MBS metoo

الضغط على الأطراف.. تحول لافت في حملات العلاقات العامة السعودية بأمريكا

وسط الحديث في واشنطن حول مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية، أطلقت المملكة حملة دبلوماسية عامة غير مسبوقة لحشد الأعمال التجارية والدعم الشعبي خارج بيلتواي (عالم واشنطن الاجتماعي والسياسي) لمواجهة المشاعر المعادية للسعودية داخل إدارة “بايدن” والكونجرس.

للقيام بذلك، استأجرت السفارة السعودية في واشنطن شركة ضغط وعلاقات عامة مقرها في وسط أمريكا وليس العاصمة. فقد تم التعاقد مع مجموعة “لارسون شاناهان سليفكا”، ومقرها ولاية آيوا، مقابل 126 ألفا و500 دولار شهريا؛ للوصول إلى وسائل الإعلام المحلية ومجموعات الأعمال والنساء ومجالس الشؤون العالمية في الولايات النائية. وتقول المجموعة على موقعها الإلكتروني: “نحن أناس حقيقيون نتعامل مع قضايا حقيقية”.

وقال المتحدث باسم السفارة “فهد نزار”، لصحيفة “يو إس إيه توداي” الأمريكية، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “إننا ندرك أن الأمريكيين خارج واشنطن مهتمون بالتطورات في السعودية والعديد منهم، بما في ذلك مجتمع الأعمال والمؤسسات الأكاديمية ومجموعات المجتمع المدني، حريصون على الحفاظ على علاقات طويلة الأمد مع المملكة ونسج علاقات أخرى جديدة”.

وبعبارات أكثر وضوحا، صاغ الأمير “عبد الرحمن بن مساعد آل سعود”، حفيد مؤسس المملكة الملك “عبد العزيز”، رجل الأعمال والرئيس السابق لأحد أهم أندية كرة القدم بالسعودية، المصالح الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

إذ قال إن المملكة “تتمتع بوزن اقتصادي كبير، وتؤثر على المنطقة، لا يمكن للعالم الاستغناء عن الاعتدال السعودي. بفضل اقتصادها واعتدالها وتعاونها في الحرب على الإرهاب.. الحقيقة أنك بحاجة إلينا أكثر مما نحتاج إليك”.

ولتعزيز جهود الدبلوماسية العامة السعودية، قام “مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية”، ومقره الرياض، هذا الشهر، بتزويد مجموعة “لارسون شاناهان سليفكا” بتقرير من 32 صفحة بعنوان “العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية: أكثر من مجرد أسلحة ونفط”.

ويسلط التقرير الضوء على استثمارات المملكة في الولايات المتحدة، والمعاملات التجارية، والهدايا التي تقدمها للجامعات، بجانب استثمارها في سندات الخزانة الأمريكية.

وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة صدرت إلى السعودية في عام 2019 ما قيمته 24 مليار دولار، منها 3.1 مليارات دولار مبيعات أسلحة، والتي دعمت 165 ألف وظيفة في أمريكا.

وذكر أن الشركات الأمريكية في هذا العام كانت تعمل في مشاريع سعودية تبلغ قيمتها 700 مليار دولار. وأفاد التقرير أنه بنهاية 2020، بلغت حصة المملكة 134.4 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية و12.8 مليار دولار من الأسهم الأمريكية. بينما بلغ إجمالي الاستثمار الأمريكي في السعودية في عام 2019، 10.8 مليارات دولار. وروج التقرير لفرص الاستثمار المستقبلية بالمملكة في قطاعات مثل الترفيه؛ حيث تتمتع الشركات الأمريكية بميزة تنافسية.

 

حشد التعاطف

وفي محاولة للوصول إلى وسط أمريكا، تأمل المملكة في حشد التعاطف بين شرائح المجتمع الأمريكي التي تعد أقل تركيزا على السياسة الخارجية وتعقيدات الشرق الأوسط أكثر من السياسيين في واشنطن والطبقات صاحبة الصوت العالي على سواحل الولايات المتحدة.

فقد انتقد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” السعودية خلال حملته الانتخابية بعبارات صارخة، واصفا المملكة بـ”المنبوذة”. ومنذ تولي منصبه، أوقف “بايدن” بيع الأسلحة الهجومية إلى المملكة التي يمكن استخدامها في الحرب المستمرة منذ 6 سنوات باليمن، وأصدر تقريرا استخباراتيا وجه أصابع الاتهام إلى ولي العهد “محمد بن سلمان في جريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018، وقال إنه سيعيد ضبط العلاقات مع الدولة الخليجية.

وتأتي حملة الدبلوماسية العامة السعودية في الوقت الذي يتعرض فيه “بايدن” لضغوط من الليبراليين والديمقراطيين اليساريين لمعاقبة الأمير “بن سلمان” على جريمة قتل “خاشقجي”، وتحديد ما يعنيه بمبيعات الأسلحة الهجومية، وربما المناورة لمنع ولي العهد من أن يصبح ملكا.

ومن بين المتحدثين البارزين الذين تُروج لهم مجموعة “لارسون شاناهان سليفكا”، سفيرة المملكة في الولايات المتحدة، الأميرة “ريما بنت بندر”، التي تعد أول سفيرة للمملكة على الإطلاق، وحفيدة مؤسسها، وابنة الأمير “بندر بن سلطان”، الذي ظل سفيرا في واشنطن لمدة 22 عاما، لتنشأ معه في الولايات المتحدة.

وتأمل الأميرة “ريما”، التي تعمل منذ فترة طويلة في الترويج للرياضة النسائية بالمملكة، في إقناع محاوريها بأن السعودية، كلاعب عالمي محوري، مصدر قوة للولايات المتحدة، وأن بلادها شرعت في تحرير اقتصادي واجتماعي بعيد المدى، بما في ذلك إضفاء الطابع المؤسسي على حقوق المرأة.

إنها رسالة صُممت لعرض أفضل ما لدى المملكة، وصرف الانتباه عن سجل المملكة البغيض في مجال حقوق الإنسان، والمتمثل في قتل “خاشقجي” وحرب اليمن.

وهذا الأسبوع، رفض المتمردون الحوثيون عرضا سعوديا بوقف إطلاق النار، كان من شأنه أن يرفع جزئيا الحصار الذي تفرضه المملكة على الدولة التي مزقتها الحرب.

 

ضغط الأطراف على المركز

وفي حال نجاحها، فقد تقود استراتيجية الدبلوماسية العامة المنظمات الشعبية في دوائر أعضاء الكونجرس إلى الضغط على ممثليها السياسيين في واشنطن من أجل تبني مواقف أكثر تساهلا تجاه المملكة.

وهذه استراتيجية مماثلة لتلك التي يتبناها اللوبي الإسرائيلي، ومختلف المنظمات اليهودية الأمريكية، ومجموعات الضغط الأخرى الداعمة للسعودية.

ويبدو أن الاستراتيجية تؤتي ثمارها، عبر التواصل مع رئيسة “مجلس الشؤون العالمية” في فيلادلفيا (مجموعة تعليمية غير ربحية) “لورين شوارتز”، والرئيسة والمديرة التنفيذية لـ”مجلس الشؤون العالمية” في ألاسكا “ليز فالسكو”، التي تضم في عضويتها قادة الأعمال والطلاب والمعلمين وغيرهم من السكان المحليين المهتمين بالشؤون الخارجية.

وقالت “شوارتز” بعد أن خاطبت السفيرة “ريما” مجموعتها عبر تطبيق “زووم”: “كانت هناك (في السعودية) رسالة كبيرة للتغيير والتقدم. ولم يُذكر هذا كثيرا في الصحف هنا (الولايات المتحدة) الأميرة ريما تحدثت حول تأثير السعودية، والفرص المتاحة لها، وعلاقاتها بولاية بنسلفانيا، بما في ذلك العلاقات في صناعة الطاقة بالولاية”.

وأضافت “فالسكو”: “لكونها دولة نفطية وكون ألاسكا ولاية نفطية، فمن المثير للاهتمام سماع وجهة نظرهم بشأن الغاز والأسواق العالمية”.

وأكد كُتيب لامع من 10 صفحات أنتجته مجموعة “لارسون شاناهان سليفكا”، قبل حديث الأميرة “ريما”، على “التقدم الكبير الذي حققته المملكة في مجالي الرياضة وحقوق المرأة”.

ويبرز الكُتيب، المليء بصور الرياضيات السعوديات، وبعضهن يرتدين الحجاب والبعض الآخر من دونه، إنجازاتهن، إضافة إلى التغييرات المهمة في السياسة وإدماج المرأة في إدارة الرياضة كجزء من إصلاحات الأمير “بن سلمان”.

 

لماذا الاستراتيجية الجديدة؟

تعتمد استراتيجية الدبلوماسية العامة على كون منطقة وسط أمريكا أقل انضغاطا للجوانب الأخرى من سياسات ولي العهد.

ومن المحتمل أن يشمل هذا الحكم هذا الأسبوع على “نسيمة السادة”، الناشطة الشيعية البارزة في مجال حقوق المرأة، بالسجن لمدة 5 سنوات مع وقف التنفيذ لسنتين. ويعني وقف تنفيذ سنتين من عقوبة السجن، أن “السادة”، إحدى الناشطات الـ12 اللواتي تم اعتقالهن عام 2018، قد يتم إطلاق سراحها نهاية يونيو/حزيران المقبل.

وتتناقض المشاركات التي رتبتها مجموعة “لارسون شاناهان سليفكا” خارج واشنطن بشكل صارخ مع الندوات عبر الإنترنت التي تستضيفها مراكز الأبحاث في واشنطن، والتي يُناقش فيها عدد متجدد من مسؤولي الإدارة السابقين والعلماء والمحللين ما يجب أن تكون عليه السياسة الأمريكية تجاه السعودية. وعادة ما ينقسمون حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على أن تكون صارمة مع المملكة، والأمير “بن سلمان” في قضايا مثل حقوق الإنسان.

ومع ذلك، إذا كان من الضروري اتباع استطلاعات الرأي العام في السنوات الأخيرة، فإن الدبلوماسية العامة السعودية تواجه تحديات كبيرة.

فقد أظهر مركز “جالوب” لاستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة العام الماضي أن 65% من الأمريكيين ينظرون إلى السعودية بشكل سلبي، مقابل 34% ينظرون لها بشكل إيجابي، وهو اتجاه كان واضحا أيضا في استطلاعات رأي أخرى أجرتها صحيفة “بيزنس إنسايدر”، و”يوجوف”(شركة دولية مختصة بأبحاث الأسواق ومقرها المملكة المتحدة)

وإدراكا لهذه التحديات، يبدو أن الأميرة “ريما” تتبع مواهبها من خلال التركيز على “شراكة شاملة” مع قطاعات الأعمال والثقافة والتعليم.

ومع اعتراف النشطاء الأمريكيين بالضغوط المتزايدة التي أدت إلى فرض الكونجرس رقابة على دعم الولايات المتحدة للحرب في اليمن، وتعليق “بايدن” لمبيعات الأسلحة الهجومية إلى المملكة، يبدو أن الأميرة “ريما” تأمل في أن تكون منطقة وسط أمريكا سلاحها السري.

بعبارة أخرى، قد تكون منطقة وسط أمريكا أحدث ساحة معركة، لكن في نهاية المطاف ستحدد سياسات واشنطن صورة المملكة في الغرب ومستقبل العلاقات الأمريكية السعودية.

Exit mobile version