منذ أن ذهبت الاتهامات في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، منذ أكثر من عامين، نحو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولحقتها تأكيدات بوقوفه خلف الحادثة، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدافع عن بن سلمان بقوة، على الرغم من أن القوانين الأمريكية واضحة في مثل هذه الجرائم.

وحتى منتصف يوليو الماضي، جددت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامار، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو “المشتبه به الرئيسي” في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وذلك في حديث لها مع وكالة “الأناضول”.

لكن صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية فتحت نار الاتهامات مجدداً على الرئيس دونالد ترامب، مشيرة إلى أنه ينتهك القانون بدفاعه عن ولي العهد السعودي.

ذلك ما جاء في عدد الصحيفة الذي صدر، الجمعة (21 أغسطس الجاري)، مفيدة في افتتاحيتها بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاوزت الحدود القانونية مرات عديدة في مقاومة المساءلة أمام الكونغرس، خاصة فيما يتعلق بمحاكمة ترامب العام الماضي، وقضية محاسبة قتلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

خرق القانون

وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة ترامب تنتهج أسلوب المماطلة خدمة لمصلحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وذكرت في سياق حديثها عن اغتيال خاشقجي مطالبات سابقة لأغلبية من الحزبين في الكونغرس بمحاسبة بن سلمان وبقية الأشخاص المتورطين في جريمة الاغتيال، مشيرة إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلصت “بثقة متوسطة إلى عالية” إلى أن الأمر بالاغتيال صدر عن ولي العهد السعودي.

وأوضحت أنه بعد أيام من مقتل خاشقجي استند 22 عضواً بمجلس الشيوخ إلى قانون ماغنيتسكي لمطالبة البيت الأبيض بتحديد المتورطين في عملية القتل خارج نطاق القانون وتقديم تقرير للكونغرس عما إذا كانت ستتم معاقبة الجهة المتورطة بمقتل الصحفي السعودي أم لا.

وتابعت الصحيفة قائلة إن الكونغرس حدد مهلة قانونية لرد إدارة ترامب هي 8 فبراير 2019، ولكن البيت الأبيض تجاهل تلك المهلة.

وأفادت بأن عدم امتثال إدارة ترامب لطلب الكونغرس دفع لجنة مشتركة أخرى من الحزبين في الكونغرس لإرفاق تعديل على قانون تفويض الدفاع الوطني للعام الماضي، للمطالبة مجدداً بتقرير غير سري بأسماء المسؤولين السعوديين السابقين أو الحاليين المتورطين في قتل خاشقجي، ومدى علمهم المسبق بالجريمة ودورهم، مع تحديد من “أشرف أو أمر أو تلاعب بالأدلة” في عملية الاغتيال.

وأشارت إلى أنه “من المستحيل إعداد التقرير الذي طلبه الكونغرس دون ذكر اسم محمد بن سلمان، الذي يعمل الرئيس ترامب على تلبية احتياجاته منذ أن احتفلت به المملكة ببذخ في وقت مبكر من توليه الرئاسة، وعليه فقد رفضت إدارة ترامب مرة أخرى الامتثال لمطلب قانوني لا غبار عليه؛ متعللة بأن توفير التقرير المطلوب قد يعرض مصادر الاستخبارات للخطر.

ورأت واشنطن بوست أن “إحجام البيت الأبيض عن الرد على مطالب الكونغرس المتكررة بشأن التقرير العلني يؤكد استعداد ترامب لانتهاك القانون الأمريكي بدلاً من تأكيد تورط حاكم سعودي مستبد في اغتيال صحفي بارز يقيم بالولايات المتحدة”، على حد تعبير الصحيفة.

القوانين الأمريكية

أعضاء في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي اعتبروا أن “قانون ماغنيتسكي” يتيح إمكانية فرض عقوبات على الجهة المتورطة في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، حيث وجهوا رسالة للرئيس دونالد ترامب، في نوفمبر 2018، يطالبونه فيها بفتح تحقيق في مقتل خاشقجي.

يلزم قانون ماغنيتسكي الرئيس الأمريكي بفتح تحقيق بعد تلقيه طلباً من أعضاء في اللجنة؛ إذا ما كان أجنبي مسؤولاً عن جريمة قتل أو تعذيب أو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المعترف بها دولياً لممارسته حقه في حرية التعبير.

أيضاً يُلزم القانون الرئيس بإصدار تقرير خلال 120 يوماً من تلقي الرسالة يتضمن قراراً بشأن فرض عقوبات على أي شخص يعتبر مسؤولاً عن انتهاكات خطيرة مثل التعذيب والاحتجاز لمدة طويلة دون محاكمة، أو قتل شخص خارج نطاق القضاء لممارسته هذا الحق.

وصدر قانون “ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان” بموافقة الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، ووقع عليه الرئيس السابق باراك أوباما، في عام 2012.

أما في عام 2016 فقد اعتمد الكونغرس النسخة الدولية من القانون الذي يمنح الرئيس الأمريكي صلاحية فرض عقوبات على أي أجنبي متهم بانتهاك حقوق الإنسان؛ مثل القتل والتعذيب وغيرها من الانتهاكات المنصوص عليها في لائحة حقوق الإنسان الدولية.

وفي 2017، وقع الرئيس دونالد ترامب الأمر التنفيذي رقم 13818، الذي “يجمّد ممتلكات الأشخاص المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو الفساد”.

ووفقاً للخزينة الأمريكية جرت معاقبة 101 من الأفراد والكيانات بموجب الأمر التنفيذي رقم 13818.

واتخذت وزارة الخزانة الأمريكية، منذ يناير 2017، إجراءات ضدّ أكثر من 460 شخصاً وكياناً اتهموا بالتورط في أنشطة متعلّقة بإساءة حقوق الإنسان أو الفساد أو المشاركة في ذلك بشكل مباشر.

المصلحة العامة

دونالد ترامب يجد أن مصلحة بلاده في إبقاء العلاقات مع السعودية قائمة دون أن تمس بضرر، خاصة أن محمد بن سلمان، الذي تطوله الاتهامات ويسعى مشرعون لمحاسبته، هو القائد الفعلي للمملكة.

ذلك ما أوضحه ترامب منذ بداية ظهور أدلة تشير إلى علاقة بن سلمان بمقتل خاشقجي.

حيث تعهد الرئيس الأمريكي في أحد تصريحاته بأن يظل “شريكاً راسخاً” للسعودية على الرغم من قوله إنه “قد يكون من الوارد جداً” أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان لديه علم بخطة قتل الصحفي جمال خاشقجي.

وقال ترامب أيضاً إنه لن يلغي العقود العسكرية مع المملكة، واصفاً هذه الخطوة بأنها “حماقة”، مشيراً إلى أن إلغاء العقود لن يفيد سوى روسيا والصين اللتين تنافسان واشنطن في سوق الأسلحة.

وشدد قائلاً في حديث للصحفيين، في نوفمبر 2018: “الأمر بالنسبة إلي بمنتهي البساطة؛ أمريكا أولاً. لن أدمر اقتصاد العالم ولن أدمر اقتصاد بلادنا بالتصرف بحماقة مع السعودية”.

محاسبة الرئيس

مسألة عزل ترامب لمخالفته قوانين أمريكية ليست بالأمر السهل، ولا ينفذ بمجرد مطالبة نواب في الكونغرس؛ فالأمر أعقد من هذا بكثير، وهو ما يذهب إليه الكاتب السياسي محمد مسلم الحسيني.

الحسيني تطرق في مقال له في موقع “الخليج أونلاين” بعنوان “محاكمة دونالد ترامب: القواعد والمغزى والمعطيات”، مستعرضاً باختصار إمكانية ملاحقة الرئيس الأمريكي قانونياً.

وقال إن القانون الأمريكي الذي منح رئيس أمريكا حصانه أمام الدعاوى القانونية ليس هناك من صلاحية لمحاسبته في حال ارتكب مخالفات قانونية أو جنايات أو جنحاً، إلا من خلال مجلسي النواب والشيوخ.

فمن خلال المجلسين بعد تحقيقاتهما يمكن محاكمة وإدانة وعزل الرئيس من منصبه حال ثبوت ارتكابه جرائم أو مخالفات، سواء كانت قانونية أو دستورية.

واستدرك: “رغم أنه ليس كل الجرائم تعتبر سبباً لعزل الرئيس في مجلسي النواب والشيوخ، ولا كل إجراءات عزل الرئيس يجب أن يكون سببها جريمة، أي بمعنى آخر ليس كل جريمة تستوجب عزلاً، ولا كل عزل يجب أن يكون سببه جريمة، فهناك جرائم لا تستوجب العزل، وهناك تصرفات تستوجب العزل لكنها بنظر القانون ليست جرائم”.

ونظراً إلى أن الحكم في أمريكا قائم على حزب حاكم وآخر معارض، يرى الحسيني أن “الجواب يكاد يكون واضحاً أمام السائل؛ وهو أن هذه الإجراءات القانونية التي اتبعها الديمقراطيون هي تنفيذ لما تتطلبه المسؤولية المناطة بهم كحزب معارض في مراقبة سلوكيات الرئيس، والتفاعل والاحتجاج على تصرفاته المنحرفة بما يلزم”.

وختم قائلاً: “هذه سمة من سمات الديمقراطية وملزماتها؛ إذ إن سكوت الديمقراطيين يعني قبولهم وموافقتهم على الأمر الواقع، وقبولهم بمخالفات الرئيس للقانون والدستور! هذا سيكون خللاً تاريخياً يبقى يلاحق الحزب الديمقراطي الأمريكي إلى أجل غير مسمّى!”.