أثار استهداف الحوثيين لموقعين يتبعان لشركة “أرامكو” شرقي السعودية، وتسببه بتعطيل ما يزيد على 50٪ من إنتاج عملاق النفط السعودي، عاصفة من التساؤلات حول فشل المملكة في حماية منشآتها الحساسة على الرغم من نفقاتها الباهظة على مشتريات الأسلحة والتي تصاعدت في السنوات الأخيرة.

وأعلنت جماعة الحوثيين استهداف حقلي نفط بقيق وخريص في المنطقة الشرقية للمملكة، فجر السبت الماضي، بـ 10 طائرات مسيرة، ما تسبب باندلاع 7 حرائق ضخمة ألحقت أضراراً هائلة بالمنشأتين وعطلت الإنتاج فيهما.

وتقع بقيق على بعد نحو 75 كم جنوب مدينة الدمام في المنطقة الشرقية؛ وتُعد من المدن الهامة بالمنطقة، لوجود الموقع الرئيسي لأعمال شركة “أرامكو”، وتضمّ أحد أكبر معامل تكرير النفط في العالم.

توقف نصف الإنتاج

وبحسب تصريحات صحفية لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، فإن الاستهداف نتج عنه توقف إنتاج 5.7 ملايين برميل من الزيت الخام، ونحو ملياري قدم مكعب من الغاز، ونحو 1.3 مليار قدم من الغاز الجاف، و500 مليون قدم من غاز الإيثان، ونصف مليون برميل من سوائل الغاز.

وذكر الوزير السعودي أن الانقطاع يمثل نصف إنتاج المملكة من الزيت الخام، ونحو 6% من الإنتاج العالمي للنفط.

ومساء الثلاثاء الماضي، أعلن وزير الطاقة السعودي أن إنتاج المملكة من النفط سيعود إلى مستوياته الطبيعية خلال أسبوعين، بعدما نجحت الرياض في استعادة نصف كمية الإنتاج التي خسرتها إثر الهجمات على شركة أرامكو.

وأشار إلى أنه تم استعادة نصف الإنتاج المتعطل بعد ثلاثة أيام من الهجمات، أي ما يعادل 2.85 مليون برميل.

وتلقت المملكة من جراء هذا الهجوم خسائر مادية هائلة هزت اقتصادها الذي واجه الكثير من العثرات خلال السنوات الأخيرة.

ولم تعلن المملكة حجم الخسائر المادية المباشرة للحرائق وتكلفة إخمادها، لكن خسائر تعطل نصف إنتاجها من النفط الخام يمكن تقديرها باحتساب ثمن فاقد الإنتاج.

خسائر فادحة

وفي الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت الهجوم بلغ إجمالي فاقد الإنتاج من النفط 17.1 مليون برميل؛ وهو ما تبلغ تكلفته نحو 4 مليارات و168 مليون ريال (مليار و111 مليون دولار أمريكي)، عند احتساب متوسط سعر برميل النفط الخام بـ 65 دولاراً، حيث تراوحت أسعاره خلال هذه الفترة ما بين 69 و63 دولاراً.

وستصل قيمة الخسائر منذ الأربعاء الماضي حتى نهاية الشهر الجاري، حيث تم استعادة نصف الإنتاج المعطل، إلى 8.25 مليارات ريال (2.2 مليار دولار)، عند احتساب متوسط سعر برميل النفط الخام عند 60 دولاراً.

وإضافة إلى الإنتاج المفقود فقد تسبب الهجوم بهبوط حاد في البورصة السعودية، حيث انخفض مؤشر الأسهم السعودي بنسبة 3% في اليوم التالي (الأحد) للهجوم على منشأتي شركة أرامكو، أي ما يعادل نحو 15 مليار دولار.

كما عاد مؤشر البورصة السعودية للهبوط بنسبة 0.7% يوم الثلاثاء، بعد ارتفاع طفيف، الاثنين، بنسبة 1%، ليفقد نحو 3.64 مليارات دولار.

ولا تقتصر الخسائر على ذلك، فقد كشفت شركة “الراجحي” المالية (مقرها الرياض)، في تقرير لها، التأثير المتوقع للهجوم على شركة “أرامكو”.

وذكرت، في التقرير الذي نشرته يوم الاثنين الماضي، أن نقص إمدادات بعض المواد الخام لدى شركات البتروكيماويات السعودية عقب الهجمات الإرهابية سيكون له أثر على المدى القريب على شركات البتروكيماويات السعودية.

وتوقعت أن تعمل شركات البتروكيماويات بمعدلات إنتاج منخفضة خلال الأيام المقبلة، وهو ما سيؤثر على مستوى الإنتاج بنسبة 5% خلال الربع الثالث من العام الحالي.

وتوقع التقرير أن تتأثر أرباح شركة “سابك” خلال الربع الثالث بقيمة 235 مليون ريال (62.64 مليون دولار)، لتصل أرباحها إلى 2.058 مليار ريال (نحو 548.54 مليون دولار)، فيما تنخفض أرباح سافكو بنحو 30 مليون ريال (قرابة 8 ملايين دولار) إلى 411 مليون ريال (نحو 109.55 ملايين دولار).

وكذلك توقع التقرير أن تتأثر بيانات “التصنيع” بمبلغ 20 مليون ريال (ما يعادل 5.33 ملايين دولار) لتحقق خسائر كلية بقيمة 40 مليون ريال (10.66 ملايين دولار) نهاية الربع الثالث 2019، فيما تنخفض أرباح “ينساب” 30 مليون ريال (8 ملايين دولار) إلى 295 مليون ريال (78.63 مليون دولار).

وستتأثر “كيان” بقيمة 34 مليون ريال (9.06 ملايين دولار) لتحقق خسائر بقيمة 168 مليون ريال (44.78 مليون دولار) بنفس الربع، وتنخفض أرباح “المتقدمة” بقيمة 20 مليون ريال (5.33 ملايين دولار) لتصل إلى 175 مليون ريال (46.64 مليون دولار).

ليس الهجوم الأول

وهجوم السبت الماضي ليس الأول الذي تتعرض له منشآت نفط سعودية؛ ففي مايو الماضي أعلنت السعودية على لسان وزير الطاقة، خالد الفالح، عن استهداف “محدود” لمحطتي ضخ تابعتين لشركة أرامكو في منطقة الرياض.

وقالت الشركة العملاقة، آنذاك، إنها أوقفت ضخ النفط في خط الأنابيب بشكل احترازي بسبب الأضرار التي خلّفها الاستهداف الذي أعلنت مليشيا الحوثيين مسؤوليتها عنه.

وتسبب هذا الاستهداف في انخفاض المؤشر الرئيس للأسهم السعودية بنسبة 2%، وبلغت خسائرها خلال أقل من 72 ساعة قرابة 31 مليار دولار.

وفي ذلك الوقت ارتفعت أسعار النفط الخام العالمية بعد إعلان السعودية عن الهجوم، فصعدت عقود النفط الآجلة بنحو 1.45% بالنسبة لخام برنت إلى 71.26 دولاراً للبرميل.

وسبق هذا الهجوم بأيام قليلة تعرُّض ناقلتي نفط سعوديتين لـ “هجوم تخريبي” وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي قرب المياه الإقليمية للإمارات.

أين مشتريات الأسلحة؟

ولا يمكن تجاوز هذه الهجمات التي كادت تنسف اقتصاد السعودية بسهولة، فمملكة النفط تنفق ثروة هائلة على صفقات التسلح سنوياً، لكنها لم تتمكن من حماية منشآتها الحساسة وإيقاف هجمات الحوثيين بعد نحو 5 أعوام من شن حرب شرسة عليها.

وأصدرت مؤسّسة “استوكهولم” الدّوليّة لأبحاث السلام في السويد تقريراً، في مارس الماضي، عن التسلّح في الشرق الأوسط، خلص إلى أنّ مبيعات الأسلحة إلى المنطقة ارتفعت بنسبة 87% خلال السنوات الخمس الماضية، وأنّها باتت تمثّل ثلث التجارة العالمية.

وجاء في التقرير أنّ المملكة العربيّة السعوديّة أضحت أكبر مستوردي الأسلحة في العالم بأسره بين العامين 2014 و2018.

وذكر أن مشتريات السلاح في المملكة ارتفعت في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 192%، متفوّقةً على الهند كأحد أكبر المستوردين التقليديّين للسلاح.

كما أنّ الطلب السعودي على المعدّات العسكريّة فاق ما استوردته دول الاتّحاد الأوروبي مجتمعة بالعام 2015.

ونقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن بيتر وايزمان، الباحث في مؤسسة “استوكهولم”، قوله إنّ الولايات المتّحدة والدّول الأوربيّة باعت الطّائرات والعربات العسكريّة إلى السعودية لاستخدامها في حربها في اليمن.

ورصدت الميزانية السعودية لعام 2019 مخصصات للإنفاق العسكري بقيمة 191 مليار ريال (50.9 مليار دولار)، ليحل هذا الإنفاق في المرتبة الثانية من حيث قيمة المخصصات بعد التعليم الذي حل أولاً.

تساؤلات خطيرة

الكاتب المختص في الشأن الاقتصادي مصطفى عبد السلام، يقول في تصريحات إن “نجاح الحوثيين في هجومهم الأخير على منشأتي بقيق وخريص النفطيتين يثير تساؤلات خطيرة حول عدم قدرة السعودية على حماية قطاعها النفطي الذي تمثل إيراداته نحو ثلثي الإيرادات العامة بالمملكة”.

ويضيف عبد السلام: “على الرغم من أن حكومة السعودية أنفقت 67.6 مليار دولار على شراء الأسلحة في العام الماضي 2018، حسب تقرير معهد استوكهولم للسلام الدولي في السويد، فإن هذه الترسانة الضخمة من الأسلحة والرادارات وأنظمة الإنذار المبكر لم تستطع أن تصد هجمات الحوثيين المتواصلة ضد منشآت المملكة النفطية”.

ويتابع: “كيف حلقت طائرات الحوثيين بشكل آمن داخل الأجواء السعودية ولمسافات طويلة لتضرب بكل أريحية عمق شركة أرامكو التي تعد أكبر شركة لإنتاج النفط في العالم والبيضة التي تبيض ذهباً للمملكة؟”.

ويشير إلى أن كميات الأسلحة التي تشتريها المملكة رشحتها لتكون أكبر مستورد للأسلحة بالعالم ما بين 2014 و2018، حيث زادت مشترياتها من الأسلحة بنسبة 192٪ مقارنة بالفترة من 2009-2013.

تداعيات اقتصادية

ويرى عبد السلام، في حديثه أن هذه الضربة الموجعة من قبل الحوثيين لقطاع النفط السعودي لها تأثيرات غاية بالخطورة على اقتصاد المملكة.

ويلفت إلى أن هذه التأثيرات ظهرت بشكل سريع في الانخفاض الكبير الذي حدث في البورصة السعودية يوم الأحد الماضي، مشيراً إلى أنه لولا مساندة جهات وصناديق حكومية لانهارت البورصة كما انهار إنتاج المملكة من النفط.

ويقول: “هذه الهجمات تظهر للمستثمرين المحليين والأجانب أن المملكة غير قادرة على حماية قطاعها النفطي أبرز قطاع اقتصادي فيها والرئة الأساسية لموارد النقد الأجنبي”.

ويتوقع أن تدفع هذه الهجمات الحكومة السعودية إلى السحب بشكل أسرع، سواء من الاحتياطي العام للدولة أو من احتياطي النقد الأجنبي البالغ نحو 500 مليار دولار، لتمويل احتياجات الدولة وحرب اليمن المفتوحة.

وذكر الخبير الاقتصادي أن تقلص إنتاج المملكة من النفط سيؤثر بشكل كبير على الإيرادات العامة للدولة، ومن ثم يعمق عجز الموازنة العامة البالغ 131 مليار ريال (ما يعادل 35 مليار دولار) عن العام المالي الجاري 2019.