تواصل المملكة العربية السعودية طريقها نحو مزيد من الانفتاح، متجاهلة العادات والتقاليد والقوانين السابقة، في سياق ما يسمى بـ”إصلاحات ولي العهد محمد بن سلمان”.

وكانت السعودية تعد من بين أشد الدول محافظة بشأن ملابس النساء، ولكن مع رؤية ولي العهد السعودي، واستمرار الفعاليات التي تقوم بها هيئة الترفيه التي يقودها تركي آل الشيخ، ظهرت مشاهد صادمة وغير متوقعة للتعري والرقص والغناء في البلاد المحافظة طيلة العقود الماضية.

ولم يتوقف الانفتاح عند هذا الحد، بل وصل إلى التعامل بعنصرية مع المنقبات على غرار ما تقوم به دول غربية؛ من خلال منع هيئة الترفيه بالمملكة ارتداء النقاب في “موسم الرياض”، الذي تقام فعالياته في أكتوبر ونوفمبر الجاري.

 

فضيحة منع النقاب

في فيديو نشر عبر “تويتر”، أعلنت شركة مساهمة في “موسم الرياض” انسحابها من التعاون مع المسؤولين عن الموسم؛ بسبب “العنصرية بمنع المنقبات”.

وقالت سما الحارثي، المديرة العامة لإحدى الشركات المساهمة في موسم الرياض، إنها سحبت شركتها من التعاون مع شركة “سلا” الرياضية السعودية المسؤولة عن الموسم؛ بعدما شهدت تعامل إدارة الموسم العنصري مع المنتقبات.

وترى سما أن إدارة الموسم أساءت للسعودية أمام أنظار العالم، وأن الإدارة غير مضبوطة.

وأكدت أن الشركة المنظمة للموسم طلبت منها عدم دخول المنتقبات أرض الميدان، وأن الفتيات المنظمات سيرتدين زياً رسمياً عصرياً، ومن غير المسموح لهن ارتداء العبايات، التي تراها سما أكثر احتشاماً.

وأبدت الحارثي أسفها “لكل المواقف التي مرت بها المنتقبات والمتمسكات بعباءتهن”، وأكدت أنه يجري “أخذ الحق من الشركة برد اعتبار للفتيات أو فتح تحقيق”.

 

منع الدخول

حديث الناشطة سما الحارثي جاء رداً على نشر مريم الحازمي (وهي إحدى منظمات موسم الرياض) بثاً حياً من داخل الميدان لتبلغ عن اتصال الشركة المنظمة بها للتعاون معهم.

وقالت الحارثي إنها بعدما حضرت للعمل واجهت مريم بعض المواقف من شخصيات ترفض وجود المنقبات بقصد مضايقتهن، حسب قولها.

وأشارت مريم إلى أن بعض الشخصيات رفضت وجودها بسبب أنها منقبة، مثل مدير منطقة المطاعم الذي رفض مقابلتها، ومنعها من العمل تماماً لأنها ترتدي النقاب، ويريد منها خلعه، وهو ما وصفته مريم بأنه استعراض لها كأنثى.

وعبر حسابه على “تويتر” نشر آل الشيخ فيديو ريم، ووعد بفتح تحقيق في الموضوع، لكن ترددت الشكوك حول وعده، خاصة مع نشر بعض النشطاء استمارة التقديم على العمل بالموسم، وكان من بين الأسئلة سؤال حول إذا كانت الفتاة منتقبة أو ترتدي العباءة السوداء.

 

تكرار الحادثة..ووعود آل الشيخ لم تنفذ

ونشرت مريم مقطعاً آخر عقب وعد آل الشيخ، في اليوم التالي، من أمام منطقة الأمن، وقالت: “للأسف اليوم منعونا من الدخول بعد الموقف اللي صار، وخدوا منا البادجات، وقالوا ممنوع ندخل الموسم من اليوم”.

ووجهت مريم عدة أسئلة عمن يمكنه إنصاف الفتيات المنتقبات والتحقيق لإعادة حقوق ثلاثة أرباع الفتيات العاملات في الموسم والممنوعات من الدخول، حسبما قالته.

ولفتت السيدة التي تعمل كصحفية إلى أنها عملت في المجال التطوعي لسنوات دون الانتقاص من حجابها قبل موسم الرياض 2019.

 

ردود غاضبة

وأثار اضطهاد المنتقبات غضب السعوديين؛ ولكنه جاء ضمن سلسلة مضايقات خرجت عليهم من مظاهر موسم الرياض، ومنها “مهرجان الرعب”.

المخرج السعودي علي داوُد حداد وصف في تغريدة له منع المنقبات من دخول موسم الرياض وتنظيمه بالإجحاف الكبير.

أرجع أحد المغردين الأسباب إلى وجود مستثمر أجنبي يستغل الفتيات لأغراض التسويق، واصفاً الأمر بغير المستغرب.

المغرد سعود المحياني قال إن الانتقادات التي كانت توجه إلى الدول التي تتعرض فيها المنقبات للتمييز أصبحت اليوم في السعودية، داعياً لمحاسبة المسؤولين عن ذلك.

وكانت المملكة قد أسست، في 7 مايو 2016، الهيئة العامة للترفيه، كإحدى المبادرات المنبثقة من رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي يقودها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

 

انفتاح مزعوم

وشهدت المملكة في السنوات الأخيرة سلسلة قرارات بالتخلي عن عدد من القوانين والأعراف الرسمية التي اعتمدتها البلاد على مدار عقود، أبرزها السماح للنساء بقيادة السيارة، ودخولهن ملاعب كرة القدم.

ومع سعي المملكة المحافظة إلى تقديم صورة أكثر انفتاحاً، آثرت سيدات الأعمال وخبيرات الاقتصاد الأجنبيات، اللواتي قدمن إلى الرياض للمشاركة في مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار”، أواخر أكتوبر المنصرم، ارتداء عباءات مفتوحة بعيداً عن العباءة السوداء التقليدية.

ونقلت وكالة “فرانس برس” عن كلير زهينغ، التي تمثل شركة صينية متخصصة في “الطاقة المتجددة”، قولها: “أنا أرتدي عباءة مفتوحة اليوم، وأعتقد أنها ترمز إلى السعودية التي تتقبل الانفتاح”.

وتقول الوكالة إن المرأة الشابة تسير في أروقة فندق “ريتز كارلتون” الفخم في الرياض وهي مرتدية سترة قصيرة أرجوانية اللون، وتقول وهي مبتسمة إنها تشعر براحة أكبر هذا العام في المملكة حيث “لم تعد العباءة إلزامية”.

وبحسب زهينغ: “التزمت أكثر العام الماضي (بارتداء العباءة). في السابق كانوا يقومون بتذكيرك بلطف، إن كنت ترتدين عباءة ملونة وغير مغلقة، فإن عليك الالتزام (بقواعد اللباس). ولكن ليس هذه المرة”.

وخففت المملكة من قواعد اللباس للنساء الأجنبيات، على أن تسمح لهنّ بالتنقّل من دون ارتداء العباءة، بعد أن فتحت أبوابها أمام السياح، في أغسطس الماضي.

لكن هذا الانفتاح وصفته منظمة “هيومن رايتس ووتش” بـ”المزعوم”؛ لكونه يترافق مع حملة قمع غير مسبوقة في تاريخ المملكة.

وأصدرت المنظمة الدولية، الاثنين 4 نوفمبر 2019، تقريراً بعنوان “الثمن الفادح للتغيير”، يتحدث عن مساوئ تولي بن سلمان منصب ولي العهد، وما يسميها بـ”الإصلاحات لصالح المرأة والشباب”، والتي رأت أنه منذ تعيينه “زادت الانتهاكات، في حين لا تزال سلطة القانون ضعيفة وقد تتقوّض متى شاءت القيادة السياسية في المملكة”.

وقالت المنظمة الدولية ومقرها واشنطن، إنها وثقت شهادات وأرقاماً تتحدث عن “تشديد القمع في عهد محمد بن سلمان، يشوّه الإصلاحات التي يزعمها”، مشيرة إلى ما وصفته بـ”الغياب التام لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات المستمرة منذ تولي بن سلمان منصب ولي العهد، منتصف 2017”.

وتحدث التقرير عن محاولة بن سلمان التخفي وراء ما أسمته بـ”المظاهر البرّاقة المستجدة والتقدم الذي أحرزه لنساء المملكة وشبابها”، لكنها رأت أنه “يقبع خلف حقيقة مُظلمة، مع سعي سلطاته إلى إزاحة أي شخص في المملكة يجرؤ على الوقوف في طريق صعود محمد بن سلمان السياسي”.

وتحدثت المنظمة عن إعادة السلطات بالمملكة، في صيف 2017، في الفترة التي شهدت تعيينه ولياً للعهد، تنظيم أجهزة النيابة العامة والأمن السعودية أدوات القمع الأساسية في المملكة، ووضعتها تحت إشراف الديوان الملكي مباشرة.