نشرت صحيفة “الغارديان” تقريراً للصحفي “مارتن شولوف” تحدث فيه عن طبيعة الإصلاحات الثقافية، والانفتاح الكبير في السعودية، مشيراً أنه نتج عن ذلك ظهور أعمال منافية لقيم المجتمع السعودي، وأصبح الكثير يرى أن حريته هي عمل أي شيء يريده.

واستهل شولوف تقريره بالإشارة لطالبتين كانتا تتسكعان وقت الدراسة في مركز تجاري، وجلستا تدخنان وإلى جانبهما حقيبتيهما المدرسيتين، وتستمعان لموسيقى البوب من هاتفيهما، وكانتا كاشفتي الوجه، و ترتديان عباءتين مفتوحتين. مر رجال سعوديون من جانبهما ولم تلتفتا إليهم ، لكنهما لفتا أنظار رجل برازيلي يرتدي سروالاً قصيراً، وتوقف للحديث معهما قليلاً. واستغرب الصحفي من كونهما في دولة تعتبر محافظة، إذ لا يبدو أنهما مهتمتان بمن قد يعرفهما.

ونقل شولوف عن إحداهما، وعمرها (16 عاماً) قولها “يمكنني أن أفعل ما أريد، وهذا بلد حر، ألا تعرف هذا؟” مشيراً إلى أن هروب هاتين الفتاتين من المدرسة لم يكن سوى تحد شبابي  ومراهقة، وليس تعبيراً عن الحرية الحديثة، لكن محاولة هاتين الفتاتين للتعبير عن تحديهما بشكل علني يشهد على التغير في المملكة.

وقالت الأخرى، وعمرها (17 عاماً) “في الحقيقة لم أكن أستطيع عمل هذا قبل فترة.. لأن الشرطة الدينية كانت ستمسك بي، أما اليوم فأنا لست مهتمة بهم أو بأي شيء آخر، باستثناء والدي“.

وتطرق الصحفي إلى أنه بعد عامين من بدء هذه الإصلاحات الأكثر انفتاحاً، أصبحت طريقة اللباس متاحة لمن يريد تغيير أسلوب حياته، لكن تم تقييد بعض الألبسة على السكان المحليين، وتحريرها للأجانب، وألغيت القوانين التي تقيد تحركات المرأة، وأصبحت حضانة الأطفال أكثر إنصافاً، وتم التخلي عن منع الاختلاط بين الرجال والنساء.

وأشار إلى أن الإصلاحات الثقافية الانفتاحية قد صاحبتها إجراءات لا هوادة فيها لسحق المعارضة، وتم اعتقال نشطاء ورجال الدين وغيرهم من المعارضين بشكل تعسفي. وقال عدد من ناشطات حقوق المرأة أنهن تعرضن للاعتداء الجنسي والتعذيب.

وأضاف شولوف أن العاصمة السعودية التي ظلت طوال أربعة عقود ساحة محافظة يصاحبها القمع، أصبحت تستقبل الجميع، بين مصارعين وملاكمين وممثلين وموسيقيين وفنانين محليين ، بما في ذلك مباراة أندي رويز وأنتوني يوم السبت في الدرعية قرب الرياض. وكلها تبعث رسائل أن ما كان محظوراً أصبح اليوم مسموحاً به.

وأشار شولوف إلى مؤتمر “منتدى الإعلام السعودي” الذي عقد في الرياض لمناقشة التحديات التي تواجه الإعلام، ودعيت إليه مؤسسات دولية، وحضرته “الغارديان”. حيث لم يتم طرح موضوع قتل جمال خاشقجي في إسطنبول العام الماضي على أجندة المؤتمر، ولا القيود التي تمارسها السلطات على حرية التعبير. ما جعل السعودية واحدة من أكثر المناطق صعوبة وغموضاً في العالم بالنسبة للصحفيين.

وأضاف إن التحول الثقافي الذي بدأ نهاية عام 2017، تبنته فقط بعض النخب الحضرية في الرياض وجدة، وهو إشارة إلى المصادقة على أمور كانت تتم في السر. مشيراً إلى أن هذا الانفتاح تسبب بسخط وغضب وخجل المواطنين خارج حدود المدن وفي الأرياف.

ونقل الصحفي عن منيرة سلمان ، التي افتتحت مقهى باربيرا في الرياض، قولها “لم أفكر أبداً بأنني سأرى هذا الأمر في حياتي”. وأضافت “لو حاولت القيام بهذا التجمع في الماضي لتم إغلاق المقهى.. لكن هذا هو منبر للجميع وأنا سعيدة، وفي بعض الأحيان يشكو زبائن من صوت الموسيقى أو الاختلاط، لكنني أخبرهم أن الأوضاع قد تغيرت“.

وقال شولوف أن الكثير من سكان الرياض والمدن الأخرى – خصوصاً الأرياف التي تعتبر محافظة – لا يدعمون التغيير الذي بدأ به وريث العرش محمد بن سلمان. مشيراً إلى أن الإصلاح الثقافي يعد جزءاً من محاولة إعادة هندسة معظم ملامح الحياة السعودية، خاصة الاقتصاد المتحجر، ما أدى إلى إنهاء العلاقة بين الحكام والمؤسسة الدينية ، وحلت محل الهوية الدينية هوية قومية، تتبع سلطة ملكية مطلقة، قامت من خلالها بتعزيز قاعدتها الشعبية بقسوة وقمع لا هوادة فيه.

ونقل شولوف عن مراقب، قوله: “هذه الإصلاحات عبارة عن جسر يصعب عبوره.. فهو بالنسبة للكثيرين في السعودية عار، وأمر مخزٍ لشعب قوي في هذه المنطقة من العالم، ويرون إن هذا مخالف لقيم المملكة والدين، حيث تفرضه السلطات بالقوة، دون احترام للقيم والمبادئ والعادات“.

يضيف المراقب: ” لا يتجرأ الناس على التعبير عن آرائهم لأنهم شاهدوا الثمن، فهناك الآن ثقافة خوف في السعودية لم تكن موجودة قبل الإصلاحات، وهذا عبارة عن اتفاق: يمكنك الحصول على حريتك مقابل أن تعقد لسانك“.

واختتم شولوف تقريره بالإشارة إلى أنه لا تزال هناك مخاوف قوية لدى المحافظين في المملكة من التآكل الثقافي والقيمي ، ويزيدها عدد المهرجانات والحفلات الموسيقية الغربية التي تنظم الآن في الرياض، ونقل عن أحد المراقبين قوله: “لو كانت هذه الفعاليات من الثقافات المحلية؛ لكانت المعارضة قليلة”. مؤكداً أنه يجب على المحافظين التعامل مع هذا الأمر بحذر.

يذكر أنه منذ صعود بن سلمان لمنصب ولي العهد منتصف 2017، وإطلاق برامجه الإصلاحية، التي تبين لاحقاً أن هدفها إخراج المجتمع السعودي من منظومته القيمية؛ زادت انتهاكات حقوق الإنسان بشكل كبير. حيث قامت السلطات السعودية باستهداف كل من ترى أنه يمثل تهديداً لسياسات ولي العهد الانفتاحية، حيث شنت حملات اعتقالات عديدة طوال الفترة الماضية، طالت علماء ودعاة بارزين ونشطاء وأكاديميين. واستهدفت أشخاصاً كانوا قد امتنعوا عن الكتابة منذ سنوات، وبعضهم كان يدعم إصلاحات بن سلمان، لكن ذلك لم يشفع لهم.

وأكدت تقارير أن  المعتقلين يواجهون أقسى أنواع العذاب النفسي والجسدي، وتوفي العديد منهم في المعتقلات، إضافة لمضايقة أهاليهم ومنعهم من السفر خارج المملكة. وتسببت هذه الإجراءت بتولد خوف كبير في الشارع السعودي من التعبير عن الرأي.