بيّن عاميّ 2011 و2012 تفاجأ الحكام في السعودية ودول الخليج الأخرى بقدرة الشباب على التحشيد السياسي واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي للدعوة للتظاهرات. كانت مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة تعمل بشكل جيد لقياس ردة الفعل الجماهيري تجاه القضايا المصيرية، وخروجها من يّد النخبة التي دائماً ما كانت تحت مراقبة السلطة وتحت بصرها إلى شباب المملكة المفعم بالنشاط والأكثر حركة وقدرة على رؤية ملامح المستقبل الذي يلّوح في الأفق، فكان التعبير السياسي عبر التكنولوجيا جديد بالكلية على أدوات المخابرات القديمة، وهو ما جعلها قيّمة وقادرة على النفاذ وزيادة الوعيّ السياسي والثقافي لتظهر فجوة واسعة بين الثقافة السياسية ووعيّ المجتمع وطرق السلطة التقليدية للحفاظ على بقاءها.

لذلك مع رؤية القمع وتخييمها على الدولة السعودية خلال العقود السابقة، اتجه الباحثون إلى شبكات التواصل الاجتماعي، لمعرفة ردود فعل ملايين السعوديين تجاه قضايا بلدهم وقضايا العالم ودرجة الوعيّ الاجتماعي والسياسي ودرجة تقدمه ورصيده.

تشير رؤية 2030 التي صممها وهندسها ولي العهد الحالي محمد بن سلمان إلى أن “الوعيّ الاجتماعي لجيل الشباب ومهاراتهم التكنولوجية وإمكاناتهم الإبداعية فإنهم سيكونون المحرك للتقدم البنّاء، وبالتالي تجدد الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية والولاء ل”آل سعود”. ما يعني أن الرؤية ترى في الشباب السعودي الدرع الحامي للملكية والعائلة الحاكمة فقط، بل واعتبار جيل الشباب مصدراً لتعزيز القوة المالية والنفوذ الجيوسياسي للمملكة في المنطقة والعالم.

في تجاهل –على ما يبدو- إلى رؤية مختلفة توسعت وانتشرت منذ 2011 تتعلق بالتمكين السياسي للشباب ورؤيتهم المختلفة للمستقبل الذي ترسمه رؤى السلطات حيث يستخدم الشباب السعودي التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي في حملات غير مخططة للتعبير عن آرائهم السياسية وانتقادهم لتصرفات السلطة وأخطاء المجتمع، وهو ما تجاهلته رؤية “ابن سلمان” لعام 2030م.

في الواقع فإن الدولة الملكية التي أسست نظام من الامتيازات من المهد إلى اللحد لسكانها -الذي يضمن الطاعة للعائلة الحاكمة وعدم مناقشة السياسة وانتقاد الفساد والفشل- لم تعد قادرة على تحمله. وهو أمرٌ بالغ الصعوبة حيث يؤثر بالفعل على ملايين الشباب السعوديين ويرفع الأصوات بإنتاج عقد اجتماعي جديد.

 

شباب ناتج من الاقتصاد الريعي

يشكل السعوديون 20.5 مليون نسمة من إجمال عدد السكان 33.5 مليون، بالنظر إلى ارتفاع عدد المغتربين والعُمال الأجانب المقيمين في المملكة. عند النظر إلى المواطنين فمن الملاحظ أن 60% من السكان تقل أعمارهم عن 30 عاماً، وحوالي 40 % هم أقل من 18 عاماً، وهؤلاء خلال السنوات الخمس القادمة سيكونون بحاجة إلى الوظائف كما أن له تعبيرات سياسية وحقوق يحتاجون للمطالبة بها.

فما الذي نعرفه عن هؤلاء الشباب الذين يشكلون معظم المواطنين؟! لا يمكن العثور على مسوحات رأي عام تركز على الشباب كما في بقية البلدان، ما يشير إلى تحفظ الحكومة في التعامل مع الباحثين الخارجيين والحسابات السياسية الداخلية والخارجية للسلطات التي تفضل بقاء هؤلاء الشباب خارج اعتبارات القرار والميّول السياسي. وبنظرية الأجيال والفروق بينها، إذ يعتبر الجيل الشاب حالياً هو الجيل الرابع أو الخامس، للمملكة منذ التأسيس، وبقدر ما تعتقد السلطات الحاكمة أن دعايتها منذ التأسيس قادرة على احتواء طموحات الأجيال الجديدة إلا أن هذا الجيل الذين أعمارهم بين (18-30 عاماً) يعيّ أكثر حقوقه ويتجاهل الدعاية الحاكمة التي تحاول استخدام التحديات والتهديدات الخارجية لمواجهة التهديدات الداخلية المتمثلة في مطالب الإصلاحات السياسية وحقوق حرية الرأي والتعبير. كما أن هذا الجيل يريد أن يكون قادراً على الزواج ويمتلك وظيفة، والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وهو أمرٌ لا تناقشه السلطات الاستبدادية بطبيعة الحال كما هو الحال في إيران.

لذلك فالفجوة بين الأجيال لا تضع المملكة في موضع اختبار فحسب، وإنما أيضاً مع الوسطاء الرئيسيون لسلطة الدولة مثل القبائل والحركات الإسلامية. في وقت يناضل الشباب السعودي ضد الانعدام الخانق لأي مساحة للمشاركة الاجتماعية والإبداع السياسي، مع تنامي الشكوك حول قدرة العائلة الحاكمة على إدارة التحديات القادمة لنظام دولة الرفاه.

وبما أن الاقتصاد عماد “الرفاه” يُظهر السعوديون قلقهم من الاقتصاد في المملكة مع استمرار اجتياح الركود للأسواق، ويعتقدون أن السلطة تفتقر إلى الكفاءة اللازمة لمواجهة هذه الأزمات. إذ تشير رؤية ولي العهد 2030 إلى توطين الوظائف أو ما توصف ب”السعودة” في محاولة لإيجاد فرص عمل حيث يسيطر الوافدون على معظم المهن، حيث 80% من القطاع الخاص يخضع لإدارة أجنبية في حيّن يعمل ثلثي المواطنين في القطاع العام الذي يقوم على المحسوبية وليس على الكفاءة.

في نفس الوقت فإن الشباب السعودي هم نتاج “اقتصاد ريعي” ولا يريدون بطبيعة الحال فقدانه لكنهم يشعرون كذلك بالقلق يظهر ذلك واضحاً في مؤشر رفاهية الشباب العالمي 2017 حيث يقول 51% من الشباب إنهم يتوقعون أن يحصلوا على مستوى معيشي أفضل من آبائهم وهو تراجع بشكل مدهش رغم الوعود التي تقطعها السلطات بالتحول إلى الاقتصاد على غير النفطي، وهو ما يعني فقدانهم الثقة بالرؤى المقدمة. فيما يرى 41% من الشباب أن الحكومة لا تهتم برغباتهم واحتياجاتهم وهي نسبة كبيرة في مجتمع تقدم السلطات المال لشراء الصمت.

وبدأت رؤية 2030 تفترض بشكل صريح أن الاعتماد الممنهج على الريع الهيدروكربوني لم يعد مستداما، نظرا للانخفاض الدائم للنفط أمام الارتفاع غير المتوقع للباحثين عن عمل في السعودية. في ربيع عام 2018، كشف المسؤولون عن التخطيط في السعودية أن البلاد سوف تحتاج بحلول عام 2022 إلى توفير 1.2 مليون فرصة عمل لخفض المعدل الوطني للبطالة إلى أقل من تسعة في المائة. فيما تبلغ البطالة وسط الشباب أكثر من 30% حسب تقديرات غير رسمية.

ولم تقدم مخططات رؤية 2030 أي خطوات جادة نحو ذلك إذ يعتبرها كثير من الخبراء، غير واقعية لكي تتحول السعودية إلى نموذج يقوم على التكنولوجيا ودهاء الاستثمار، إذ أنها تذوب تحت ضغوط “العقد الاجتماعي” والأخطاء القائمة بسيطرة العائلات وشيوخ القبائل والأمراء على القطاع الخاص، لإدامة السيطرة والحكم وهو ما ليس مفتوحاً للمواطنين.

وداخل الطبقة الحاكمة سياسياً واقتصادياً، تحرك محمد بن سلمان بسرعة لتهميش منافسيه السياسيين، بشكل يبدو ربما أكثر عدوانية، كما ظهر في خريف 2017 في تطهير كاسح ضم مئات النخب. ليس فقط رجال الأعمال بل حتى كبار الأمراء، وبعضهم من أبناء عمومته. إن سجن هذه الشخصيات الملكية والتجارية وتعذيبها وإكراهها، كان شكلا من الابتزاز الاقطاعي من أجل تحقيق أهداف تتمثل في قمع الشخصيات الملكية المتنافسة، وبالتالي توسيع قاعدة سلطة محمد بن سلمان، وهو ما أثار مخاوف رؤوس الأموال التي تعتمد عليها رؤيته بالتخلص من الاقتصاد الريعي، ما يجعل من فشل رؤيته مصيراً حتمياً. وأدى إلى مخاوف بين رجال الأعمال السعوديين من توسيع استثماراتهم خوفاً من تكرار الأحداث، وخلّق اضطراباً في السياسة والاقتصاد السعوديين.

 

أثناء الربيع

لم يكن السعوديون بمعزل عن المشاركة الشعبية والسياسية وتوجيه الانتقادات خلال الثلاثة العقود السابقة، ويظهر ذلك حين شاركوا في الجدل السياسي حول الإصلاح الذي بدأ من عام 2003.  وتم كل ذلك في ظل بيئة سياسية انتشرت فيها العرائض والبيانات التي قام برفعها المثقفون وأساتذة الجامعات وشيوخ الدين والدعاة والمهتمون بالشأن العام إلى ملوك وأولياء العهد في الدول الخليجية للمطالبة بالإصلاح السياسي القائم على الحكم الرشيد وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين. كما قاد الشباب حملات التطوع في أعقاب فيضانات جدة في عام 2009. وكانت معظم النقاشات والجدل تُقام على الشبكة العنكبوتية.

وتمثل الشبكة العنكبوتية وسيلة السعوديين للتعبير حيث تتمتع منطقة الخليج ببنية تحتية متقدمة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وفرت للشباب فيها مساحة من حرية الحركة والتغلب على قيود الفضاء العام والتمتع بالخصوصية وعدم الرقابة خاصة أثناء وقت الأزمات، فتشكل دول مجلس التعاون الخليجي 85 في المئة من مستخدمي تويتر النشطين في العالم العربي. وتأتي المملكة العربية السعودية على رأس دول العالم بين مستخدمي الإنترنت في كلٍّ من المشاركة على تويتر، والتنزيلات من على موقع يوتيوب.

وفي 2011 مع اندلاع الربيع العربي الذي ساعدت الهواتف ومواقع كتوتير وفيس بوك في التنسيق بين الحركات الشبابية وبعضها البعض في عمليات التظاهر حيث كانت المظلة التي اجتمع تحتها الجميع في حلقات نقاشية سياسية لا تنتهى والتي كان لها دورا كبير فى تكوين العقل الوعى وتنمية القدرات السياسية للقادة الشباب. وفيما خرجت الشعوب للشوارع لم يكن الأمر كذلك في المملكة العربية السعودية، حيث يتم احتشاد الشباب على وجه الحصر تقريبًا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لأن النشاط العام يخنقه قوانين وقيود صارم.

ودعت مجموعة شبابية على الإنترنت باسم “ائتلاف الشباب الأحرار” في 28 فبراير/شباط 2011 إلى التحرك الشعبي من أجل إطلاق ثورة غضب في 11 مارس، وطالبت الحكومة بتحقيق مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي شملت 13 مطلبًا يمكن تنفيذها بشكل فوري مثل إطلاق سراح المساجين السياسيين، والسماح بحرية التعبير، والغاء امتيازات أفراد العائلة الحاكمة. كما شملت عشر مطالب ” تحتاج إلى وقت لكن يجب أن يشرع من بيدهم الأمر بالخطوات الأولى بتنفيذها” مثل انتخاب مجلس شوري، وتحقيق الاستقلال الكامل للقضاء، وإقالة “المسئولين الفاسدين”، وإلغاء القيود غير الشرعية على المرأة. غير أن هذه الدعوة كانت محدودة التأثير ولم يكن لها أى وجود ميداني، وهو ما دفع بوزير الداخلية السعودي إلي توجيه الشكر للمواطنين على عدم الاستجابة لها واصفًا الذي دعوا إليهم بـ “الأشرار الذين أرادوا أن يجعلوا من المملكة مكانًا للفوضى والمسيرات الخالية من الأهداف السامية”. وحاول الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز احتواء هذه المطالب بقرارات لتهدئة الشارع لكنها كانت للتهدئة وليس لتوجه حقيقي.

وكان مناخ القمع والقيود الصارمة وتقديم ما يحدث للسعوديين في المناطق الشرقية من قمع واضطهاد كمنوذج للمصير الذي سيؤول إليه كل من يشارك في أي احتجاجات هي المخاوف المعلنة. وفي مواجهة هذه البيئة القمعية الاجتماعية المحظورة، انتقل الشباب السعودي إلى وسائل التواصل الاجتماعي بأعداد كبيرة. واستخدمهما البعض لتطوير أنماط جديدة من التعبير الشخصي والاتصال الاجتماعي. فيما استخدمها كثيرون لبدء خطاب سياسي جديد.

 

حملات تويتر

يعد كلا التعبيرين تطورين هامين، مع إمكانية توليد مطالب أكبر للمشاركة السياسية والمساءلة الحكومية. وكلاهما واضح في حملات تويتر السعودية. في الأيام الأولى من الصحوة العربية في عام 2011، بدأ الكثير من السعوديين في الانتقاد الموجه إلى السلطات الذي تحول إلى ما يشبه ساحة معرفة وانتقادات مهمة لتصحيح قرارات السلطة.

وفي يوليو/تموز 2013، حصل الوسم “الراتب ما يكفي الحاجة” أكثر من مليون تغريدة يوميًا، حيث انخرط السعوديون في نقد غير مسبوق لأولويات الإنفاق الحكومي. وتكرر هذا الوسم خمس مرات حتى 2018م وشمل انتقادات على تدني رواتب المواطنين انتقاد سياسة الانفاق الحكومي مع رفع الدعم عن المشتقات النفطية والقيام بإجراءات تقشف على المواطنين متحججة بالأزمة الاقتصادية في تنفق السلطات مليارات الريالات لتغطية الفساد على أمور “بلا قيمة”.

كما شاركت شعبية الكوميديا في يوتيوب التي أنتجها الشباب في إلقاء نظرة ساخرة على الأخبار والشؤون الاجتماعية التي أثبتت تعطش المجتمع السعودي للتعليق الصادق. وأصبحت هذه الحملات تثير قلق السلطات وأدت في الغالب إلى إجبار الحكومة على التراجع عن قرارات سيئة ضد المواطن السعودي.

إن هذه الخطوات المبدئية نحو تعبير سياسي أكبر ومحاولة تأسيس جمعيات مدنية في الفضاء الافتراضي ومحاولة نقلها إلى الفضاء العام واجهتها السلطات بحزم بعد أن أقر مجلس الوزراء السعودي قانونًا جديدًا لمكافحة الإرهاب في ديسمبر/كانون الأول 2013. ويبدو أن تعريفه الشامل للإرهاب باعتباره أي عمل يزعزع استقرار النظام أو يضر بالوحدة الوطنية سيغطي فقط أي نوع من المعارضة. في غضون أيام، توجه السعوديون إلى تويتر لانتقاد القانون الجديد، تحت الوسم الساخر، “في موزمبيق”.

 

الفئة الصامتة

طوال عقود ماضية كانت السلطات تعتمد على قدرتها في تحويل المطالبات بالإصلاحات السياسية والاجتماعية إلى كون المطالبين بها فئة قليلة -بتعبير المؤسسة الدينية التي ترتكز عليها “فئة ضالة”- على الرغم من أن فترة التسعينات وفشل السلطات في التعامل مع “حرب الخليج” جعلت المطالب بالإصلاح تظهر للعلن بأقوى لهجة وخرجت تظاهرات تطالب بتلك المطالب. ورغم حملة القمع التي اتبعت ذلك ومصادرة أشرطة الكاست التي كانت تمثل في تلك الفترة ثورة التكنولوجيا العصرية فقد لجأ السعوديون إلى الانترنت مع بداية ظهوره وتوسعه.

فلم تعُد “الأكثرية الصامتة” صامتة، فهي بفضل منتديات النقاش (2000-2011) وشبكات التواصل الاجتماعي- عقب ذلك- أصبحت هي المنفذ الوحيد لفئة شابة مكبوتة سياسياً على نحو متزايد، ومهمشة اجتماعياً ومحرومة اقتصادياً، إضافة إلى أنها تفتقر إلى أبسط طرائق التعبير عن الرأي وأكثرها بدائية. وتسمح شبكات التواصل من رصد ما يتوقعه الشعب السعودي من حكومته، وفهم الحرمان الذي يعيشه على أثر فشل هذه القيادة في الاستجابة للتحديات ولمطالب الشعب، ليشارك أكثر في الحياة السياسية وينعم بالحرية والعدالة الاجتماعية والاصلاح الاقتصادي. وكذلك يمكن تقييم رأي السعوديين من خلال متابعة ما ينشرونه والذي يعبر عن رأيه بإحباط من المواقف والقرارات الحكومية المتقلبة تجاه القضايا الوطنية.

 

المواجهة

تحت تأثير الأحداث والصدمات التي تتابعت بين 2001 و2011 وحرب اليمن 2015 والتي وقعت أساساً خارج المملكة فإن السلطات السعودية دخلت في مرحلة من التغيير المتسارع، وخلال هذه المُدة التي شهدت تطوراً مستمراً في التكنولوجيا وأتاحت المجال لمعظم السعوديين بالتعبير عن آرائهم، تفقد السلطات مجموعة من أدواتها السياسية خصوصاً تلك التي تركزت على توزيع “الريع” واستغلال الانقسامات الاجتماعية لذلك لجأت السلطة إلى البحث عن خيارات تواكب التطورات الجديدة. ولا يعني ذلك الإيحاء بأن المملكة تحاول الاقتراب من التحول الديمقراطي على العكس من ذلك فما أحدثته بعد الأحداث الكبيرة عقب أحداث 11 سبتمبر، وثورات الربيع العربي يشير إلى أنها في طور عملية تحديث وسائل القمع والمسائلة وبدلاً من نشر الجواسيس في المساجد والمراكز الثقافية استأجرت “القراصنة” لملاحقة المدونين في شبكات التوصل الاجتماعي، في محاولة للتأقلم مع بيئة متغيرة داخلياً وخارجياً وفي الفضاء الالكتروني لتحقيق توازن اصطناعي فشلت فيه لسنوات.

إن انعدام التطابق بين الاستراتيجيات الاقتصادية والأهداف السياسية للنظام السعودي من جهته، والانتشار الواسع والمعقد للوسائط المعلوماتية بين جيل الشباب السعودي من جهة أخرى، قد يؤدي إلى التغيير أو عدم الاستقرار.لعل هذا لا يعني بالضرورة الوصول إلى “الثورة”، لكنه يشير إلى مقدار من “عدم الثقة” التي تتعارض مع نمط التحديث الذي وعد به محمد بن سلمان.

في نفس الوقت تختمر موجات جديدة من الربيع العربي، باستخدام شبكات التواصل على مدار ثمان سنوات مضت يرى محللون أن الموجة الرابعة لثورات “الربيع العربي” تبدو خليجية بامتياز… على أنها قد لا تكون فورية ومباشرة، وربما يحفزها بلوغ الأردن والمغرب ضفاف الملكية الدستورية حيث تشهد الدولتان حراكاً مستمراً منذ مُدة. فالدول الخليجية الست- وعلى رأسها السعودية- تواجه تحديات الانتقال من دولة “الريع” إلى دولة “الإنتاج” وتنويع مصادر الداخل، والعلاقة “الزبائنية” بين الدولة ومواطنيها (رعاياها) تكاد تبلغ نهاياتها… والأنظمة السلالية القائمة، باتت عاجزة عن استيعاب التغييرات المجتمعية العميقة، الناجمة عن ظهور أجيال من الشباب المتعلم والمنفتح على العالم بكافة تغييراته واتجاهاته.

ثم، أن انتقال القيادة في عدد منها من جيل هرم (مخضرم)، إلى نمط من القادة الشبان المتهورين أمثال “محمد بن سلمان”، من دون أن يترافق ذلك مع ثقافة مؤسسية وبغياب المشاركة والمؤسسات التمثيلية، أفضى إلى دخولها في مغامرات أثارت استياء العالم والمواطنين منها وغضبه عليها مثل (اغتيال جمال خاشقجي وحرب اليمن والأزمة الخليجية الداخلية).