MBS metoo

السعودية وتركيا.. حجب المواقع يشعل المواجهة الإعلامية بين الغريمين

لم يكن تبادل حجب المواقع، بين كل من السعودية وتركيا، سوى إشارة إلى حجم التوتر القائم والمتصاعد بين البلدين، على خلفية خلافات حادة تتعلق بملفات عدة.

وقبل أيام، طال الحجب السعودي وكالة الأنباء التركية الرسمية “الأناضول”، وموقع هيئة الإذاعة والتليفزيون الحكومية “تي.آر.تي”، الأمر الذي ردت عليه أنقرة بحجب موقعي وكالة الأنباء السعودية “واس”، ووكالة أنباء الإمارات “وام”.

ومن بين المواقع التي تم حجبها في تركيا كذلك، قناة “سكاي نيوز” الناطقة بالعربية والممولة إماراتيا، وقناة “العربية” السعودية، ومواقع صحف “عكاظ” و”سبق” السعوديتان، و”البيان” و”العين” الإماراتيتيان، إضافة إلى موقع صحيفة “الإندبندنت” البريطانية الناطقة بالتركية، والتي تملك حقوقها شركة “Media Arabia” السعودية.

 

قضية “خاشقجي”

تعكس قرارات الحجب المتبادلة بين الطرفين، التوتر السياسي بين السعودية وتركيا، على خلفية تطورات قضية مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، في قنصلية المملكة بإسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2018.

اللافت أن الخطوة السعودية، جاءت تحديدا بعد 4 أسابيع من اتهام الادعاء التركي 20 سعوديا بقتل “خاشقجي”، في 25 مارس/آذار الماضي.

ووجه المدعي العام في تركيا، لنائب مدير المخابرات السعودي السابق، “أحمد العسيري”، و”سعود القحطاني” مستشار ولي العهد “محمد بن سلمان”، وآخرين، تهمة القتل العمد “بشكل وحشي” وعن سبق إصرار وترصد لـ”خاشقجي”، وهي خطوة تعيد الملف إلى الواجهة، وسط تساؤلات عن مصير الجثة المختفية إلى الآن.

وفيما اعتبرته الرياض تصعيدا تركيا، في وقت حساس لها، بالتزامن مع مواجهة تداعيات فيروس “كورونا”، أصدرت النيابة التركية، مذكرة بحث حمراء بحق الأشخاص الـ20، وأخطرت الشرطة الدولية (إنتربول) والسلطات السعودية بطلب تسليمهم إلى تركيا.

وحال إقدام الادعاء التركي على إجراء محاكمة علنية فقد تنشر مقتطفات من التسجيلات التي تستند إليها أنقرة، والتي قد تفضح دور المسؤولين السعوديين المحتمل في الجريمة، بمن فيهم “بن سلمان”، ما قد يفتح الباب لمطالبات بمحاكمتهم دوليا، وإصدار مذكرات توقيف بحقهم.

 

انتقاد “ابن سلمان”

هناك سبب ثان يقف وراء أزمة الحجب، بحسب مراقبين، يتعلق بارتفاع وتيرة النقد التركي للنظام السعودي الحاكم، واستهداف ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” شخصيا، في وسائل الإعلام التركية الرسمية.

بدا ذلك جليا، في انتقاد وكالة “الأناضول” لمن وصفتهم بـ”علماء عهد بن سلمان”، مؤكدة ضياع مصداقيتهم بعد نشاطهم في إصدار “فتاوى على المقاس تشرعن قرارات ولي العهد السعودي”.

لكن النقد اتخذ منعطفا جديدا، حينما نشرت الوكالة التركية (مملوكة للدولة)، الشهر الماضي، تقريرا تحت عنوان “السعودية.. أطماع بن سلمان تهدد النظام المؤسس”، واصفة قرارات ولي العهد السعودي بأنها “خاطئة ومتهورة”، ومحذرة من بدء مرحلة دموية من الصراع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة.

وسلطت الوكالة، الضوء على حملة الاعتقالات التي شنها “بن سلمان” وطالت أكثر من 20 أميرا، على رأسهم عمه الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، وابن عمه ولي العهد السابق “محمد بن نايف”.

وربطت “الأناضول”، بين حملة الاعتقالات السعودية، والسجل الأسود لزعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ أون” الذي قام في 2013 بإعدام عمه “جانغ سونغ تك”؛ الرجل الثاني في البلاد، بتهمة الخيانة العظمى.

 

تشويه “أردوغان”

في المقابل، وبالنظر في شكل التغطيات التي تقدمها المنصات الإعلامية التي تمولها السعودية والإمارات، فإن ثمة ارتفاعا حادا في وتيرة حملات التشويه ضد تركيا، وسط دعوات لمقاطعة السياحة التركية، حتى وصل الأمر إلى الدعوة إلى وقف تناول القهوة التركية، والخبز التركي، وتداول وقائع غير حقيقية لتعرض سياح سعوديين لـ”حالات نصب واعتداء”.

وتبث قناتا “العربية” السعودية، و”سكاي نيوز” الإماراتية (طالهما الحجب التركي) على مدار اليوم، برامج لمهاجمة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، وسياساته في سوريا وليبيا وملفات أخرى.

ففي فبراير/شباط الماضي، بثت قناة “العربية” (تبث من دبي)، فيلما وثائقيا، يتهم “أردوغان” بتعمد إعادة إشعال الحرب مع منظمة حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” عام 2015 لتحقيق مكاسب انتخابية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شنت القناة الإخبارية السعودية (حكومية) هجوما عنيفا على تركيا، ووصفت عملية “نبع السلام”، شمال غربي سوريا،  بأنها “اعتداء تركي على الأراضي السورية”.

وفي العام الماضي، بثت مجموعة “إم بي سي” السعودية مسلسل “ممالك النار”، الممول إماراتيا بميزانية تقدر بنحو 40 مليون دولار، وتضمن عبارات مسيئة للعثمانيين، ومغالطات اعتبرها الإعلام التركي تشويها متعمدا لصورة تركيا في الوجدان العربي والإسلامي.

 

إدلب وطرابلس

ولا يمكن قراءة تطورات الحرب الإعلامية بين الطرفين، بمعزل عن سياق تدخلاتهما في الملفين الليبي والسوري، واختلاف أجندتيهما، خاصة بعد تدخل “أردوغان” لدعم حكومة طرابلس الشرعية، في مواجهة حليف الرياض وأبوظبي الجنرال “خليفة حفتر”.

ويزيد من حدة الخلاف، التورط الإماراتي في دعم رئيس النظام السوري “بشار الأسد” بـ3 مليارات دولار؛ لمواصلة هجماته على إدلب، شمال غربي البلاد، وخرق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين تركيا وروسيا.

فأثناء اشتباكات إدلب، التقى مبعوث ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، نائب مستشار الامن القومي “علي الشامسي”، مع رئيس النظام السوري “بشار الأسد”، وطلب منه عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بحسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.

وجاءت الرشوة الإماراتية، كمحاولة لاستنزاف الجيش التركي في معركة طويلة الأمد بـ”إدلب”، ردا على تدخل “أردوغان” لدعم حكومة “الوفاق” الليبية، وهو التدخل الذي أجهض إلى حد كبير مخطط “حفتر” للسيطرة على طرابلس.

 

أسباب أخرى

وتقف أسباب أخرى وراء الصعيد الإعلامي بين الجانبين، لعل من أبرزها، نجاح تركيا في إحباط خطط السعودية بمساعدة الإمارات والبحرين ومصر، لإحكام الحصار على قطر منذ يونيو/حزيران 2017.

كذلك يرتبط الخلاف بين البلدين بحالة التنافس بينها في المنطقة، خاصة ما يتعلق بالموقف من ثورات الربيع العربي، بالإضافة إلى مسألة الريادة في العالم الإسلامي، سواء ما يتعلق بقيادة منظمة التعاون الإسلامي، أو في الأدوار التي يلعبها الطرفان في المنطقة والعالم.

ولا يمكن إنكار أن الاحتفاء السعودي والإماراتي بمحاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا منتصف العام 2016، شكل غصة في حلق صانع القرار التركي، واعتبر دليلا دامغا على التورط الخليجي في دعمه وتمويله.

حرب الحجب بين السعودية وتركيا، تخفي وراءها الكثير، وقد يمتد الصراع الإعلامي والسياسي بينهما إلى جولات أخرى ما لم يتم فض الاشتباك السياسي القائم بينهما في ملفات عدة، وهو أمر لا يبدو أنه سوف يحدث قريبا.

Exit mobile version