الكثير من التساؤلات أثارتها الحفاوة غير المسبوقة من مسؤولين سعوديين بحق القائم بأعمال السفارة الإيرانية بالرياض، والرعايا الإيرانيين الذين نقلهم الجانب السعودي من السودان، وذلك بعد شهر من تطبيع العلاقة بين البلدين والتي كانت منقطعة منذ عام 2016.

 

وأثيرت تساؤلات عن الرسالة التي أرادت السعودية إيصالها، وإلى أي مدى يمكن أن يتغير خطاب وسائلها الإعلامية حيال إيران وأفعال أذرعها بالمنطقة، حيث لا تزال تنتقد تدخلات الأخيرة في بلدان عربية وتغولها على قرارها السياسي.

 

“أنتم أهلنا”

في حفاوة وصفها البعض بأنه مبالغ فيها، رحّب قائد المنطقة الغربية بالسعودية اللواء الطيار أحمد الدبيس، بالقائم في أعمال السفارة الإيرانية حسن زرنكار، لحظة وصوله إلى قاعدة الملك عبد الله الجوية بجدة لاستقبال رعايا إيران (65 شخصا) بعد وصولهم من السودان الذي يدور صراع عسكري فيه.

 

وخلال مقطع فيديو بثته وسائل الإعلام الإيرانية في 30 أبريل/نيسان 2023، قال الدبيس، بعد أن أخذ زرنكار بالأحضان: “أهلا وسهلا.. الله يحييك.. الساعة المباركة لما تيجون عندنا، الله يحييكم. أنتم أهلنا، وفي مملكة الإنسانية وأصدقاء لنا.. إقامة سعيدة في بلدنا”.

 

وأضاف الدبيس، قائلا: “توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي العهد، ووزير الدفاع (محمد بن سلمان)، الاهتمام بكم وتقديم كل ما تحتاجونه، أهلا وسهلا”.

 

ومن على متن الطائرة، توجه الدبيس إلى الرعايا الإيرانيين بالقول: “هذه دولتكم إذا احتجتم أي شيء في المستقبل، أنتم على أعلى ترحيب.. إيران والسعودية ليسوا أصدقاء بل هما إخوة”.

 

وأضاف: “أي وقت سنراكم فيه إن شاء الله للحج أو العمرة أو زيارة أهلا بكم في أي مكان في المملكة العربية السعودية”.

 

وأظهر مقطع فيديو آخر بثته وسائل إعلام سعودية، توديع الرعايا الإيرانيين من المطار بالورود الحمراء.

 

من جهته، أعرب زرنكار عن شكره لحكومة المملكة على تعاونها بجلب مواطنيه من السودان، مشيدا بالتعاون السعودي الإيراني في المجال الإنساني والقنصلي بين البلدين، حسب تصريحات تلفزيونية.

 

وقال زرنكار إن “نتيجة هذا التعاون المتكامل بين وزارتي الخارجية في كلا البلدين كانت وصول المواطنين الإيرانيين العالقين في السودان، الذين بدأت رحلتهم من الخرطوم، ثم بورتسودان ووصولهم إلى جدة”.

 

وأضاف: “بالنيابة عن إيران وسفارتها في المملكة أود أن أقدم جزيل الشكر والامتنان لحكومة خادم الحرمين الشريفين ولوزير الخارجية وموظفيها في مكتب جدة، للتعاون معنا ومساعدتنا في جلب مواطنينا من السودان إلى جدة وكذلك إرسالهم من مطار جدة الدولي إلى مطار طهران”.

مكمّلات التطبيع

وبخصوص الرسالة التي أرادت السعودية إيصالها من الحفاوة المبالغ فيها للإيرانيين، رأى الباحث العراقي في الشأن الخليجي، ميثم محمد صاحب، أن “ما فعلته المملكة جزء من سياسة تطبيع العلاقة مع إيران في مارس/آذار 2023″.

 

وعن مدى تغير سياسة الإعلام السعودي حيال إيران وأذرعها بالمنطقة، قال صاحب لـ”الاستقلال” إن “تبدل نبرة الخطاب المعادي لإيران في وسائل إعلام المملكة وتحوله إلى مديح أمر وارد كونه يتحرك بتوجيه من النظام”.

 

ولفت إلى أن “وسائل الإعلام السعودية ذاتها سبق أن شيطنت دولة قطر وشنت حملات سلبية ضدها خلال الأزمة الخليجية (بدأت في 5 يونيو/ حزيران 2017)، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى طبيعتها بعد المصالحة التي حصلت في قمة العلا (يناير/كانون الثاني 2021)”.

 

وأضاف: “توقف وسائل إعلام سعودية عن مهاجمة إيران ومليشياتها بالمنطقة قد يحصل بشكل مؤقت لحين انتهاء الحاجة أو التقاطع المصلحي. ورغم ذلك فإن التوجه الجديد للنظامين في الرياض وطهران يعتمد سياسة براغماتية لا عقائدية”.

 

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، عماد الدين الجبوري، إن “الترحيب الحار الصادر من السعوديين للدبلوماسي الإيراني يأتي في سياق التقارب الذي جرى بين الطرفين (بوساطة صينية)”.

 

ورأى الجبوري المقيم في لندن خلال حديث لـ”الاستقلال” أن “هذه حسابات تخص البعد الإستراتيجي للملكة العربية السعودية في السياسة المقبلة، لأنه هناك بلورة لنظام عالمي شرقي جديد تلعب فيه الصين دورا كبيرا، وأن إيران ضمن هذا المحور”.

 

وأشار إلى أن “السعودية لها رؤية أخرى ما بين الحفاظ الإستراتيجي على علاقتها التاريخية مع الجانب الأميركي، وبين هذا النظام العالمي الجديد الآخذ بالتبلور، لذلك ما يجري جزء من التقارب مع إيران، ويدل أيضا على أن الرياض تريد استقرار المنطقة”.

 

وتابع: “علما أن إيران هي من كانت في زاوية ضيقة بالمنطقة وتعاني من العزلة الدبلوماسية والسياسية، ولاسيما من الجانب العربي لما تقوم به عمليات إرهابية عبر أذرعها المليشياوية ضمن مخططها الطائفي في المنطقة العربية”.

 

وفي 10 مارس/آذار 2023، رعت الصين اتفاقا بين إيران والسعودية يقضي باستئناف العلاقات بينهما بعد قطيعة حصلت منذ عام 2016 جراء حرق سفارة الرياض في طهران على يد محتجين إثر إعدام الأولى رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بتهمة الإرهاب.

خطوات متلاحقة

وعلى ضوء الاتفاق على استئناف العلاقة بين إيران والسعودية الذي حصل في مارس 2023، بدأت الدولتان باتخاذ العديد من الخطوات ضمن مساعي التقارب بينهما، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.

 

ولعل آخر تلك الخطوات ما كشف عنه نائب وزير الخارجية الإيراني لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية، مهدي صفري في 3 مايو 2023 من أن وفدا تجاريا سعوديا سيزور إيران قريبا لحضور معرض تجاري، حسبما نشرت وكالة “ميزان” الإيرانية.

 

ويُقام معرض إيران إكسبو 2023 في الفترة من 7 إلى 10 مايو 2023، ويركز على قدرات التصدير الإيرانية وترعاه منظمة ترويج التجارة الإيرانية ووزارة التجارة والصناعة والمناجم.

 

وقال المسؤول بوزارة الخارجية: “في الأيام القليلة المقبلة، سيصل وفد تجاري من السعودية إلى إيران برفقة نائب وزير لحضور معرض إيران إكسبو”.

 

وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، قد أعلن استعداد بلاده للاستثمار في إيران، التي تُعَدّ بأمسّ حاجة إليه في الوقت الراهن، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها.

 

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، خلال منتدى القطاع الخاص الأول لصندوق الثروة السيادي السعودي في الرياض، في 17 مارس 2023 إن الاستثمارات السعودية في إيران “يمكن أن تحدث سريعا جدا” بعد اتفاق استئناف العلاقات بين البلدين.

 

وأضاف أن هناك الكثير من الفرص للاستثمارات السعودية في إيران، وأن المملكة أيضا فيها العديد من الفرص للإيرانيين، مشيرا إلى أنه لا يرى أية عوائق طالما ستُحترَم بنود أي اتفاق.

 

ولفت الجدعان إلى أنه “من أجل التركيز على تنميتك الاقتصادية والتركيز على توفير ما يلزم للشعب في بلادك، تحتاج للاستقرار وهم (الإيرانيون) يحتاجون للأمرين”.

وعلى الصعيد السياسي، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال مؤتمر صحفي عقده العاصمة اللبنانية بيروت في 28 أبريل 2023، إنه سيتم إعادة فتح السفارتين في السعودية وإيران “في الأيام القليلة المقبلة”.

 

وأضاف عبداللهيان: “أثناء الاتصال الهاتفي الأخير بين وزيري خارجية إيران والسعودية خلال عيد الفطر السعيد (يوم 21 أبريل) اتفقنا على أن نعمل في الأيام القليلة المقبلة على إعادة افتتاح السفارتين الإيرانية والسعودية في طهران والرياض”.

 

وعلى الوتيرة ذاتها، أعلن علي رضا عنايتي، مساعد وزير الخارجية الإيراني ومدير إدارة شؤون الدول الخليجية بالوزارة، أن الرئيس إبراهيم رئيسي قبل دعوة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لزيارة الرياض، التي كان قد وجهها الأخير في 19 مارس.

 

وقال عنايتي في مقابلة مع وكالة “إرنا” الرسمية في 17 أبريل 2023 إن “الرئيس الإيراني قبل دعوة الملك السعودي لزيارة المملكة وستنفذ طبق جدول أعماله”.

 

وفي المقابل، كان رئيسي، قد وجه دعوة إلى العاهل السعودي الملك سلمان لزيارة طهران، حسبما أعلن المتحدث باسم وزارة خارجية إيران، ناصر كنعاني، في 17 أبريل 2023، لكن الرياض لم يصدر عنها أي تعليق على الموضوع حتى 4 مايو.