ترى المملكة العربية السعودية وولي عهدها “محمد بن سلمان” أن رئاسة المملكة لقمة مجموعة الـ 20 فرصة لإبراز قيادة البلاد وقدرتها على أن تكون لاعبا عالميا يمتلك رؤية.

لكن خطط إبهار المجتمع الدولي عبر استضافة فعاليات ضخمة يقوم فيها المسؤولون والخبراء والمحللون ورجال الدين بوضع حلول متطورة للمشاكل العالمية في وقت التنافس الجيوسياسي والمناورات من أجل نظام عالمي جديد كان لابد من تأجيلها نتيجة لوباء الفيروس التاجي وأسوأ تراجع اقتصادي عالمي منذ الحرب العالمية الثانية.

وتعني عمليات الإغلاق إلى جانب قيود السفر الجوي أن العديد من الاجتماعات التحضيرية وجلسات العصف الذهني يجب أن تكون افتراضية، لتحل محل الاستقبال اللامع والضيافة السخية التي يكون لها صدى واسع.

على سبيل المثال، كانت الرياض تأمل في أن تؤدي القمة رفيعة المستوى حول الأديان، في أكتوبر/تشرين الأول، وهي الأولى على الأراضي السعودية، إلى تصدير صورة جديدة عنها كدولة تتبنى مبادئ التسامح والتعددية وحرية الدين.

لكن يجب أن تُعقد القمة الآن عبر الإنترنت، بالرغم من أن هناك فرصة لعقد اجتماع يضم عددا قليلا من الشخصيات الدينية غير الإسلامية البارزة في السعودية نفسها.

وربما يرى “بن سلمان” الاعتراف بـ (إسرائيل) بعد إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولة اليهودية والإمارات والبحرين كطريقة لتغيير المفاهيم بشكل كبير عن المملكة في التحضير الأخير لقمة مجموعة العشرين.

ومع ذلك، أشارت المملكة حتى الآن إلى أنها تفضل التطبيع لكنها لن تفعل ذلك قبل أن تحل (إسرائيل) خلافاتها مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين.

ويبدو أن هذا قرار الملك “سلمان” وليس ولي العهد، لكن يمكن أن ينقلب الأمر إذا فاز المرشح الديمقراطي “جو بايدن” بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وفي هذه الحالة، قد ترى السعودية في الاعتراف بـ (إسرائيل) قبل قمة مجموعة الـ 20 وسيلة لتهدئة التوترات مع الإدارة القادمة.

كما تأثرت طموحات “بن سلمان” بسبب مشاكل أخرى، بعضها خارج عن إرادته والبعض الآخر من صنعه. وألقى التباطؤ الاقتصادي وهبوط أسعار النفط بظلال قاتمة على “رؤية 2030”.

وأدى عدم اليقين على جبهات متعددة، بما في ذلك نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام، المقرر عقدها قبل 3 أسابيع من قمة مجموعة العشرين، والضغط الصيني والروسي الخفي لتقليل التوترات بين السعودية وإيران، في محاولة لإعادة صياغة الهيكل الأمني ​​في الخليج، والمنافسات والصراعات الإقليمية المتعددة، إلى تعقيد تصور المملكة كنجم مشرق في الأفق الدولي.

وكذلك فعلت العديد من الخلافات التي أثارت مخاوف بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان والتزامها بسيادة القانون.

وكان من الممكن أن تمنح رئاسة السعودية لقمة عام 2020 الفرصة للمملكة وولي العهد لإبراز نفسيهما كزعماء للتغيير في منطقة يضربها عدم الاستقرار.

وفي البداية، بدا أن “بن سلمان” قد مهد الطريق مع رؤيته لعام 2030، التي تصورت تحرير اجتماعي بعيد المدى وتنويع اقتصادي، وشملت رفع الحظر عن قيادة المرأة السعودية للسيارة؛ وتخفيف الفصل بين الجنسين، وإخضاع المؤسسة الدينية المحافظة، وقصقصة أجنحة الشرطة الدينية، وإطلاق صناعة ترفيهية حديثة تعتمد على دور السينما والحفلات الموسيقية على الطراز الغربي، ونشر تفسير “معتدل” جديد عن الإسلام.

وتم تعزيز هذه الضجة من خلال احتمال طرح اكتتاب عام أولي لما يصل إلى 5% من شركة النفط السعودية “أرامكو”، وخصخصة الأصول الأخرى، بما في ذلك شركة الطيران الوطنية والمرافق، وتوفير الفرص في العديد من القطاعات الأخرى في الاقتصاد، وتحرير وتعميق الأسواق المالية.

وبدأت هذه الضجة في التلاشي في وقت مبكر نتيجة لتقييم الشركة عند 2 تريليون دولار أمريكي بسبب سياسة “بن سلمان” التي كانت ضد نصيحة وزير النفط وكبار مسؤولي أرامكو والمستشارين الأجانب.

وتضاءلت الضجة أيضا من خلال الاعتراف بالمخاطر القانونية التي ينطوي عليها الإدراج في بورصة نيويورك، بسبب المطالبات القانونية المحتملة فيما يتعلق بـ 11 سبتمبر/أيلول، ومتطلبات الشفافية في بورصة نيويورك وبورصة لندن للأوراق المالية، مما أدى إلى إصدار الملك “سلمان” قرارا بالإدراج في البورصة السعودية.

وثارت تساؤلات في أذهان المستثمرين بسبب التأجيل المتكرر للاكتتاب العام في “أرامكو” نتيجة الخلافات حول تقييم الشركة، والتساؤلات حول حوكمة الشركة التي من شأنها ضمان عدم القيام بمشاريع غير أساسية تحت ضغط الحكومة، وعدم الرغبة في إخضاع “أرامكو” لمتطلبات الشفافية وإعداد التقارير المرتبطة بالإدراج في البورصات في نيويورك أو لندن أو طوكيو.

ونتيجة لذلك، قدر الاكتتاب العام الشركة بـ 1.7 تريليون دولار أمريكي، وهو أقل بكثير من هدف ولي العهد البالغ 2 تريليون دولار أمريكي. كما تم تداول الأسهم فقط في البورصة السعودية “تداول”.

وكذلك عانت المملكة من أضرار جسيمة لسمعتها نتيجة الحرب الطاحنة في اليمن والعديد من القضايا الأخرى التي تنطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان وانتهاكات لسيادة القانون، بما في ذلك الاعتقالات لأعضاء أقوياء من عائلة “آل سعود” ومجتمع الأعمال بتهم الفساد، ما خلق تصورا حول جهود “بن سلمان” لتصفية منافسيه.

وتشمل القضايا الأخرى اعتقال المعارضين، بما في ذلك الناشطين الذين ناضلوا من أجل الإصلاحات ذاتها التي نفذها ولي العهد، وقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في اسطنبول، والتعامل بسرية مع التداعيات القضائية.

كما أن أخطاء السياسة الخارجية، مثل الحصار المفروض على قطر، والخلافات الدبلوماسية مع كندا وألمانيا، لم تساعد سمعة المملكة أيضا.

ونتيجة لذلك، شكلت رئاسة مجموعة العشرين فرصة كانت السعودية في أمس الحاجة إليها، لكنها كانت حتى الآن فرصة ضائعة، على الأقل فيما يتعلق بالغرب.

وكان إصرار ولي العهد على المضي قدما في مشاريع باهظة الثمن، بما في ذلك “نيوم”، وهي مدينة ذكية مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار أمريكي على البحر الأحمر، و”القدية”، التي توصف بأنها أكبر مدينة ترفيهية في العالم، والحملة الضخمة للسياحة الفاخرة، قد أثار تساؤلات حول أولوياته في وقت تحتاج فيه المملكة إلى التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والمالية الهيكلية والمزيد من التغييرات الاجتماعية.

وتتضخم القضايا الرئيسية التي تواجه قادة مجموعة العشرين، مثل احتواء وباء “كوفيد-19” ومعالجة آثاره، بما في ذلك فقدان الوظائف والركود الاقتصادي.

ولكن القليل من أعضاء مجموعة العشرين سيكونون قادرين على التباهي بأنهم استطاعوا حل تلك الأزمات بحلول موعد انعقاد القمة.

وانعكست المخاطر التي يواجهها “بن سلمان” في استطلاع للرأي العام السعودي. وعندما تم سؤال السعوديين عما إذا كان حظر المملكة للتظاهرات مثل تلك التي أطاحت بالقادة في جميع أنحاء العالم العربي خلال العقد الماضي أمرا جيدا، انقسم الرأي العام بالتساوي، حيث وافق 48%، ولم توافق النسبة نفسها.

وكانت السعودية تعتمد أيضا على إنهاء تفاوضي لحرب اليمن لاستعادة بعض بريق سمعتها، ولكن هذه الآمال تبددت حتى الآن بسبب المحاولات الفاشلة للاتفاق على حل يحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف. وأثار الفشل دعوات في العواصم الغربية لفرض قيود على مبيعات السلاح السعودية والإماراتية.

وعكست محاولة فاشلة من قبل صندوق الثروة السيادي في السعودية للاستحواذ على فريق الدوري الإنجليزي الممتاز “نيوكاسل يونايتد”، المستوى الخطير الذي غرقت فيه سمعة المملكة.

وتم سحب محاولة الاستحواذ بعد ضغوط هائلة على الدوري الإنجليزي الممتاز من قبل مجموعات حقوق الإنسان وغيرها لمنع عملية البيع.

وجاء أحد مصادر الضغط المهمة من شبكة تليفزيون “بي إن” المملوكة لقطر، التي تعد واحدة من أكبر محطات البث للدوري الإنجليزي الممتاز.

واتهمت الشبكة منذ أعوام الدولة السعودية بالوقوف وراء محاولة ضخمة لقرصنة برامجها. وتمت إدانة المملكة من قبل منظمة التجارة العالمية في يونيو/حزيران من هذا العام.

وقالت منظمة التجارة العالمية إن السعودية روجت بنشاط ودعمت محطة البث المقرصنة، التي تحمل اسم “بي أوت كيو”. وجاء في الحكم أن الرياض بذلك تكون قد انتهكت التزاماتها بموجب القانون الدولي بشأن حقوق الملكية الفكرية.

وكان “بن سلمان” أشبه بالمنبوذ في قمة مجموعة العشرين لعام 2018 في “بوينس آيرس”، بعد أشهر من مقتل “خاشقجي”، التي حضرها واثقا من أن آثار الحادثة قد انتهت.

واستندت ثقته إلى 5 من الزعماء، خاصة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والصيني “شي جين بينج”، ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”.

ومع بقاء نحو شهرين على قمة مجموعة العشرين، لا يزال أمام السعودية فرصة لاستغلال رئاستها لتلميع صورتها وإبراز نفسها، ليس فقط كقائد إقليمي، بل عالمي في معالجة المشكلات التي يتصارع معها العالم، مثل مواجهة “كوفيد-19” ومكافحة الانكماش الاقتصادي الناتج.

وللقيام بذلك، يتعين عليها أن تتبنى بسرعة دبلوماسية عامة واستراتيجية اتصالات تسمح لها بوضع القضايا التي شوهت صورتها بشدة وراءها وتقديم أفضل ما لديها.

وتوجد العديد من القضايا التي يمكن للسعودية معالجتها بشكل بناء من شأنه تحسين صورتها بشكل كبير، بما في ذلك إنهاء تفاوضي لحرب اليمن، والإفراج عن السجناء السياسيين، وزيادة الشفافية بشأن قضية “خاشقجي”.

لكن معالجة أي من هذه القضايا ينطوي على مخاطر سياسية كبيرة، ما يجعل من غير المحتمل أن تفعل المملكة ذلك بنجاح قبل قمة مجموعة العشرين.

وتكمن المشكلة أيضا في أنه لا توجد مؤشرات تذكر على أن “بن سلمان” قد استخلص دروس الماضي من تداعيات الإجراءات السابقة التي أضرت بصورته وصورة المملكة.

ولم تفعل الملاحقة السعودية للجناة المزعومين في مقتل “خاشقجي” الكثير لإقناع المجتمع الدولي بأن المملكة تحترم الإجراءات القانونية الواجبة وسيادة القانون.

كما أن استمرار اعتقال الناشطين والعلماء ورجال الدين ورجال الأعمال وأفراد الأسرة الحاكمة بتهم ملفقة وتعسفية في كثير من الأحيان لا يساعد المملكة.

وتبقى المخاطر بالنسبة للسعودية و”بن سلمان” كبيرة. ومن المرجح أن تؤثر الطريقة التي تتعامل بها المملكة مع المرحلة الأخيرة من رئاستها لمجموعة العشرين على علاقاتها مع القوى الغربية، بالإضافة إلى نفوذها في أي محادثات مستقبلية بشأن إعادة تنظيم الهيكل الأمني ​​في الخليج، والذي قد ينطوي على نهج أكثر تعددية، فضلا عن تخفيف التوترات مع إيران.