جدل ديني وانتهاكات بنزع أراضي مواطنين”.. على ذلك تشهد مدينة العلا السعودية انتعاشا سياحيا لافتا، ضمن رؤية السعودية 2030.

ومدينة العلا، التي تقع شمالي المملكة، واحدة من أبرز المناطق التي تشهد انتعاشا سياحيا لافتا، وفق تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية.

الصحيفة قالت إن مئات الشباب السعوديين انخرطوا في جهود النهوض بالسياحة في هذه المنطقة التاريخية، التي تضم مقابر نبطية يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، حتى باتت واحدة من ركائز السياحة السعودية ضمن جهود التخلص من التبعية لمداخيل النفط.

تقول حياة (24 عاما) وهي شابة تخرجت حديثا من الجامعة بدرجة ماجستير في علوم الإعلام الآلي، إنها “فرصة لنا أن يكون لدينا كل هؤلاء السياح في العلا، ليس علينا الذهاب إلى المدينة المنورة أو جدة للاستمتاع بالمقاهي والمتاجر.. هذا يخلق الكثير من الوظائف هنا”.

وتضم مدينة العلا أيضا مدائن صالح الشهيرة (المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي من قبل اليونسكو منذ 2008) والتي يثار جدل ديني حول حرمة السياحة فيها، أصبحت اليوم تعج بالسياح، ما جعل سكانها من الشباب ينخرطون بشكل آلي في هذه الدينامية.

وقبيل بدء هذه الحركة السياحية، كان غالبية سكان العلا البالغ عددهم 50 ألف نسمة يعيشون على زراعة التمور والليمون والبرتقال وتربية الجمال والأغنام.

لكن مصير العلا تغير جذريا، حسب “لوموند”، عندما جعلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروعا رائدا ضمن خطته المعروفة باسم “رؤية 2030”.

وتهدف خطة بن سلمان (37 عاما)، إلى انفتاح البلاد على السياحة وتطوير صناعة الترفيه، بدلا من الاعتماد الكلي على النفط.

وفي هذا الإطار، حصلت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وهي هيئة عامة تابعة للملك، على ميزانية قدرها 35 مليار دولار لتحويل الموقع إلى وجهة سياحية فاخرة.

ويؤكد فيليب جونز وهو أحد خبراء الهيئة الملكية لمحافظة العلا ذلك، بالقول: “نحاول دمج المشروع في النظام البيئي المحلي بطريقة مستدامة”.

وعند إطلاق مشروع تهيئة العلا في عام 2018 لم يكن هناك شيء تقريبًا، عدا فندقان ومطعمان، تقول الصحيفة.

وبعد ذلك، تم بناء الفنادق الفخمة وتوسيع المطار بشكل كبير.

وبحلول نهاية عام 2023، يجب أن توفر هذه الوجهة ألف غرفة فندقية لـ 225 ألف زائر متوقع، معظمهم من السعوديين.

لكن بحلول 2030، يجب أن يتحقق هدف استقبال مليون سائح سنويا في 4000 غرفة فندقية.

ولكن لاكتمال بناء المدينة السياحية الجديدة، تمت مصادرة أراضي المزارعين في الشمال من قبل الهيئة الملكية لمحافظة العلا، لمشاريع تتعلق بتطوير الموقع، مثل قرية دادان، حيث سيتم بناء مركز أبحاث وتدريب أثري.

وحسب الصحيفة الفرنسية، لم يجرؤ أحد على الوقوف علنا ضد عمليات المصادرة تلك، عدا بعض الأشخاص من قبيلة الحويطات، حيث يوجد موقع نيوم، المدينة الكبرى المستقبلية قيد الإنشاء على بعد 400 كيلومتر شمالا.

وصدرت أحكام بالسجن على بعضهم، وحكم على 3 بالإعدام، بينما قتل واحد على يد قوات الأمن.

وتنقل الصحيفة عن أحد سكان العلا (طلب عدم ذكر اسمه): “أعرف أشخاصا صودرت أراضيهم، لكنهم ونحن أيضا نتجنب الموضوع”.

قبل أن يتابع: “نحن نعلم مدى صعوبة التخلي عن الأرض إنها جذورنا”.

وللترويج للوجهة الجديدية، نظمت الهيئة الملكية لمحافظة العلا مهرجانات ثقافية وفنية ومسابقات رياضية رفيعة المستوى بالقرب من المواقع الأثرية والمحميات.

يقول نيكولا لوفيفر من “أفالولا” الوكالة الفرنسية لتطوير العلا، التي تشارك في قيادة المشروع: “بحلول عام 2035، سيكون هدفنا خلق 38 ألف فرصة عمل ومضاعفة عدد السكان المحليين”.

ولدعم جهود النهوض بالسياحة، يتم توظيف المزيد من الموظفين محليا، بينما تم تخصيص 300 منحة لطلبة محافظة العلا لتعلم اللغات في الخارج.

بالإضافة إلى ذلك، يتم تقديم منح دراسية للتخصص في مهن تخص الموقع مثل إدارة الفنادق، والآثار، والزراعة، والبيئة.

ويشير ستيفن براون مدير برنامج التراث الطبيعي والحياة البرية في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، إلى أن “السعودية كانت دولة منغلقة تفتقر إلى الخبرة، نحن ندرب جيل الغد من القادة، أولئك الذين سيحلون مكاننا”.

وانضم 120 شابا من مدينة العلا إلى فريق براون.

وكان بسام البلوي، يبلغ 24 عاما وأنهى لتوه دراسته للغة الإنجليزية عندما تم اختياره في عام 2018، لهذه الوظيفة ضمن فريق براون الذي لم يكن يعلم بوجوده أصلا.

وبعد 4 سنوات، ونحو 18 شهرا من التدريب في تنزانيا، أصبح البلوي نائب رئيس الحراس، ويقوم بتدريب الوافدين الجدد.

يقول البلوي تعليقا على ذلك: “لا أستطيع أن أتخيل القيام بأي شيء آخر، أتعلم الكثير من خلال الاحتكاك بالعديد من المهنيين من جميع القطاعات”.

ثم تابع: “كنا نعيش في بلدة صغيرة، حيث الكل يعرف الكل، والآن نرى وجوها جديدة من جميع أنحاء العالم كل يوم”.

من جانبه، يقول إبراهيم سعود وهو مهندس معماري: “السياحة غيرت الحياة في العلا، إنها تجلب الكثير من المال للجميع”.

وبدأ سعود البالغ من العمر 25 عاما العمل في القطاع مع إخوته الخمسة، بالإضافة إلى عمله كمهندس معماري.

ولمدة 5 أشهر، كان سعود يؤجر استديو مقابل 150 يورو (نحو 180 دولار) في الليلة ويقدم خدمات توصيل للسياح.

ويرغب هذا الشاب في بناء فندق على أرض العائلة، للاستفادة من الحركية الجديدة.

ويقول: “نحتاج إلى إذن من الهيئة الملكية لمحافظة العلا، ليس من الممكن البناء في أي مكان سوى جنوب المدينة التاريخية”.