لم يترك ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مصدراً للدخل في بلاده إلا ورفعه وفرض عليه الضرائب، وسط استنزاف مالي من جراء الحرب التي تخوضها بلاده في اليمن.

واتجه بن سلمان هذه المرة إلى ملف الحج، مستغلاً أداء مئات الآلاف من المسلمين لهذه الفريضة الدينية، فعمل على زيادة أسعار تكاليف الحج للكثير من الدول العربية بنسب تتفاوت من دولة لأخرى؛ بدعوى ارتفاع تكاليف النقل البري والإقامة بالفنادق.

ومع قرب توافد الحجاج إلى السعودية لتأدية فريضة الحج، تعالت عدة أصوات في دول عربية وإسلامية برفض الزيادة على التسعيرة من قبل السلطات السعودية عن العام الماضي.

 

حجاج المغرب العربي

وفي البرلمان المغربي احتج العشرات من النواب المغاربة بسبب الارتفاع الكبير لأسعار الحج في بلادهم هذا العام، في حين برر وزير الأوقاف الإسلامية، أحمد التوفيق، الارتفاع بوجودة زيادة في التسعيرة من قبل السلطات السعودية.

وأكد التوفيق في رده على أسئلة النواب، في جلسة الاثنين الماضي، أن أسعار الحج ارتفعت لـ3665 درهماً؛ بسبب زيادة الأسعار من قبل السلطات السعودية لهذا العام.

ويقول التوفيق: “الزيادة من السعوديين تضمنت رفع أسعار النقل، وزيادة سعر الخدمات التي تقدمها المؤسسة الأهلية لمطوفي الحجاج، وزيادة يوم من أيام التغذية، إضافة إلى ارتفاع سعر الريال السعودي، وتكلفة التطعيم الجديد”.

ويوضح وزير الأوقاف المغربي أن السلطات السعودية زادت أسعار النقل داخل أراضيها لـ1490 درهماً، وزادت سعر الخدمات التي تقدمها المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية لـ68 درهماً، وزادت التغذية بقيمة 108 دراهم، وتكلفة التطعيم لـ290 درهماً.

وجاء تساؤل النواب المغاربة وغضبهم من الارتفاع الكبير في تسعيرة الحج؛ بسبب ما تعرض له حجاج بلادهم، العام الماضي، من سوء معاملة من السلطات السعودية، حيث تعرضوا إلى إهانة، ونقص كبير في الطعام، وتأخير نقلهم إلى المشاعر، وفق مقاطع فيديو موثقة، وشكاوى رسمية.

واحتجت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية في حينها لدى “المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية”، وهي مؤسسة سعودية غير حكومية، على ما وصفته بـ”اختلالات” شهدها حج هذا العام؛ تمثلت في غياب العناية الطبية، وخدمات الطعام والسكن، لحجاج المغرب.

وإلى جانب المغرب شهدت تسعيرة الحج ارتفاعاً في تونس بقيمة 2399 ديناراً مقارنة بالسنة الماضية، وهو ما أغضب الكثير من حجاج تونس.

وأرجعت وزارة الأوقاف التونسية أسباب ارتفاع أسعار الحج لهذا العام، والتي وصلت إلى 13.896 ديناراً، إلى الزيادة والضرائب الجديدة في المطارات السعودية، وارتفاع تكلفة النقل داخل أراضي المملكة.

وانتقدت الجمعية التونسية للتفكير الإسلامي والشؤون الدينية الارتفاع الكبير في تسعيرة الحج من قبل السلطات السعودية، قائلة: “الحج هو عبادة وليس مجالاً للتجارة ولا للمزايدة ولا للمرابحة حتى يتم اتخاذه مصدراً للربح المشط غير المبرر”.

ودعت الجمعية، في بيان لها، إلى ضرورة تدخل السلطة التنفيذية لتقدير التكلفة بما لا يضر بطاقة المواطن المالية وفرائضه الدينية، ويحقق تكافؤ فرص الجميع.

ورفعت السلطات السعودية تسعيرة الخدمات المقدمة لحجاج تونس بنسبة 70% للنقل البري، أي بتأثير مالي قدره 401 دينار، وزيادة أجرة إقامة السكن بالبقاع المقدسة بما قيمته 237 ديناراً و26 مليماً.

ولم تسلم الجزائر من رفع السلطات السعودية لتكلفة الحج؛ إذ ارتفعت تسعيرة الحج للحجاج الجزائريين من 525 ألف دينار إلى 565 ألف دينار جزائري، وفق بيان للديوان الوطني للحج والعمرة.

وبينت وزارة الأوقاف الجزائرية، في بيان لها، أنها أرسلت وفداً إلى السعودية من أجل التفاوض حول الأسعار التي ارتفعت بسبب رفع تكاليف الإقامة والنقل والإيواء من قبل السلطات السعودية.

 

حجاج مصر وغزة

وشهدت تسعيرة الحج المقدمة من السلطات السعودية لحجاج مصر ارتفاعاً وصل إلى 5%، وفق هشام أمين، عضو اللجنة العليا للحج والعمرة التابعة لوزارة السياحة المصرية.

وأرجع أمين الزيادة في أسعار الحج إلى ارتفاع تكلفة الإقامة في الأراضي السعودية؛ في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ووصلت أسعار الحج السياحي لحجاج مصر 5 نجوم، بدون تذكرة الطيران، إلى 125 ألف جنيه (7.6 آلاف دولار)، بينما بلغت أسعار حج الجمعيات الأهلية التابعة لوزارة التضامن 105 ألاف جنيه (6.3 آلاف دولار)، بدون تذكرة الطيران.

ولم يسلم الحجاج الفلسطينيون والمحاصرون في قطاع غزة من استغلال السلطات السعودية لموسم الحج، إذ رفعت المملكة تسعيرة الحج لحجاج فلسطين من 2435 ديناراً أردنياً (3440 دولاراً) العام الماضي، إلى (2790) ديناراً أردنياً (3941 دولاراً).

من جانبه أكد رئيس جمعية شركات الحج والعمرة بغزة، عوض أبو مذكور، أن السلطات المصرية رفعت من نسب أجرة نقل حجاج غزة من معبر رفح إلى مطار القاهرة، وهذا تسبب بارتفاع جزء من تسعيرة الحج لهذا العام.

وأرجع أبو مذكور، في تصريح سابق لـ”الخليج أونلاين”، الارتفاع الكبير في تسعيرة الحج إلى الزيادة التي تطلبها السعودية عن كل حاج؛ بسبب الإصلاحات الجديدة التي تقوم بها في محيط صعيد عرفات ومشعر منى.

ومنذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، انتهجت المملكة سياسة تقوم على رفع الضرائب، وأسعار المنتجات المدعومة من الدولة، في وقت يعاني فيه اقتصاد المملكة من جراء حملة اعتقال رجال الأعمال والمستثمرين والتضييق عليهم، وحرب السعودية في اليمن المستمرة منذ سنوات، وتخصيص أموال طائلة لهيئة الترفيه التي تواجه انتقادات لاذعة.

وتراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى المملكة بشكل غير مسبوق؛ فبعد أن كان 737 مليار دولار في 2014، أي قبل الحرب، انخفض إلى 487 مليار، في يوليو 2017.

يضاف إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي تسارع وتيرة لجوء الحكومة إلى أسواق الدين، خلال عامي 2015 و2016.

وأعلنت وزارة المالية السعودية، في أغسطس 2017، أن الدين العام للدولة بلغ 91 مليار دولار، تضاف إليه صكوك محلية طرحتها المملكة خلال سبتمبر وأكتوبر من العام ذاته، بقيمة 9.9 مليارات دولار، وسندات دولية بقيمة 12.5 مليار دولار، ليقفز بذلك حجم الدين السعودي إلى 113.4 مليار دولار.

وقدرت مجلة التايمز البريطانية تكلفة الحرب السعودية على اليمن بنحو 200 مليون دولار يومياً، في حين قدرتها مجلة فورين بوليسي بنحو 725 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى فقط، منها الصفقات العسكرية للمملكة.