بعد سنوات من اشتهارها بلعبة النخبة وأصحاب المليارات، ثمة واقع آخر استجد على رياضة “الغولف”، عندما دخل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى هذا “العالم المخملي”، وسعى إلى السيطرة المطلقة والمفاجئة عليه.

وذكرت وسائل إعلام دولية، أن الرياض اخترقت منذ 8 يونيو/حزيران 2022، رياضة الغولف وأحدثت انشقاقات غير مسبوقة في أعرق هيئة رياضية بداخلها، واستحدثت بطولة جديدة، وجذبت كبار اللاعبين بعروض خيالية، وأنفقت على ذلك العالم مليارات الدولارات في سبيل امتلاكه.

هذا التطور الصادم، أثار كبار رواد اللعبة، الذين رأوا أن ولي العهد السعودي “يحاول غسل سمعته وتبييض وجهه” عالميا، فيما يخص حقوق الإنسان “المتدهورة” في المملكة.

 

استقطابات الأمير

في 9 يونيو 2022، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، تقريرا تحدث عن الصراع الدائر في ملاعب الغولف، وكيف “قلبت” مليارات السعودية ذلك “العالم الهادئ”.

وبعد فترة قصيرة من انطلاق دوري “إل آي في” المستحدث للغولف والمدعوم من ولي العهد السعودي، أصدرت بطولات “بي جي أيه” التاريخية والمستمرة منذ قرابة 94 عاما، والتابعة لرابطة محترفي الغولف العالمية، قرارا بحرمان 17 لاعبا من المشاركة في دوريها عقب انضمامهم للمسابقة السعودية الجديدة كليا.

وذكرت “نيويورك تايمز” أن الدوري الممول سعوديا جاء في الأساس لمنافسة بطولات “بي جي أيه”، وهي البطولة التي كانت لعقود من الزمان أهم حدث وأعلى مستوى في بطولات الغولف العالمية ومعيارها الأول.

ولفتت إلى أن “السعوديين وقعوا مع أشهر الأسماء في لعبة الغولف ليشاركوا في بطولتهم الجديدة (التي انطلقت في 9) بعد أن أغروهم بالمال”.

ويذكر أن التهديدات بإقصاء اللاعبين المشاركين في الدوري السعودي “إل آي في”، من بطولات “بي جي أيه” الاحترافية، خصوصا بالنسبة للبطلين الأميركيين، داستن جونسون، وفيل ميكلسون، لم تثمر شيئا.

واستجاب جونسون المصنف أول عالميا سابقا وحامل لقب بطولتين كبيرتين، وميكلسون العبقري الأعسر الذي يعد ثاني أكبر لاعب في السنوات العشرين الأخيرة بعد تايغر وودز، للعروض السعودية، وتجاوزا حاجزا صعبا اعتقد كثيرون أنه “لا يمكن عبوره”.

هذه القرارات الشخصية، دعت مفوض بطولات “بي جي أيه” للمحترفين، جاي موناهان، للقول في بيان إن “هؤلاء اللاعبين اتخذوا خيارهم لأسباب مالية خاصة بهم”.

وحذر موناهان، اللاعبين الآخرين الذين تغريهم العروض السعودية بأنهم سيتعرضون لنفس العقوبات، معربا عن أسفه “لكل هذا الحديث عن المال والمال والمزيد من المال”.

 

تجاهل الجرائم

المثير أن عبقري اللعبة، ميكلسون، الذي انضم للدوري السعودي، أثار الجدل بتصريحات انتقد فيها سابقا المملكة.

وفي 18 فبراير/شباط 2022، خلال حديث له مع صحيفة “تلغراف” البريطانية، قال ميكلسون إنه “مستعد للتغاضي عن سجل حقوق الإنسان في السعودية، والمشاركة في بطولة الغولف للاستفادة من أموال المملكة”.

وأضاف: “أعلم أن الحكومة السعودية قتلت (الصحفي جمال) خاشقجي ولديها سجل مروع في حقوق الإنسان، لكن السعودية منحتنا أموالا طائلة، هذه فرصة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر، وحتى إني لست مهتما بنجاح دوري الغولف السعودي”.

وشدد على أنه يلعب في دوري الغولف السعودي لـ”كسب النفوذ والمال فقط، وقد تلقى مبلغا قدره 100 مليون دولار للمشاركة”.

وفي 10 يناير/كانون الثاني 2022، ذكرت صحيفة “ديلي بيست” الأميركية، أن “ميكلسون حصل على 200 مليون دولار للانضمام للمشروع الجديد”.

لكن على جانب آخر، رفضت مجموعة من كبار اللاعبين الاستجابة إلى نداء أموال ابن سلمان، على رأسهم لاعب الغولف العالمي، روري ماكلروي، الذي حذر نجوم الغولف الشباب من اللعب في الدوري السعودي.

وخلال تصريحات صحفية في 19 فبراير 2022، قال ماكلرويإنه “ليس مستعدا لتشويه سمعته بالأموال السعودية”.

وأوضح أن “المبالغ المالية الباهظة المعروضة لن تحدث فرقا كبيرا لنخبة لاعبي الغولف في العالم”.

 

دخول مفاجئ

وعن موجة الهجوم السعودي على ملاعب الغولف، رأى موقع “الحرة” الأميركي في 10 يونيو/حزيران 2022، أن “الدخول المفاجئ يأتي ضمن نهج متعدد المستويات لتغيير صورتها النمطية كمملكة غنية ومحافظة سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي”.

وعن خطورة تلك العملية، أورد الموقع أن “السعودية تستهدف الهياكل والمنظمات التي حكمت لعبة الغولف الاحترافية لما يقرب من قرن من الزمن، وهو أمر يختلف عن شراء فريق كرة قدم أوروبي أو استضافة حدث رياضي عالمي بهدف (الغسيل الرياضي)”.

وذكر أن “الدوري الجديد الممول من السعودية، جمع 48 لاعبا منشقا أغرتهم الجوائز المالية المفرطة، والبالغة أكثر من 250 مليون دولار، ممتدة على 8 جولات في مختلف أنحاء العالم، وبصيغة فريدة على مدى ثلاثة أيام دون انقطاع”.

كما أورد الموقع أنه “من ضمن الـ48 لاعبا المنشقين 16 نجما مصنفون ضمن قائمة أفضل مئة لاعب في العالم”.

وأضاف أن “الجولة الأولى التي انطلقت في 8 يونيو/حزيران 2022، في شمال لندن، تم توزيع 25 مليون دولار، كما هو الحال للسبع جولات المقبلة، وهو رقم يمثل أكثر من ضعف كل من البطولات الأربع الكبرى”.

ولفت الموقع إلى أن “الاستثمارات من هذه النوعية تسارعت منذ عام 2015، عندما بدأ ولي العهد ابن سلمان صعوده ليصبح الحاكم الفعلي، وقاد عملية تغيير شاملة تهدف إلى فتح اقتصاد وثقافة المملكة”.

وبدأ ابن سلمان بوضع اسم السعودية في الأخبار بطرق غير مرتبطة بسجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، أو تدخلها العسكري في اليمن، أو اغتيال الصحفي خاشقجي (وتقطيعه بالمنشار) على يد فرقة اغتيالات خاصة من عملاء سعوديين في قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول عام 2018، وفق “الحرة”.

 

السر “ترامب”

استثمارات وتدخلات ابن سلمان في عالم الغولف لا تبتعد عن زعيمه المفضل، الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.

ووصفت صحيفة “ذا ديلي تلغراف” البريطانية، في 24 أبريل/نيسان 2022، العلاقة الحالية بين ابن سلمان وترامب وعائلته بـ”محور النسر”.

وأضافت أن حجم التعاون بين الطرفين وصل إلى أن ملعب “دورال” الشهير، الخاص بـ”لعبة الغولف”، التابع لترامب في ميامي، سيستضيف الدوري النهائي السعودي للعبة (غير محدد بعد)، والذي تقدر جوائزه بـ50 مليون دولار.

وبحسب الصحيفة، فإن “هذا يمثل دعما إضافيا لترامب، المعروف بولعه بهذه اللعبة الذكورية”.

وذكرت “ذا ديلي تلغراف” أنه “من المؤكد أن رؤية الشيوخ السعوديين، بينما يوزع ترامب الجوائز النقدية السخية سيكون كافيا لجعل المحترفين في لعبة الغولف يتصببون عرقا باردا (كنوع من الاستياء والاعتراض)”.

وتأتي مسارات ابن سلمان الحثيثة المدفوعة برغبة عارمة، ورهان جامح على عودة ترامب وعائلته إلى البيت الأبيض.

وفي 21 مايو/آيار 2022، ذكر موقع “إيسانشيل سبورت” الأميركي، أن ترامب أصبح في دائرة الضوء بسبب مشاركته في دوري الغولف السعودي.

ونقل عنه تصريحات تحدث فيها عن السعوديين ومواردهم المالية الضخمة، وقارنهم بأثرياء مثله وعبر عن حبهم للغولف.

وكان مما قاله ترامب: “نحن جميعا محدودون، لأننا لا نريد أن نخسر 100 مليون دولار سنويا لبقية حياتنا. حقا؟ لكن السعودية لديها جيوب غير محدودة”.