ما زالت أصداء صعود حركة “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان تتداعى، فمنذ سيطرة الحركة على قصر الحكم في كابول 15 أغسطس/ آب 2021، تتحسس بعض الدول مواقعها من النظام الجديد، لكن يبدو أن لدول الخليج العربي حسابات متضاربة.

لأكثر من 40 عاما عاشت أفغانستان البلد المغلق وسط قارة آسيا حروبا دامية، إثر الاحتلال السوفييتي لأراضيها عام 1979، والغزو الأميركي عام 2001، اللذين كانت مواجهتهما قاسما مشتركا من قبل “طالبان” وجماعات إسلامية أخرى.

باحثة إيطالية متخصصة في شؤون الخليج والشرق الأوسط، أكدت لمجلة “فورميكي” الإيطالية، أن الدول البترولية على الخليج العربي تراقب باهتمام كبير ما يحدث في أفغانستان، رغم بعد المسافات بينهما.

 

ترقب خليجي

الخبيرة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تشيزيا بيانكو، قالت: إن “قطر تجني ثمار علاقاتها مع طالبان، وتسعى السعودية لبناء علاقات معها، بينما تبحث الإمارات عن أطراف بديلة داخل مقبرة الإمبراطوريات”.

وقالت: إن “أبوظبي أبدت استعدادها لاستضافة مكتب سياسي لطالبان خارج أفغانستان، ولكن جرى افتتاحه بالعاصمة القطرية الدوحة 3 يناير/ كانون الثاني 2012”.

وأشارت إلى أن “هذا القرار شكل جبهة من الجبهات المتعددة للتنافس بين البلدين الخليجيين اللذين طالما راقبا، إلى جانب دول خليجية أخرى، باهتمام ما كان يحدث في كابول وما حولها”.

“فورميكي” شددت على أن “هذا الاهتمام لم يتغير الآن مع عودة سيطرة الحركة على البلاد”، معتبرة أن “الخليج جزء نشط من الأزمة أو جزء من السيطرة عليها”.

وألمحت إلى أن “الرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني، يحظى بحماية الإمارات، بعد أن فر من كابول قبيل دخول عناصر الحركة إليها، بينما بايعها شقيقه”.

من جانبه، وصل أحد أبرز زعماء الحركة عبد الغني بردار، المرشح البارز لقيادة الحكومة في كابول، إلى قندهار الأفغانية عبر طائرة تابعة للقوات الجوية الأميرية القطرية، وذلك قبل أن يتوجه إلى كابول.

الملا بردار، كان سجينا في باكستان قبل أن يطلق سراحه بناء على تعليمات من واشنطن عام 2018، لينتقل للعيش في الدوحة حيث وقع هناك اتفاقيات عدة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

مقال الباحثة الإيطالية أكد أن “دول الخليج باتت تلعب دورا رياديا في الملف على ضوء المصالح المباشرة، ونتيجة لإرادة أميركية في لعب دور أكثر نشاطا للشركاء”.

في هذا السياق، ذكرت أن البحرين أعلنت مؤخرا عن بدء مشاورات بين أعضاء “مجلس التعاون الخليجي” لتقريب وجهات النظر قدر الإمكان بشأن الأوضاع في أفغانستان.

“يرغب البحرينيون في تجنب الخلافات، خصوصا وأنهم يتولون الرئاسة الحالية لمجلس التعاون الخليجي، لكنهم مثل الكويتيين لا ينوون لعب أدوار بارزة أكثر”، وفق رأي المجلة.

عُمان، استضافت أشرف غني، في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط كابول بيد طالبان قبل أن يتوجه لاحقا إلى الإمارات، فيما قدم مفتي مسقط أحمد الخليلي تهانيه للشعب الأفغاني بانتصار الحركة.

بحسب المجلة الإيطالية، “تعد هذه الازدواجية في مواقف عُمان نموذجا للموقف المتوازن، والقائم على أساس الحوار الذي تتخذه مسقط أمام جميع الأحداث الدولية والإقليمية”.

 

مفاجأة للرياض

ترى الخبيرة الإيطالية تشينزيا بيانكو أن “سرعة استيلاء طالبان على السلطة فاجأت بعض دول الخليج، التي اعتقدت، على الرغم من الاتصالات والاهتمام المسبق، أن أمامها أشهرا لتحضير إستراتيجيات جديدة مع الحركة”.

وأوضحت أن “السعودية تسعى لفتح قنوات حوار مع طالبان خشية أن ترتبط بعلاقات محتملة مع إيران، لذلك تود أن تكون الحركة بمثابة شوكة في خاصرة طهران”.

وتعتقد بكل وضوح أن “هذه العملية صعبة للغاية؛ خصوصا وأن السعوديين كانوا يعتقدون أن لديهم الوقت الكافي لتنفيذها”.

الباحثة الإيطالية تعتقد أن “تلك المساعي تهدف إلى التواصل مع طالبان لمنعها من زعزعة الاستقرار الأمني”، إذ إن تنظيم “القاعدة” الذي يرتبط بـ”طالبان” يعتبر السعودية أحد أعدائه الرئيسين.

وتتوقع أنه “لذلك ستكون الرياض مجبرة على إعادة بناء هذا التواصل، خاصة وأنها قطعت علاقاتها مع عناصر الحركة لسنوات، وبالتالي تفتقر إلى علاقات تربطها بالجيل الجديد”.

“لهذا السبب، على إثر المصالحة الخليجية مطلع 2021، حاولت الرياض استخدام وساطة الدوحة للحوار مع طالبان، وهي غاية تعمل على تحقيقها أيضا عبر باكستان”، تشرح الخبيرة الإيطالية.

وعن قطر، أكدت أنها “في وضع جيد للغاية نظرا لعلاقاتها المتميزة مع طالبان، خاصة بقد باكستان دورها في التوسط مع الجماعة بسبب اتهامات ضد أجهزة المخابرات الباكستانية، بازدواجية المواقف في أفغانستان لسنوات”.

ولفتت الخبيرة إلى أن “بعض اللاعبين الدوليين يرفضون التواصل مباشرة مع الحركة، كما لا ينظر الرأي العام بإيجابية إلى علاقات القطريين معها؛ لكن يمكنهم دائما القول: إن الأميركيين هم من طلب تطوير ذلك”.

وفي مقالها أكدت أن “المسألة الأفغانية باتت مركز الاهتمام الدولي، ما سمح لقطر بالحصول على أهمية كبيرة في نظر جهات فاعلة مثل واشنطن وبروكسل (الاتحاد الأوروبي) وبكين وموسكو”.

 

بديل الإمارات

ولفتت بيانكو إلى أن “الإمارات تدرك الحاجة إلى استعادة دورها، وعلى الرغم من أنها  قطعت علاقاتها مع الحركة الأفغانية إثر تعرض مكاتبها الدبلوماسية لهجمات، إلا أنها على عكس الرياض لا تحاول إعادة بنائها”.

“أبوظبي، تفضل العمل على بديل محتمل مناهض للإسلاميين، وقد تكون استضافة الرئيس غني مفيدة من وجهة النظر هذه، مع القيام بمناورات دبلوماسية مع جهات حكومية أخرى بأفغانستان”، وفق المقال.

في هذا الإطار، أجرت صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية، مقابلة حصرية مع أحمد مسعود، نجل القيادي الأفغاني الشهير أحمد شاه مسعود، والذي يحشد مناصريه بشمال البلاد لمقاومة طالبان.

وتعتقد المجلة أن “مسعود ومبادرته يحظيان الآن باهتمام إعلامي كبير بفضل ماضي والده الذي قاوم غزو السوفييتي أولا، ثم طالبان في أوائل العقد الأول من القرن الـ21”.

ولفتت “فورميكي” إلى دور الحملة الإعلامية الكبيرة التي خصصت لدعم مسعود، التي يقودها الكاتب الفرنسي برنارد هنري ليفي.

ويدفع ليفي عبر حملته قصر الإليزيه في باريس، الحليف التاريخي لأبوظبي، لتقديم الدعم لمقاتلي شمال أفغانستان.