بينما كان السجين السياسي السعودي “محمد القحطاني” يستعد لمغادرة محبسه بعد إنهائه فترة محكوميته التي استمرت 10 سنوات، طلب من زوجته “مها القحطاني” أن تحضر له هاتف “آي فون” وسترتين من الصوف، من جامعة “إنديانا” التي حصل منها على درجة الدكتوراة.

ونقل موقع “ميدل إيست آي” في تقرير له ترجمه “الخليج الجديد”، عن زوجته “مها القحطاني” أنها كانت تتحدث إليه من الولايات المتحدة، حيث فرت مع أطفالهما منذ اعتقال زوجها في 9 مارس/آذار 2013.

وكانت “القحطاني” تناقش الاستعدادات اللازمة لإطلاق سراحه، والذي كان من المقرر أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، إلا أن “محمد” اختفى قبل شهر من هذا التاريخ، وحين سألت زوجته إدارة السجن عن مصيره، كان ردهم وبنبرة حادة “لا نعرف”.

ومن حينها، لم يعد يرد على اتصالاتها أحد، كما لم يَرِدْهَا أي اتصال من زوجها كما اعتادت، أو ما يطمئنها عليه، حيث مر أكثر من مائة يوم، منذ آخر مرة اطمأنت فيه على وضع زوجها.

 

قضية حسم

وتم القبض على الناشط الحقوقي “محمد القحطاني” عام 2012، لمشاركته في تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية (حسم)، التي تم حلها لاحقا، وكانت تركز على دعم سجناء الرأي وفضح التعذيب في السجون السعودية.

وحكم على “القحطاني” بالسجن مع آخرين 10 سنوات مع المنع من السفر، ووجهت إليهم تهم مختلفة من بينها “زرع بذور الفتنة” و “خرق الولاء للحاكم” و “التشكيك في نزاهة المسؤولين” و “السعي لزعزعة الأمن والتحريض على الفوضى” و “تحريض المنظمات الدولية ضد المملكة”.

وأبدت عدة منظمات حقوقية قلقها، بسبب عدم الإفراج عن “محمد القحطاني” في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي يوافق انتهاء محكوميته، فيما كشفت زوجته أن آخر تواصل لها معه كان بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين أول، وكانا قد اعتادا التواصل بشكل يومي.

وكانت “مها” قد غادرت البلاد مع أطفالها عقب الحكم على زوجها، متوجهة إلى إنديانا، حيث درس زوجها الدكتوراة سابقا، وقالت إنها فعلت ذلك خشية أن تستخدمها الحكومة كسلاح ضد زوجها.

 

مخاوف متزايدة

ويتزايد القلق على صحة “القحطاني” مع قلق من إعادة محاكمته بالنظر إلى حالات سابقة، ففي العام الماضي، تمت إعادة محاكمة الناشط “محمد الربيعة”، الذي أكمل عقوبته الأولى بالسجن لمدة 6 سنوات، في أكتوبر/تشرين الأول وحُكم عليه بالسجن 17 عامًا.

ويواجه “محمد” إهمالا طبيا، حيث حُرم من الفحوصات الطبية والعلاج لمرض جلدي كان يعاني منه. كما أن أحد زملائه توفي في السجن عام 2020 وقالت جماعات حقوقية إن وفاته كانت بسبب إهمال طبي متعمد من السلطات.

وقالت جهات حقوقية، إن السلطات تتعمد وضع سجناء الرأي في جناح خاص بالمصابين باضطرابات عقلية، مما يشكل خطرا على حياتهم، وقد تعرض “القحطاني” لهجوم من سجين مصاب بمرض عقلي في مايو/أيار 2022.

من جانبها، قالت مجموعة “سجناء الرأي” الحقوقية، إن الاختفاء القسري للسجناء السياسيين السعوديين، حتى بعد انتهاء مدة عقوبتهم، كان “طريقة معروفة تستخدمها السلطات في المملكة لتضييق الخناق على المعتقلين وعائلاتهم وعامة الناس”.

وفي هذا السياق، تتعارض الأحكام العالية غير المسبوقة على المعارضة وإعادة محاكمتهم بعد انتهاء أحكامهم، وإخضاعهم لحظر تعسفي من السفر والعمل والنشاط حتى على وسائل التواصل، مع ادعاءات ومزاعم الإصلاح.

وكانت بوادر القمع المدني والسياسي في ظل حكم “محمد بن سلمان” واضحة منذ البداية. فبعد ما يقرب من 3 أشهر من توليه السلطة في يونيو/حزيران 2017، ألقت الشرطة السعودية القبض على عشرات الدعاة والأكاديميين والصحفيين ورجال الأعمال وغيرهم في حملة قمع واسعة.

وكان من هؤلاء “عوض القرني”، الداعية البارز الذي يواجه عقوبة الإعدام بتهم من بينها استخدام تويتر “للتعبير عن آرائه”. ومن بين التهم التي يواجهها “القرني” موقفه من “الأحكام الجائرة ضد المعتقلين السياسيين الآخرين”.

وتشير زوجة “القحطاني” إلى الوضع المأساوي لأطفالها في ظل بعدهم عن والدهم وعدم معرفتهم أي أخبار عنه.