قرار مفاجئ أعلنه صندوق الثروة السيادي النرويجي، الأضخم في العالم، الإثنين (2 مارس/آذار)، بسحب نحو ثلثي استثماراته من سوق المال السعودية، ليهبط إجمالي تلك الاستثمارات إلى 420 مليون دولار بنهاية عام 2019، مقارنة بأكثر من مليار دولار (1.040 مليار دولار) في عام 2018، طبقا لبيانات “البنك النرويجي لإدارة الاستثمار”، الذي يدير الصندوق.

وتعود مفاجأة القرار إلى أرقام أرباح الصندوق، البالغ حجمه 1.1 تريليون دولار، من الاستثمار بالسعودية والمنطقة، والتي بلغت خلال عام 2019 نحو 1.69 تريليون كرونة نرويجية (180.49 مليار دولار) بنسبة زيادة بلغت 19.9% وهي أكبر زيادة في القيمة لعام واحد في تاريخ الصندوق، وثاني أكبر زيادة من حيث النسبة.

وبحسب نتائج الأعمال المنشورة على موقع البنك المركزي في النرويج “نورجس بنك”، فإن عام 2019 كان جيداً للغاية بالنسبة للصندوق السيادي، حيث ارتفعت قيمته السوقية بنحو 1.83 تريليون كرونة نرويجية ليصل إلى 10.088 تريليون كرونة بنهاية العام الماضي، ما يعني أن قراره بشأن سوق السعودية المالية لا يستند إلى أبعاد اقتصادية.

وبإضافة امتلاك الصندوق لمحفظة مالية بقيمة 1.148 تريليون دولار، واستثماره في 9202 شركة بـ74 بلدا حول العالم، وامتلاكه حصصا في شركات عالمية كبرى مثل أبل ونستله ومايكروسوفت وسامسونج، يمكن استنتاج مدى رمزية انسحاب الصندوق الضخم من الاقتصاد السعودي، وإذا ما كان هذا الانسحاب له دوافع سياسية.

وبدأ الخلاف بين المملكة وبين صندوق الثروة النرويجي الضخم مع الطرح العام الأولي لشركة النفط السعودية العملاقة (أرامكو)، حيث امتنع صندوق الثروة النرويجي عن المشاركة في الطرح المالي الذي وقع نهاية عام 2019، على خلفية الجدل السياسي المثار حول الشركة وعلاقتها بالأسرة المالكة بالسعودية والانتقادات الحقوقية المتصاعدة ضد الرياض.

انتهاكات ممنهجة

في هذا السياق، ربطت صحيفة “E24” النرويجية بين قرار الصندوق السيادي بتقليص استثماراته في السعودية وبين تزايد الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان في المملكة.

وفي الإطار ذاته، علق تعليق الرئيس التنفيذي للصندوق “ينفا سلنجستاد” على اكتتاب أرامكو، قائلا: “المملكة العربية السعودية ليست ملتزمة بمعاييرنا”.

وفي ضوء هذا المعيار نفسه، يمكن قراءة خفض الصندوق النرويجي لاستثماراته في البحرين أيضا من 60 مليون دولار في عام 2018 إلى 40 مليون دولار في عام 2019، مقابل ارتفاع استحواذاته في أسواق أخرى بالمنطقة، بينها قطر (من 40 مليون دولار إلى 80 مليون دولار)، والكويت (من 150 مليون دولار إلى 490 مليون دولار).

وفي تعليقها على الأمر، ثمنت المتحدثة باسم منظمة العفو الدولية “إينا تين” القرار النرويجي، قائلة: “يبدو أن السلطات النرويجية أدركت إشكالية السوق السعودي، بسبب الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان، والافتقار إلى حرية التعبير”.

ولطالما انتقدت المنظمة الدولية الحكومة النرويجية، العام الماضي، على أثر زيادة استثمارات الصندوق السيادي في السعودية خلال عام 2018.

الأثر الاقتصادي

وتعد هذه الخطوة مؤشرا قويا على تصاعد تأثير انتهاكات حقوق الانسان في السعودية وتأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية داخل المملكة، إذ قد يكون سحب الاستثمارات النرويجية بداية لخطوات أوروبية مماثلة، خاصة في ظل استمرار حرب اليمن والانتهاكات المستمرة بحق المعارضين داخل السعودية.

في هذا السياق، أكدت صحيفة “لوموند أوردت” خطورة هذه الخطوة على مصير خطة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” لتنويع الاقتصاد السعودي، والمعروفة بـ “رؤية المملكة 2030”.

وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أن “بن سلمان” يقدم النرويج في رؤيته كأفضل مستقبل اقتصادي يمكن أن يتحقق بالنسبة للسعودية، تماما كما يرى المؤرخ السياسي “فرانسيس فوكوياما” في الدنمارك أفضل مستقبل سياسي ديمقراطي يمكن الوصول إليه.

ومع انسحاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية من المملكة، من المرجح أن تواجه المملكة تحديات أكبر لزيادة معدلات نمو الناتج المحلي غير النفطي في البلاد.

ويرى معهد ماكينزي العالمي أن المملكة بحاجة ماسة لاستثمارات أجنبية بقيمة 4 تريليونات دولار لإنجاح أجندة التنويع الاقتصادي في المملكة، وفي المقابل تصل تكاليف مبادرات برنامج التحول الوطني، في إطار رؤية “بن سلمان” الاقتصادية”، إلى نحو 119 مليار دولار فقط خلال 5 أعوام، مع توقع أن تتحمل الحكومة غالبية الإنفاق.

ونتيجة لذلك كله، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد السعودي بنسبة لا تزيد على 1.9% في عام 2020، تراجعا عن توقعاته السابقة التي قدرت نسبة النمو عند 2.2%.