تمتلك السعودية أحد أكثر الجيوش تمويلا في العالم. وبالرغم من تغير ميزانيتها الدفاعية بناءً على أسعار النفط ومستوى التهديدات الخارجية التي تواجهها، فقد أنفقت السعودية 48.5 مليار دولار على الدفاع في عام 2020، لتكون من بين أكبر 10 دول من حيث الإنفاق العسكري في العالم. (في عام 2014، بلغت الميزانية العسكرية للمملكة 80.8 مليار دولار، وكانت رابع أكبر ميزانية دفاعية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا).

وتضم القوات المسلحة السعودية أكثر من 250 ألف فرد يتمتعون بتجهيز جيد من حيث المعدات العسكرية الفنية التي تحاكي مثيلاتها في معظم الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وفي تقييم للقوة العسكرية لـ140 دولة، احتلت السعودية المرتبة 17، بينما احتلت إسرائيل المرتبة 20. لكن هذه الأرقام لا ترسم الصورة كاملة. فبالرغم من امتلاكها الأسلحة والمعدات العسكرية ذات المستوى العالمي، هناك قصور خطير في القدرات القتالية الفعلية للسعودية بعكس قدرتها على الحفاظ على الأمن الداخلي.

وعندما أسس الملك “عبدالعزيز آل سعود” الدولة السعودية الثالثة عام 1902، لم يكن لديه جيش ثابت؛ لذلك جند قبائل من وسط الجزيرة العربية لتوسيع حكمه. لكن سرعان ما وجد “عبدالعزيز” أن هذه المليشيات غير موثوقة وعرضة لتغيير الولاءات، فعمل في عام 1912 على تشجيع القبائل البدوية على الهجرة إلى المستوطنات الصحراوية والالتزام بالوهابية؛ مما أدى إلى بقائهم في حياة متشددة وصقل مهاراتهم العسكرية. وقد قبلت هذه الجماعات، التي أصبحت تعرف باسم “الإخوان” أو “إخوان من أطاع الله”، الدعوة الجديدة ووضعت قدراتها القتالية في خدمة “عبدالعزيز”.

استخدم الملك “عبدالعزيز” “الإخوان” لضم أجزاء من شبه الجزيرة العربية التي أذن بها البريطانيون. ومع ذلك، كان “الإخوان” يعتزمون تدمير المزارات الدينية الشيعية في النجف العراقية، والاستيلاء على شرق الأردن، التي أصبحت في عام 1918 تحت السيطرة البريطانية. وبسبب عدم رغبته في استعداء البريطانيين، سيطر الملك “عبدالعزيز” أخيرًا على “الإخوان” في عام 1929؛ بفضل المساعدة العسكرية البريطانية السخية التي منحته ميزة حاسمة؛ حيث هزمهم في معركة “السبلة”، وهي آخر ثورة قبلية في شمال الجزيرة العربية، ودمج فلولهم في حرسه الوطني.

وبعد إعلان إنشاء السعودية بحدودها الحالية عام 1932، خشي الملك “عبدالعزيز” من قيام الجيش بانقلاب فقام بتفكيكه وفوض مسؤولية الأمن الداخلي إلى قوة شرطة متواضعة تأسست عام 1924. ومع انطلاق الشراكة الأمريكية السعودية عام 1945، أصبح لدى الملك “عبدالعزيز” الشجاعة لبناء جيش، ولكن بحذر أيضا. وفي عام 1946، أنشأ وزارة الدفاع بقوة نشطة صغيرة قوامها أقل من 1500 فرد. وعند وفاته في عام 1953، زاد قوام الجيش إلى حوالي 10 آلاف فرد. لكن خلفه الملك “سعود” شعر بعدم الارتياح بشأن توسيع الجيش، بعد أن رأى بالفعل عددا من الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالعديد من نظرائه في الشرق الأوسط.

أطاحت العائلة المالكة بالملك “سعود” عام 1964؛ بسبب إنفاقه المتهور الذي استنزف موارد المملكة المالية. وتم تعيين شقيقه “فيصل” ليحل محله، لكن في عام 1969، كان الملك “فيصل” هدفا لمؤامرة انقلابية قادها طيارو القوات الجوية السعودية الذين أرادوا إنشاء جمهورية. واستبق الملك “فيصل” الانقلاب؛ حيث اعتقل عشرات الطيارين والعسكريين، وأعدم العديد منهم. وأوقف الملك “فيصل” خططه لتوسيع القوات المسلحة، واعتمد بدلا من ذلك بشكل أساسي على “الحرس الوطني”، الذي ينحدر مجندوه من قبائل موثوقة في وسط الجزيرة العربية.

وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، شعر السعوديون بالتهديد من خطط “الخميني” لنشر الثورة في المنطقة العربية، بدءا من العراق. لذلك شرع السعوديون في برنامج تسلح ضخم كان محفوفا بالفساد والفضائح بما في ذلك صفقة “اليمامة السعودية” (1985-2007) مع شركة “بي أي إي سيستمز” لشراء مقاتلات “تورنادو” و”يوروفايتر تايفون” وصواريخ جو- جو شابتها مزاعم بالفساد. على سبيل المثال، يُزعم أن شركة “بي أي إي” دفعت مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية في شكل رشاوى للسفير السعودي الأسبق في واشنطن “بندر بن سلطان” وقائد القوات الجوية السعودية آنذاك “تركي بن ​​ناصر”.

ومع ذلك، فإن جميع صفقات الأسلحة السعودية تشمل عمولات بطبيعة الحال. وقد حقق الأمير “سلطان بن عبد العزيز” (والد بندر)، الذي شغل منصب وزير الدفاع لفترة طويلة، عمولات بمليارات الدولارات من حرب الخليج عام 1991. وفي وقت وفاته عام 2011، تجاوزت ثروته 270 مليار دولار. وقد وجهت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية مؤخرا لائحة اتهام لعدد من الضباط وموظفي وزارة الدفاع بسبب معاملات مالية مشبوهة بمئات الملايين من الدولارات. وليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة تحاول القضاء على الفساد أو أن ذلك مجرد استهداف للموظفين العسكريين الذين فقدوا الحظوة عند ولي العهد.

ومع ذلك، فإن الجيش السعودي يحظى بمجموعة واسعة من المزايا. فبمساعدة الولايات المتحدة، قامت السعودية ببناء مجمعات عسكرية ضخمة على طول حدودها. وتعد أكبرها “مدينة الملك خالد العسكرية”، التي تقع بالقرب من الحدود العراقية والكويتية، وتعد أحدث قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، ويمكن أن تستوعب أكثر من 60 ألف جندي. كما أن السعوديين لديهم أيضا قواعد جوية كبيرة في حفر الباطن في الشمال الشرقي وخميس مشيط بالقرب من الحدود اليمنية، وتقع القاعدة العسكرية الواسعة في تبوك بالقرب من ميناء العقبة الأردني، وتعد واحدة من أكثر المنشآت العسكرية السعودية رسوخا.

ونظريا يجب أن تكون البنية التحتية العسكرية الرائعة للسعودية كافية للدفاع عن البلاد ضد أي تهديد خارجي. لكن في الواقع، لا تعد الأجهزة والأسلحة كافية؛ إذا كان هناك مشكلة في العقيدة العسكرية.

إن أحد الركائز الأساسية لأي جيش هو العقيدة العسكرية القوية. وتنص العقيدة العسكرية السعودية على أن هدفها هو تطبيق الشريعة الإسلامية وتعزيز الإيمان الحقيقي والشجاعة والكرامة والعدالة بين القوات. وعندما قرر السعوديون خوض الحرب ضد الحوثيين في اليمن، أضافوا مبدأين إضافيين: “مساعدة المظلومين” و”استعادة الحكومة اليمنية الشرعية”. وتفتقر السعودية إلى فلسفة عسكرية تروج لهدف واضح مستوحى من أيديولوجية موحدة وشعور بالهوية الوطنية.

في الواقع، كشف المجهود الحربي السعودي في اليمن عن عدة نقاط ضعف أخرى للجيش السعودي، بما في ذلك اعتماده على خبرة القوات الأخرى. ولسنوات عديدة، وخاصة منذ الانضمام إلى الحرب في اليمن، اعتمدت القوات الجوية السعودية بشكل كبير على أطقم الولايات المتحدة لتنفيذ الأعمال القتالية بما في ذلك تزويد طائرات “إف-15” بالوقود. وتمتلك القوات الجوية السعودية 22 ناقلة تزود الطائرات بالوقود جوًا، لكنها استمرت في الاعتماد على القوات الجوية الأمريكية للتزود بالوقود حتى عام 2018، عندما أوقف الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” دعم الولايات المتحدة للتزود بالوقود؛ بسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في العمليات السعودية في اليمن.

ويعود الخلل هنا إلى النقص في تدريب العسكريين بشكل خاص، والعاملين السعوديين عموما؛ حيث لم تتمكن القوات الجوية السعودية من الاعتماد على الموارد البشرية المحلية لتكوين طواقم الدعم والصيانة لأن المجتمع السعودي لا يزال يقاوم الأعمال اليدوية، حتى ولو كانت هناك إغراءات مالية. ولا يمتلك طيارو القوات الجوية السعودية قدرات استهداف هجومية شاملة؛ لأن تدريبهم يقتصر بشكل أساسي على العمل على أهداف ثابتة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه العمليات تتطلب مهارات وقدرات لا تزال مفقودة في المجتمع السعودي التقليدي.

وغالبا ما يكون تطوير الأسلحة مصدر إزعاج للأفراد العسكريين السعوديين، الذين يعترفون غالبا بأنهم يواجهون مشكلة في التكيف مع المعدات العسكرية الجديدة.

ومثل الدول العربية الأخرى، تحتل السعودية مرتبة عالية جدا في مؤشر مسافة السلطة “PDI” بدرجة 80 (يشير إلى مدى قبول الأعضاء الأقل سلطة بأن تكون السلطة موزعة بشكل غير متكافئ). وعلى النقيض من ذلك، فإن إسرائيل تصنف عند الدرجة 13. ويشير ذلك إلى أن معظم السعوديين يوافقون على سيادة النخبة الحاكمة، بما في ذلك في مسائل الأمن القومي. لكن ذلك يمثل تحديا من ناحية أخرى حيث تقوض حالة عدم الثقة والشك والسرية (التي تسود العلاقات الشخصية) المؤسسة العسكرية وتعيق التخطيط الفعال. ويدفع عدم اليقين الأفراد العسكريين من جميع الرتب إلى التماس دعم رعاتهم القبليين، الذين زاد نفوذهم بشكل كبير بسبب الهجرات الداخلية الهائلة إلى المدن.

ويعكس الهيكل الجامد للقيادة العسكرية “عقلية الصوامع” في المجتمع السعودي (مصطلح يصف حالة الانفصال التي قد تكون موجودة بين مختلف مكونات المجتمع). إنه مجزأ بشكل مفرط، وتظهر فروعه وأقسامه عدم استعداد تام للتعاون وتبادل المعلومات. ويلعب الولاء الشخصي والأقدمية، وليس الكفاءة أو الأداء، دورا حاسما في الترقيات العسكرية. على سبيل المثال، في عام 2018، أقال الملك “سلمان” كبار القادة العسكريين، ظاهريا لأنهم لم يتمكنوا من هزيمة الحوثيين، ولكن على الأرجح لأنهم اعترضوا على قرار ولي العهد “محمد بن سلمان” بخوض الحرب في اليمن.

ولم يرسل السعوديون قوات برية إلى اليمن، وبدلا من ذلك قصروا تدخلهم على الضربات الجوية، التي ألحقت خسائر فادحة بالمدنيين وفشلت في منع الحوثيين من تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض. وتجنب العديد من الجنود المشاركة في الحرب عن طريق تقديم تقارير طبية مزيفة، أو جرح أنفسهم، أو استخدام المخدرات للتظاهر بالمرض. لذلك فلا معنى للترسانة العسكرية الهائلة للسعودية إذا لم تتصرف النخبة الحاكمة كقدوة وتغرس في شعبها شعورا بالواجب والاعتزاز الوطني.