MBS metoo

المسألة اليمنية والمبادرة السعودية

بقلم/ محمد صالح المسفر – أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر

أعلن وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، في الرياض، الاثنين الماضي (22/3/2021) مبادرة لبلاده لإنهاء الأزمة اليمنية، تتضمّن حزمة من الإجراءات.

منها الدعوة إلى وقف إطلاق النار الشامل في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة، والسماح بدخول سفنٍ تنقل وقوداً إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية في الحساب المشترك في البنك المركزي اليمني، وفق اتفاق استوكهولم بين الحكومة والحوثيين، بإشراف الأمم المتحدة، إلى جانب فتح مطار صنعاء الدولي، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية، للتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة اليمنية.

استجابت الحكومة الشرعية للمبادرة، وساندها المجتمع الدولي، ورفضتها جماعة الحوثي جملة وتفصيلاً، لكنها لم تُغلق الأبواب في وجه أي جهودٍ تحقق أهدافها.

 

(2)

سبق إعلان المبادرة تصعيد عسكري شديد على عدة محاور، من تعز إلى صرواح، ومنها إلى مأرب وحجّة وغيرهما، وكانت الأنباء تشير إلى رجحان كفّة الحوثيين نسبياً في معظم هذه الجبهات، وخصوصاً على تخوم مأرب (جبل هيلان، جبل مراد، وصرواح، .. إلخ) وشرق تعز.

وقابل ذلك التصعيد البري تصعيد جوي من التحالف (السعودية والإمارات) ضد مواقع الحوثيين، سواء في العاصمة صنعاء أو على خطوط التماس بين القوات الشرعية وقوات الحوثيين.

في الجانب الآخر من الصورة، صعّد الحوثيون غاراتهم الجوية بطائرات مسيّرة في العمق السعودي، من راس تنورة والظهران شرقاً إلى الرياض العاصمة في وسط المملكة (أرامكو)، وإلى أبها وخميس مشيط وجيزان جنوباً، وبأعداد متزايدة من تلك الطائرات بدون طيار في كل غارة على الأراضي السعودية.

وأطلق الحوثيون، بعد ثلاثة أيام من إعلان الرياض مبادرتها، 18 طائرة مسيرة ومفخّخة، اتسعت دائرتها لتشمل راس تنورة، وقاعدة الملك عبد العزيز الجوية في الدمام (شرق).

ومن المتوقع أن تكون هذه الغارات قادمة من جنوب غرب العراق على الحدود مع السعودية، حيث توجد مليشيات تابعة لإيران ومناصرة للحوثيين، مستفيدة من المنشآت العسكرية والجوية التي كانت معدّة لمجابهة أي عدوان إسرائيلي على العراق في الماضي.

وشمل العدوان الحوثي ينبع ورابغ في غرب المملكة، وجيزان ومواقع عسكرية ومدنية في نجران وعسير جنوباً. كما أطلقت ثمانية صواريخ بالستية. وأعلنت الرياض أنها تصدّت لتلك الغارات الجوية والصاروخية.

ولا جدال في أن هذا التصعيد الحوثي يشكل حرجاً داخلياً وخارجياً للعسكرية السعودية التي تملك أحد أقوى الجيوش تمويلاً، إذ تفيد المعلومات الموثقة بأن المملكة أنفقت 48.5 مليار دولار عام 2020 على التسلح.

وتعتبر السعودية رابع أكبر ميزانية دفاعية في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا (جيبوليتيكال فيوتشر، ترجمة الخليج الجديد صحيفة إلكترونية، 19 /3/ 2021).

ويملك الجيش السعودي أسلحة متقدّمة جداً، مصدرها الولايات المتحدة وبريطانيا وآخرون، فلماذا لم تستخدم تلك الأسلحة لإلحاق الهزيمة بالحوثيين الذين تزداد قوتهم العسكرية الهجومية على السعودية والحكومة الشرعية يوماً بعد يوم.

سألني قارئ عن سبب عدم استخدام القوات السعودية قنابل انشطارية وفراغية ضد قوات الحوثيين البرّية، دفاعاً عن مأرب وحجّة والجوف وصرواح وتعز. وهذا السلاح، كما قال المتحدّث، أنجع سلاح في المناطق الوعرة، كجبال اليمن وأفغانستان.

أجبت بأن هذا النوع من السلاح قد يكون محرّماً دولياً، والسعوديون ملتزمون بذلك التحريم، وهم يخافون من الإدانة الدولية في حالة استخدامه

عقّب بأن السعودية مدانة في كل الحالات، وعليها ضغوط دولية، ولن تزيدها الإدانة أي أضرار، وهذا السلاح تستخدمه إسرائيل في غزة وجنوب لبنان، واستخدمته أميركا في أفغانستان والعراق، ومن حق السعوديين استخدامه للدفاع عن بلادهم ومناصرة حلفائهم في اليمن.

هل جاءت المبادرة السعودية في وقتها؟ باستدعاء نماذج من المبادرات التي أعلنت في حالات الحروب، وتدعو إلى وقف الصراع المسلح، غالباً ما تكون من الطرف المنتصر، كما حدث في الحروب بين العراق وإيران وانتهت عام 1988.

وكذلك الأمر في حالة الشعور بتفوق العدو، كما حدث في مبادرة روجرز (وزير خارجية الولايات المتحدة) في يونيو/ حزيران 1970، ودعت مصر وإسرائيل إلى التفاوض. وأحياناً أخرى، يحدث أن يطرح المبادرة صديق أوحى إليه صديقه المنخرط في حرب أو/ صراع مسلح بتقديم مبادرة لإنهاء الحرب.

وفي الحالة المستجدة أخيراً، هل شعرت قائدة التحالف العربي، السعودية، لنصرة الشرعية اليمنية لاستعادة العاصمة صنعاء من الحوثيين، بأنه لم تعد للحكومة اليمنية قدرة على المضي في القتال في الجبهات آنفة الذكر.

وعلى ذلك تم تقديم المبادرة موضع حديثنا. أو أن ذلك يعني أن المملكة تعلن انسحابها من التزاماتها تجاه حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي أعلنت قبول المبادرة، وبالتالي تترك الحبل على الغارب في اليمن.

 

(3)

انسحاب السعودية من تعهداتها للحكومة اليمنية المقيمة رئاستها في الرياض، قبل أن تتحقق الأهداف التي أعلنتها عام 2015، عشية إعلان “عاصفة الحزم”، لن يعود بالنفع على الدولة السعودية، وخصوصاً إذا تسيّد على اليمن بقايا “نسل الإمامة”، المتمثل في الجماعة الحوثية الراهنة.

ولا جدال في أن تنظيم الحوثي، إلى جانب أنه يعمل لاستعادة نظام الإمامة الذي قضى نحبه في اليمن عام 1962، يردّد قادته وأنصاره أنهم يريدون الثأر ممن فرّطوا بنصرة بيت حميد الدين عام 1962.

وهم في هذا يتهمون السعودية، إلى جانب أنهم يريدون الثأر من قاتلي اليمنيين الثلاثة الذين حاولوا اغتيال الملك عبد العزيز آل سعود عام 1935، في الحرم المكي، والبحث عن الهاشميين الخمسة الآخرين. إنها أحقاد ثأرية يضمرها الحوثيون للدولة السعودية، فهل يدرك السعوديون ذلك؟

أي تنازلاتٍ تقدّمها الدولة السعودية للحوثيين، وتحت أي ظروف، ومن دون أن تحقق أي نصر عسكري في ميدان المعركة الراهنة، ستفقدها هيبتها الدولية والعربية، وسيراجع حلفاؤها الذين يستظلون بظلها، ويعولون عليها حساباتهم.

ولم يأت تشدّد الحوثيين ورفضهم كل المبادرات السعودية وغيرها من فراغ. إنهم يراهنون على اختطاف مأرب من الشرعية، وهم يحاصرونها منذ أكثر من أربعين يوماً، من دون أن يتراجعوا خطوة إلى الخلف!

بمعنى أن قوات الحكومة اليمنية، وتحت مظلة قوات التحالف العربي، لم تتمكّن من تحرير مرتفعات مأرب، والتي لا يزيد امتدادها عن 30 كم تقريباً، ومنع الحوثيين من استهدافهم المدن في مأرب وصرواح والجوف، ولم يتم إنجاز فعال في تعز وما جاورها.

آخر القول: إذا لم تتمكّن السعودية وحلفاؤها من إنجاز عسكري في مأرب وصرواح وحجّة وتعز، ودحر الحوثيين، في الأيام القليلة المقبلة، ستتعاظم الضغوط الغربية والأميركية، وقد تُجبر السعودية على تقديم تنازلاتٍ للحوثيين قد لا تُحمد عقباها.

Exit mobile version