سيطرت مليشيا الحوثي الموالية لإيران على مدينة الحزم مركز محافظة الجوف شرقي اليمن، ورغم وقع الخسارة على قوات الحكومة اليمنية الشرعية، فإن عديد العوامل تشير إلى أن سقوط هذه المنطقة خسارة أكبر بالنسبة للسعودية التي تقود التحالف منذ خمس سنوات من الحرب.

وتعد محافظة الجوف، التي تبلغ مساحتها 39496.33 كيلومتر مربع، أي نحو 7.2% من إجمالي مساحة اليمن، أكبر محافظات الشمال، وتشترك بحدود طويلة مع السعودية، التي تضع هذه المحافظة نصب عينيها لكونها تحتوي على ثروة نفطية كبيرة، وسبق أن وجهت اتهامات للرياض بمنع السلطات اليمنية من التنقيب داخل هذه المحافظة منذ ثمانينيات القرن الماضي.

والسيطرة على المناطق المتاخمة للسعودية هدف حوثي استراتيجي، فمنذ أكثر من عقدين وإيران تدرب وتسلح المليشيا بعقيدة تُكن العداء للمملكة، وحتى قبيل اندلاع المعارك المستمرة في اليمن فإن الحوثيين كانوا يرفعون شعارات العداء، وعملوا على تنظيم مناورات بالسلاح الثقيل في المناطق الحدودية باتجاه صعدة.

تهديد إضافي للسعودية

وبحسب مراقبين فإن الصداع الذي سببته حدود صعدة مع السعودية وفشلت من خلاله في التصدي للخطر الحوثي، سيتضاعف مع سقوط مناطق أخرى، ولا سيما الجوف، عبر الصواريخ الباليستية والطيران المسير، ومن ثم تنفيذ عمليات بعمق أكبر داخل السعودية.

لذلك يؤكد المحلل السياسي اليمني فؤاد مسعد أن “أي توسع للحوثي على حساب مناطق الحكومة الشرعية يؤثر سلباً على الأمن القومي والإقليمي، وفي المقدمة من ذلك المملكة العربية السعودية”.

وتابع، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “وحين يكون الحديث هنا عن محافظة الجوف المحاذية للمملكة عبر شريط حدودي طويل، فإن التهديد الحوثي للأراضي والمنشآت السعودية يتضاعف، خصوصاً لأن الجوف تشغل مساحة جغرافية كبيرة وغنية بالثروات، ومن ناحية أخرى فإن المليشيا الحوثية- من دون شك- سوف تستخدمها في تهديد الأمن والاستقرار في المملكة بشكل عام والمناطق الجنوبية منها بشكل خاص، سواء بالطائرات المسيرة أو بالصواريخ، وغيرها”.

ناقوس الخطر يدق

من جهته يقول الباحث السياسي اليمني عدنان هاشم: “يفترض أن يدق سقوط الحزم ناقوس الخطر لدى السعودية؛ من توسع المعارك على حدودها، وتوغل الحوثيين باتجاه وادي حضرموت، وربما المهرة”.

وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين” يرى هاشم أن وصول الحوثيين إلى “الحزم” يعزز قوتهم ويجعلهم في مأمن من الجهة الشمالية، كما أن تلك السيطرة قد تغير مسارات الحرب اليمنية، ويعطي الحوثيين هيمنة كبيرة في أي مشاورات قادمة مرتقبة، ويدفع المملكة للتفاوض تحت شروط الحوثيين، وليس تحت شروطها كما كانت تأمل”.

ويشير الباحث اليمني إلى أن السعودية لا تعطي اهتماماً كافياً بسيطرة الحوثيين، وتلقي باللوم على الحكومة الشرعية، مع أن محور الجوف تشرف عليه الرياض.

تحولات جديدة وطامة

وأوضح هاشم أن الحرب اليمنية تشهد تحولات جديدة، “ويبدو أن الحوثيين يصنعون هذا التحول لمصلحتهم، فيما معسكر الحكومة اليمنية هش تتنازعه الخلافات ومطامع الحلفاء الإماراتيين والسعوديين.

ومنذ بداية العام 2020 حقق الحوثيون إنجازات عسكرية لافتة بالسيطرة على نهم الواقعة ضمن محافظة صنعاء، ثم مركز محافظة الجوف، وباتوا قريبين من مأرب، وهي المرة الأولى التي يتمكنون فيها من استعادة أراضٍ سيطر عليها التحالف والحكومة الشرعية.

بدوره حذر المحلل العسكري اليمني، العقيد عبد الباسط البحر، من أن “الطامة هي خسارة اليمنيين للمعركة أمام مليشيا إيران؛ إذا وقعت فلن تتوقف عند حدود الجغرافيا اليمنية بل ستتعداها لما هو أبعد (دول الإقليم)”.

تهديد المشروع الإيراني

وفي منشور له على فيسبوك يرى العقيد البحر أن “كل رؤية لما يعتمل على الساحة الوطنية والإقليمية من صراع، لا تضع هدف القضاء على المشروع الإيراني المستهدف لليمن والإقليم، هي رؤية قاصرة وخاطئة، إن لم تكن رؤية خائنة ومرتزقة مادياً وسياسياً، لأنها باختصار آنية النفع مستديمة الخسارة، ليس على اليمن فحسب بل على كل دول المنطقة والعالم” .

ودعا البحر دول الإقليم إلى “قراءة المشهد قراءة واعية بأبعاده الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، والأخذ بعين الاعتبار الأخطار التي يشكلها المشروع الإيراني على تلك الجوانب كلها، ليس على المدى القريب وإنما على المدى البعيد، والأبعد”.

واعتبر العقيد اليمني أن “المعركة وجودية تستدعي تسخير كل طاقاتنا وقدراتنا وأشقائنا وأصدقائنا في المنطقة معنا، بعيداً عن كل الحسابات الضيقة، والأجندات الخفية، أو أوهام القدرة على النجاة منفردة وتحقيق المكاسب الخاصة”، في إشارة إلى الأجندات الإماراتية والسعودية التي حرفت مسار المعركة في اليمن.