لم تنجح صفقة الدفاعات الجوية السعودية الجديدة مع اليونان في حماية مدنها ومنشآتها الحيوية من تساقط الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون بين حين وآخر، وهو ما يعد فشلاً مدوياً لجهود ولي العهد محمد بن سلمان.
وبعد أيام من لجوء السعودية إلى أثينا لنشر صواريخ باتريوت المضادة للطائرات التابعة للقوات اليونانية في المملكة؛ لتأمين أجوائها بعد فشل الدفاعات الجوية الأمريكية في ذلك، قصف الحوثيون منشآت لشركة أرامكو بمدينة ينبع، بصواريخ وطائرات مسيرة.
وفي بيان نقلته قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين، أكدوا أن العملية التي تمت باستخدام 12 طائرة مسيرة وثلاثة صواريخ، تأتي في إطار الرد على ما وصفته بـ”العدوان” والقصف الأخير لمنطقة الجوف في اليمن.
وأصابت الصواريخ “أهدافها بدقة عالية”، وفق بيان الحوثيين، مع توعدهم بضربات “موجعة ومؤلمة” ضد السعودية إذا استمر قصف اليمن وحصاره، وهو ما يعني فشلاً ذريعاً لأنظمة الدفاع الجوية الجديدة التي استعانت بها السعودية.
وكذلك أربكت الصواريخ الحوثية حركة الطيران في مطار جدة الدولي وتوقفه بشكل مؤقت، وفقاً لحديث رئيس مجلس إدارة جمعية الطيران السعودي، الأمير فهد بن مشعل بن سعود.
وهدفت الصفقة السعودية اليونانية إلى “حماية البنى التحتية الحيوية في مجال الطاقة”، حيث ستتحمل المملكة تكاليفها، ولكن في أول اختبار لها فشلت وسجلت نتائج مخزية.
إنفاق بلا جدوى
وأنفقت الرياض، وما زالت تنفق، عشرات أو ربما مئات مليارات الدولارات على شراء الأسلحة الدفاعية والردعية لتنقذ نفسها من الهجمات الصاروخية التي تطولها منذ عام 2015، إبان دخولها في حرب اليمن، بمشاركة الإمارات، ضد مليشيا جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
وسبق أن فشلت الدفاعات الجوية الأمريكية في صد الهجمات التي حصلت في منتصف سبتمبر 2019، ضد منشآت أرامكو النفطية، شرقي المملكة، من قبل إيران التي سارعت إلى نفي ذلك في ظل تبني جماعة الحوثي للعملية، إلا أن واشنطن نشرت دلائل على ضلوع طهران في استهداف المنشآت.
وأظهر قصف المنشآت بـ10 طائرات مسيّرة عجز السعودية عن وقف الخطر القادم من مليشيا وليس دولة، رغم صفقات الأسلحة التي أبرمتها وحصلت عليها بمليارات الدولارات، وتسبب القصف بوقف نصف إنتاج المملكة النفطي مؤقتاً.
وفي يونيو 2019، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيَّرة كشفت نقاط ضعف في الدفاعات الجوية لدى السعودية التي تعتمد نظام باتريوت الأمريكي، وتعد ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي رفض الكشف عن اسمه قوله: إن “الأحداث الأخيرة أظهرت أن البلاد مكشوفة من حيث نظام الدفاع الصاروخي”.
وفي الأشهر الأخيرة، كثف الحوثيون من إطلاق صواريخ عبر الحدود مع السعودية، وشنّوا هجمات بواسطة طائرات مسيرة مستهدفين قواعد عسكرية جوية ومطارات سعودية ومنشآت أخرى، مؤكدين أن ذلك يأتي رداً على غارات التحالف في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة باليمن.
وفي سبتمبر الماضي، أشارت دراسة لمركز خدمة أبحاث الكونغرس إلى أنه منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض، في مايو 2017، تم الاتفاق على كثير من صفقات بيع الأسلحة التي طلب على أثرها البيت الأبيض من الكونغرس الموافقة على عدد منها.
وأهم تلك الصفقات: “سبع بطاريات دفاع جوي من طراز ثاد قيمتها 13.5 مليار دولار، 104 قذائف يتم إسقاطها من الجو من نوع GBU-10 قيمتها الإجمالية 4.46 مليارات دولار، دعم متكرر وتقوية لبطاريات منظومة الدفاع الجوي من طراز باتريوت قيمتها 6.65 مليارات دولار”.
وتشمل الصفقات أيضاً، وفق الدراسة: “23 طائرة نقل عسكري من طراز C-130J، إضافة لبرامج صيانة ودعم، وثماني طائرات من طراز F-15 تبلغ قيمتها 6.36 مليارات دولار”.
كما دفعت المملكة نحو 500 مليون دولار للبدء بتغطية تكاليف القوات الأمريكية العاملة في مختلف أنحاء السعودية.
وتُغطي الأموال المدفوعة من جانب السعودية التكاليف الإجمالية لنشر القوات، إضافة إلى الطائرات المقاتلة وبطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية لحماية المنشآت النفطية من هجمات الصواريخ والطائرات الإيرانية.
سبب فشل الباتريوت
ويرى المحلل العسكري والاستراتيجي والمراقب الدولي السابق، العميد الركن هشام خريسات، أن سبب فشل الدفاع الجوي السعودي في اعتراض الصواريخ الحوثية، هو أن المملكة تعتمد بشكل كبير على صواريخ باتريوت “باك -2″، وهو نظام طُوِّر في أواخر الثمانينيات.
وأشار إلى أن هذه الصواريخ تعتمد على ما يسمى بـ”تجزئة الانفجار” لتدمير الصواريخ القادمة، لتنتشر فوق منطقة مثل قذيفة إطلاق نار، موضحاً: “الحطام الذي عثر عليه من خلال إطلاق صواريخ الحوثي الأخيرة لم تعطِ أي علامات تشير إلى أنه تضرر من باتريوت، كما يمتلك الصاروخ “بركان”، المستخدم في الهجمات على الرياض، رؤوساً حربية منفصلة عن الجسم الطائر، ما يجعل ضربها أكثر صعوبة”.
وأكد أن الباتريوت موجود في مخزونات السعودية منذ التسعينيات، بهدف اعتراض الصواريخ الباليستية البطيئة والقصيرة المدى التي لا تنفصل رؤوسها الحربية، ما يجعل من تدمير الرأس المتفجر غير ممكن بعد الانفصال، حسب قوله.
وأوضح، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الصواريخ التي يطلقها الحوثيون في الرياض يبلغ مداها ألف كيلومتر (620 ميلاً) غير انفصال الرأس الحربي، متوقعاً عدم نجاح أي قدرة للتصدي لصاروخ كهذا.
ولفت إلى أن استخدام صواريخ كروز وطائرات مسيرة بنفس الوقت، “خلق تحدياً حقيقياً للدفاع الجوي السعودي، ويشير إلى درجة من التعقيد والتطور أكبر من التصورات الأولية”، موضحاً في الوقت ذاته: “في ضوء استخدام الطائرات المسيرة وصواريخ كروز بسرعات أبطأ على ارتفاعات أقل، فمن الصعب على نظام باتريوت رصدها في وقت مناسب يسمح باعتراضها”.
تحديات للسعودية
كما تطرق إلى نقطة وصفها بالهامة، قائلاً: “الطائرات المسيرة تمثل تحدياً ضخماً للسعودية لأنها تطير في كثير من الأحيان دون مستوى الرادار، ونظراً لطول الحدود مع اليمن والعراق فإن المملكة مكشوفة جداً”، لافتاً إلى أن “أغلب أجهزة الرادار التقليدية للدفاع الجوي السعودية مصممة للتهديدات على ارتفاعات عالية مثل الصواريخ، فيما الهجمات تأتي منخفضة”.
ويرى، في سياق حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن النظام الأمني في منطقة بقيق السعودية “غير مناسب لمواجهة الطائرات المسيرة”.
وفيما يتعلق بأهداف الحوثيين من استمرار شن هجماتهم على السعودية، أشار في سياق حديثه إلى أن ذلك يرجع لوجود “نظريّة عسكريّة غَربيّة مُتداولة حاليّاً على نِطاقٍ واسعٍ تقول بأنّ استراتيجيّة الحوثين من خلال إطلاق هذهِ الصّواريخ تَهدف إلى تَحقيق هَدفين”.
والهدفان اللذان رسمهما الحوثي بحسب خريسات: “استنزاف مَخزون السعوديّة من صواريخ باتريوت وفي أسرعِ وَقتٍ مُمكن، لأن تجهيز أي صفقة صواريخ جديدة لتَعويض النّقص يَحتاج إلى وَقتٍ طَويل، والثّاني نَقل الحَرب إلى العُمق السعوديّ”.
أسباب أخرى
أما الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور فايز الدويري، فيرى من جانبه أن هناك جملة من الأسباب وراء ضعف منظومة الدفاع السعودية، قائلاً إنها غير قادرة بشكل كامل على ردع هجمات الحوثيين.
وتساءل الدويري، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، قائلاً: “كفاءة الأطقم العاملة، هل هي على درجة عالية من الكفاءة؟ وعند إطلاق الصاروخ نحو الهدف هل تكون الإصابة محققة أم يكون هناك أخطاء بشرية قد تؤدي إلى الفشل؟ وما هي أعداد الصواريخ؟ وما هي زاوية الاقتراب؟ وما هو ارتفاع المحرك؟ وهل التوضيع يستطيع أن يواجه التحديات؟”.
ويشير، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى وجود جملة من الأسباب تتعلق بالعنصر البشري والإعداد والتوضيع وآلية الاستخدام، مضيفاً: “لا يمكن أن تحقق الأمان المطلق، لا بد أن تنفُذ صواريخ”.
وطرح مثالاً بقوله: “إسرائيل لديها ثلاثة مستويات من الدفاع الجوي، ورغم ذلك تستطيع حماس أن تصل إلى القدس وتل أبيب ومطار اللد، لأن قدرة القبة الحديدية على أن تتعامل مع سبعة أهداف بنفس الوقت فتقوم حماس بإطلاق أكثر من ذلك العدد، لذلك هناك أخطاء بشرية وأمور تقنية ومدى فاعلية هذه الصواريخ”.