أرجع مركز دراسات تركي انخراط الصين في الوساطة بين السعودية وإيران لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، إلى مصالح بكين الاقتصادية، لاسيما احتياجاتها الكبيرة من النفط والغاز.

وإلى جانب الوقود الأحفوري، توقع “مركز الدراسات الإيرانية”، أنه قد يحدث تعاون أيضا في مجال الطاقة النووية بين الدول الثلاث، إضافة إلى روسيا المعروفة بتطورها في هذا القطاع بالفعل.

 

عهد جديد

وذكر المركز التركي أنه خلال المحادثات التي جرت في بكين في مارس/ آذار 2023، تقرر استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية بعد انقطاع دام 7 سنوات.

وشكَّل لجوء السعودية وإيران إلى الوساطة الصينية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية التي قطعت في عام 2016 تحدياً لدور واشنطن الإقليمي ومحاولاتها العلنية لإقناع حلفائها بالجوانب السلبية لتعميق العلاقات السياسية والاقتصادية والطاقة والعسكرية مع بكين.

فقبل الصين، عرضت روسيا الوساطة على الرياض وطهران، لكنهما فضلتا الصين، ويعد هذا الاتفاق تأكيدا مهما لنفوذ الصين المتنامي على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي بالشرق الأوسط ومنطقة أوراسيا.

فمن الواضح أن مصالح الصين الاقتصادية واحتياجاتها من الطاقة تجرها إلى صراعات في مناطق جغرافية بعيدة بشكل متزايد.

فقد قامت الصين، التي تسير على الطريق الصحيح لتصبح أكبر عميل لصادرات الطاقة في الشرق الأوسط، باستثمارات كبيرة في البنية التحتية للطاقة في المنطقة.

وقد تكون هناك نتائج ملموسة في الفترة المقبلة في البعد المتعلق بالطاقة في اتفاق استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية بوساطة الصين.

في المرحلة الأولى، يمكن لإيران أن تضمن عدم تعرض البنية التحتية النفطية في السعودية للهجوم.

لأن أحد الدوافع الرئيسة لجميع أنشطة الوساطة الصينية هذه في الشرق الأوسط هو ضمان التدفق الآمن للطاقة.

وتشير التقديرات إلى أنه قد يكون هناك تغيير في علاوة المخاطر الجيوسياسية، بسبب التوترات السياسية والهجينة بين البلدين، مما يسبّب بشكل دوري خطرا على أسواق الطاقة.

فقد أدى الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية إلى تخفيف علاوة المخاطر الجيوسياسية على أسعار النفط الخام إلى حد ما.

حيث انخفض سعر “خام برنت” من حوالي 84 دولارا للبرميل في 9 مارس إلى حوالي 81 دولارا للبرميل في 10 مارس. ثم استقر مرة أخرى في نطاق 82-83 دولارا.

ومع ذلك، انخفضت أسعار نفط برنت وخام غرب تكساس الوسيط بشكل كبير بسبب فشل البنوك في الولايات المتحدة وتوقعات حدوث ركود اقتصادي عالمي (انخفاض إلى نطاق 70-75 دولارا/ برميل).

وبالإضافة إلى الركود الاقتصادي العالمي والعمليات في الاقتصاد الصيني، ستكون العلاقات بين هذين البلدين حاسمة في تسعير النفط الخام خلال عام 2023.

ويمهد تليين العلاقات الإيرانية السعودية الطريق أمام التعاون بين أوبك ومصدري النفط غير الأعضاء في هذه المنظمة لتقييد الإنتاج الذي يستمر في الصيغة الروسية السعودية منذ عام 2016 ضمن نطاق “أوبك+”، ليستمر بطريقة مختلفة في الصيغة الثلاثية الروسية الإيرانية السعودية من الآن فصاعداً.

وفي الوقت نفسه، قد تنعكس زيادة النفوذ الصيني على الدول المتعاونة في إطار أوبك + في سوق النفط العالمية في شكل أسعار نفط أرخص.

 

أمن الطاقة

وأشار المركز التركي إلى أن البنية التحتية النفطية في السعودية، التي تعد رئة اقتصاد البلاد وسوق النفط العالمي، تتعرض للهجوم من قبل الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن منذ أواخر عام 2010.

وأدى هجوم عام 2019 على منشآت النفط الرئيسة في السعودية بالصواريخ والطائرات بدون طيار إلى تعطيل ما يقرب من نصف الطاقة الإنتاجية للنفط في البلاد و 5 بالمئة من إنتاج النفط الخام في العالم.

ومع هذا الحدث، ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة 14 بالمئة لفترة قصيرة.

وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، شن المتمردون الحوثيون في اليمن هجوماً صاروخياً على مستودع وقود تابع لشركة أرامكو السعودية في جدة.

بالإضافة إلى أنَّه في مارس 2021، هاجم الحوثيون رأس تنورة، إحدى أكبر محطات تصدير النفط في العالم، بطائرات مسيرة وصواريخ على منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو السعودية.

مع هذه الهجمات، عادت ازدياد المخاطر الجيوسياسية إلى أجندة سوق النفط، وكان رد فعل سوق النفط على توقف العرض غير عادي.

وأشار المركز إلى أنَّ الهجمات أثَّرت على السعودية وعلى البنية التحتية للطاقة في الخليج وعلى الأسواق الأوروبية والأميركية بالإضافة إلى إيذاء الصين.

وبموجب الاتفاق الذي توصلت إليه الصين في 10 مارس 2023، يمكن على الأقل وقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة في السعودية مؤقتاً.

ومع ذلك، فإن تكرار هذه الهجمات في الأشهر المقبلة سيكون مؤشرا على وجود مشكلة في تنفيذ الاتفاق المتفق عليه على أرض الواقع.

 

توازن نوعي

ووفقا للبيانات الإحصائية للإدارة العامة للجمارك الصينية لعام 2022، جاءت روسيا على قمة الدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي والفحم في 2022 إلى الصين، بواقع 85 مليار دولار.

وجاءت السعودية في المرتبة الثانية بمبلغ 66 مليار دولار، بينما احتلت إيران المرتبة 17 بمبلغ 0.6 مليار دولار، وفقا للأرقام الرسمية من الجانب الصيني.

وأشار المركز التركي إلى أن موارد الطاقة التي تستوردها الصين من السعودية أكثر أهمية لهذا البلد من تجارة الطاقة مع إيران.

ففي حين أن 10 بالمئة فقط من صادرات إيران إلى الصين هي وقود أحفوري وفقا للبيانات الرسمية، فإن هذا المعدل يمثل 85 بالمئة للمملكة العربية السعودية.

وعلى الرغم من أنَّ بيانات التجارة الخارجية الرسمية لا تعكس الواقع بشكل كامل، إلا أن معدل تنويع صادرات إيران إلى الصين أعلى من معدل السعودية.

وإذا انعكست التطورات السياسية الإقليمية بشكل إيجابي على التجارة الخارجية، فقد تستفيد القطاعات غير النفطية في إيران أكثر من  السعودية.

ولفت المركز إلى أنه يمكن أن تكون الطاقة النووية مجالا واعدا للتعاون في صيغة الصين وإيران و السعودية وروسيا، وكذلك النفط والغاز.

حيث تحتل مؤسسة “روس آتوم” الروسية مكانة رائدة في العالم وتكتسب الشركات الصينية قدرات جديدة.

وفي الفترة المقبلة، قد تحتاج الصين أيضاً إلى قضاء وقت إضافي لحل مطالبات إيران الإقليمية في مضيق هرمز، الذي له أهمية عالمية لتدفق الطاقة الاستراتيجي ضد دول مجلس التعاون الخليجي.

لذا يمثل الاتفاق، الذي تم توقيعه بوساطة نشطة من الصين، بداية مرحلة جديدة في تصميم صيغة أمنية جديدة في الشرق الأوسط وإقامة توازن جديد لأمن الطاقة.

“ويمكن للاتفاق أن يقلل من المخاطر على الشحن وإمدادات النفط في المنطقة ويسهم في نمو التجارة والاستثمار بين البلدين” يختم المركز التركي.