالميا فقل الطلب على النفط، فحرب الأسعار جرت خلال فترة ظهور وانتشار كورونا، وطرق الهدر والتبذير وصرف الأموال على شراء فرق رياضية خارجية واستحضار فرق رقص وغناء ومصارعة حرّة أمريكية، وكذلك هبوط سمعة السعودية الكارثي نتيجة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، والتجسس على مالك شركة «أمازون»، وبالتالي فالمشكلة في «الرؤية» نفسها، وليس بالتأكيد لأسباب أخرى.