لم تعش السعودية عهدا أكثر دراماتيكية وجدلا من عهد الملك سلمان بن عبد العزيز الذي أحدث تغييرات عديدة داخل البلد المحافظ، وانتهج سياسات خارجه أثرت على علاقات السعودية دوليا وإقليميا بعدما اتسمت بالهدوء والدبلوماسية لعقود.

ويُحيي السعوديون هذه الأيام ما يسمونها “ذكرى البيعة” الرابعة للملك سلمان بعد جلوسه على العرش يوم 3 ربيع الثاني 1436 بالتقويم الهجري المتبع في السعودية، الموافق 23 يناير/كانون الثاني 2015، وذلك خلفا للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

وكان الملك سلمان -قبل ذلك- وليا للعهد أكثر من عامين ونصف ووزيرا للدفاع، كما تولى إمارة منطقة الرياض العاصمة لأكثر من خمسين عاما.

أبرز التغييرات التي نهجها الملك سلمان في عهده كانت التمهيد لنقل السلطات من جيل أبناء المؤسس الملك عبد العزيز إلى أحفاده، فقد عهِد بولاية العهد إلى الأمير محمد بن نايف وجعل ابنه الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد.

استمر ذلك نحو عامين عمل خلالهما الأمير محمد على تقويض صلاحيات ابن عمه متمترسا خلف والده، حتى صدر أمر ملكي بإعفاء ابن نايف من ولاية العهد ومن جميع مناصبه التي كانت وزارة الداخلية من أهمها.

ولا يمكن الحديث عن عهد الملك سلمان والتغييرات التي أحدثها -في ذكرى بيعته الرابعة- دون الحديث عن ابنه وولي عهده الذي يعد الحاكم الفعلي للسعودية.

تغييرات داخلية
على الصعيد الداخلي، أُطلقت ما يسمى رؤية 2030، وهي خطة شاملة تؤسس لدخول السعودية عصر ما بعد النفط ببرامج تنموية تشمل قطاعات اقتصادية واجتماعية واسعة، جاءت على أساسها كثير من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية اللاحقة.

سياسات ومشاريع عديدة عملت عليها السعودية لتنفيذ رؤيتها تلك، أهمها تطبيق ضريبة القيمة المضافة 5%، وفرض رسوم إضافية على العمالة الوافدة بهدف التقليل منها وإتاحة فرص للعمالة الوطنية.

وجاء مشروع “نيوم” ليمثل “مدينة الأحلام” للمشاريع السعودية التي تهدف من خلاله إلى جعل المنطقة الواقعة شمال غربي المملكة عاصمة تجارية واقتصادية عالمية مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. كما وضع حجر الأساس لمنتجع “القِدّية” الترفيهي الذي يستهدف تأسيس أكبر مدينة ترفيهية ثقافية رياضية على مستوى العالم بمساحة 334 كلم2، أي أكبر من “ديزني وورلد” بثلاث مرات تقريبا.

كما أعلن عن مشروع البحر الأحمر، وهو مشروع سياحي عالمي يستهدف خلق منتجعات سياحية على أكثر من خمسين جزيرة سعودية.

وكان للمرأة نصيبها الأبرز من التغييرات التي حدثت في عهد الملك سلمان وولي عهده، فقد سمح لها بقيادة السيارة للمرة الأولى في تاريخ المملكة، كما سمح لها بالمشاركة في الانتخابات البلدية ترشحا وانتخابا في ديسمبر/كانون الأول 2015. ورغم ضعف فعالية المجالس البلدية وتأثيرها، فإنها تعد خطوة رمزية مهمة في تخفيف القيود عليهن.

كما شهدت المملكة -التي تعد من أكثر البلدان الإسلامية محافظة- فتح دور السينما في جميع المدن والسماح للعوائل بحضور مباريات كرة القدم والحفلات الوطنية والغنائية كما لم يكن من قبل، في الوقت الذي قلّصت فيه صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعد الرقيب والشرطي الديني على الأعمال المخالفة للشريعة بحسب وجهة النظر السعودية.

الملف الحقوقي
حقوقيا، اعتقلت السلطات السعودية يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قرابة 49 شخصية بارزة في السعودية، بينهم أمراء ووزراء حاليون وسابقون ورجال أعمال بتهم تتعلق بالفساد، في حين رآها البعض خطوة للتخلص من أي تهديد محتمل من قبل أطراف سياسية، ربما تعارض تولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان السلطة.

وإلى جانب الأمراء والوزراء، شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات بدأت منذ مطلع سبتمبر/أيلول 2017 شملت مئات من الدعاة والأكاديميين والاقتصاديين والكتاب وغيرهم. ولم توضح السلطات مصائرهم أو توجه لهم تهما علنية حتى الآن. كما اعتقلت عشرات من نشطاء وناشطات حقوق الإنسان.

على الصعيد الخارجي، خاضت السعودية في مارس/آذار 2015 حربا في اليمن على رأس تحالف عربي ضد انقلاب مليشيات الحوثيين على الحكومة الشرعية، لكن السعودية تعيش على وقع ضغوط دولية تلاحقها بسبب ما أسفرت عنه تلك الحرب من ضحايا ومجاعة وأمراض خطيرة.

ولم تسلم السعودية ذاتها من تأثير الحرب عليها داخليا، فقد تعاظمت خسائرها في الحد الجنوبي، حيث يشن الحوثيون هجمات مستمرة توقفت معها معظم الشركات الصناعية والتجارية في المنطقة الجنوبية. كما دفعت المواجهات إلى إخلاء نحو 10 قرى ونقل أكثر من 7000 شخص من مناطق حدودية وإغلاق أكثر من 500 مدرسة، بما يعنيه ذلك من خسائر كبيرة.

وكانت صحيفة واشنطن بوست قدرت الخسائر البشرية للمملكة في المناطق الجنوبية بنحو 2500 جندي، و60 ضابط صف ومن الرتب العليا. وأشارت إلى أنه تم تدمير نحو 650 دبابة سعودية في مناطق نجران وجازان وعسير، ومئات العربات الأخرى.

وتمثل المعارك في هذه المحافظات الحدودية نزيفا حقيقيا للجيش السعودي، وترفع تكلفة الحرب على اليمن بمئات ملايين الدولارات، إضافة إلى أن الخسائر البشرية الكبيرة فيها تحرج بشكل كبير ولي العهد محمد بن سلمان، باعتبار اليمن “حربه الخاصة” التي بدأها عندما تسلم منصبه وزيرا للدفاع.

أزمات دبلوماسية
في أربع سنوات من عهد الملك سلمان وولي عهده، دخلت المملكة في أزمات إقليمية ودولية لم تدخلها -ربما- في سنواتها الماضية كلها، ففي مارس/آذار 2015 استدعت الرياض سفيرها في ستوكهولم بسبب انتقادات وجهتها وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم لسجل السعودية في مجال حقوق الإنسان، وخصت بالذكر منها القيود المفروضة على النساء ووصف حكم القضاء السعودي بجلد المدون المعارض رائف بدوي بأنه من “أساليب القرون الوسطى”.

خليجيا، بدأت السعودية ومعها الإمارات والبحرين ومصر أزمة مع قطر قبل عام ونصف عندما أطلقت فضائيات ومواقع إماراتية وسعودية هجوما على الدوحة متهمة إياها بدعم تنظيمات متطرفة في المنطقة، على إثر ذلك قطعت الدول الأربع علاقاتها مع قطر يوم 5 يونيو/حزيران 2017، وشنت حملة حصار عليها لا تزال مستمرة، في الوقت الذي تنفي فيه قطر دعم أي تنظيم متطرف.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، استدعت السعودية سفيرها في برلين، عندما انتقد وزير الخارجية الألماني آنذاك زيغمار غابرييل سياسة الرياض الخارجية تجاه لبنان واليمن. وبعدها سحبت السلطات السعودية سفيرها لدى ألمانيا.

وفي الشهر ذاته، قدم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته بشكل مفاجئ من الرياض، وبقي لأسبوعين بها في ظروف غامضة قامت على إثرها السلطات اللبنانية بحملة دبلوماسية للمطالبة بعودته بعدما اعتبره الرئيس ميشال عون “محتجزا” رغم إرادته في المملكة. ونفت الرياض ذلك وتوترت إثر ذلك العلاقة بين الطرفين. وتراجع رئيس الوزراء اللبناني عن استقالته فور عودته إلى بيروت، دون أن يكشف عن ظروف استقالته.

من أبرز الأزمات الدبلوماسية السعودية أزمتها مع كندا التي بدأت في أغسطس/آب الماضي إثر انتقادات وجهتها السفارة الكندية للمملكة بشأن حقوق الإنسان، وذلك على خلفية اعتقال نشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، وهو ما اعتبرته السعودية تدخلا في شؤونها الداخلية فاتخذت قرارات تصعيدية تجاه كندا.

آخر وأكبر الأزمات التي دخلت فيها السعودية كانت بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. واعترفت الحكومة السعودية بضلوعها في قتله بعد أسابيع من النفي ومحاولة إخفاء الحقيقة، في ظل إشارة كثير من التسريبات الإعلامية إلى ضلوع ولي العهد السعودي في الجريمة.

ورغم الاعتراف بالجريمة فإن السعودية تواجه تداعياتها والأزمات الأخرى خاصة على المستوى الدولي، بعد أن بذلت أموالا طائلة وجهودا حثيثة لتلميع صورة عهدها وإصلاحاتها الجديدة.