“سقطت الولاية” هكذا غرد سعوديون على موقع “تويتر” فور الإعلان عن تعديلات في قانون الأحوال المدنية تهم المرأة. لكن ما لم يشر إليه إعلام المملكة هو أن الولاية لم تسقط بشكل كامل، وأن التعديلات لا تهتم بحقوق أساسية للمرأة كالدراسة والزواج، بل يقتصر الأمر على استخراج جواز وتصريح سفر.
أصوات معارضة من خارج المملكة رأت في القرار، الذي يدخل ضمن رزمة تغييرات يتزعمها ولي العهد محمد بن سلمان، مآرب أخرى منها الوضع الاقتصادي للبلد ومحاباة الكونجرس الأمريكي الذي زاد ضغطه على الرئيس دونالد ترامب وعلاقته بولي عهد المملكة بسبب الانتهاكات في الداخل والخارج.
هل يتقبل المجتمع السعودي هذه التغييرات التي تساقطت على رأسه مدرارا؟ وهل تقلل هذه الحريات من عدد السعوديات الهاربات من المملكة حيث قدّرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية عددهن بـ 1000 في السنة؟
أم هل يزيد عدد الهاربات باعتبار أن المنع من قيادة السيارة ودخول قاعات السينما واستخراج جواز السفر، ليست الأسباب التي تجعلهن يغادرن الوطن، بل انتهاكات جسيمة في غياهب السجون لا تفرق بين رجل وامرأة؟
ماذا تغير؟
حسب صحيفة “عكاظ” يمنح القانون الجديد للمرأة نفس الحقوق التي يكفلها للرجل فيما يتعلق بالسفر لمن تجاوزوا 21 عاما. كما ألغى المادة الثالثة التي كانت تنص على أنه “يجوز أن يشمل جواز سفر الرجل الزوجة السعودية وبناته غير المتزوجات وأبنائه القاصرين، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية”.
وجاء في التعديلات أنه “يمنح جواز السفر لكل من يقدم طلبا بذلك من حاملي الجنسية العربية السعودية وذلك وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية”، وأيضا “يكون منح جواز السفر وتصريح السفر للخاضعين للحضانة والقُصّر المتوفى وليهم، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية” وفق المادة الرابعة في النظام، التي كانت تشمل جميع الخاضعين لولاية أو وصاية أو قوامة.
أما التعديلات المتعلقة بالأحوال المدنية، فتشمل إلغاء نص “محل إقامة المرأة المتزوجة هو محل إقامة زوجها إذا كانت العشرة مستمرة بينهما” من المادة 30 لتصبح “محل إقامة القاصر هو محل إقامة والدها أو الوصي عليها”.
وتم تغيير المادة 33 لتشمل السماح للمرأة بالتبليغ عن المواليد مثلها مثل الرجل، وإضافة المرأة للتبليغ عن حالات الوفاة في تعديل للمادة 53، وتم حذف نص “الأقرباء الذكور” لتكون “الفقرة ب” من المادة “أصول أو فروع أو زوج المتوفى أو أي من أقربائه البالغ من العمر 18 عاما”.
وأضافت التعديلات الجديدة الزوجة ضمن من يبلغون عن حالة الزواج أو الطلاق أو المخالعة، في حين كان ذلك مقتصرا على الزوج.
وأصبحت المادة 47 تنص على أن “على الزوج أو الزوجة التبليغ عن حالة الزواج أو الطلاق أو الرجعة أو التطليق أو المخالعة، ويجوز لوالد الزوج أو الزوجة أو أحد أقاربهما القيام بواجب التبليغ”.
وشملت التعديلات المادة 91 من النظام، إذ أصبح “يعد رب الأسرة هو الأب أو الأم بالنسبة إلى الأولاد القُصّر”، وتم تعديل المادة 50 لتنص على أن “لأي من الزوجين حق طلب الحصول على سجل الأسرة من إدارة الأحوال المدنية، وتقع المسؤولية على الزوج إذا لم يتقدم بطلب استخراجه خلال 60 يوما من تاريخ عقد الزواج”.
أسباب النزول
الناشطة والمعارضة السعودية من مركز الشرق الأوسط في لندن، مضاوي الرشيد، اعتبرت أن الدافع وراء اتخاذ ولي العهد للقرار، هو اقتصادي بالأساس.
وقالت عبر حسابها على “تويتر”: “عظيم أن تتمكن النساء السعوديات من الحصول على جواز سفر من دون وصي، وهذا يمكن أن يكون بداية للهجرة الاقتصادية التي تخفف الضغط على محمد بن سلمان، لخلق وظائف للنساء المتعلمات في اقتصاد متحرر مع فرص أقل في القطاع العام”.
وعزت الرشيد القرار إلى فشل الاقتصاد المحلي في خلق فرص عمل، مبيّنة، “تلجأ الديكتاتوريات التي تحجر على مواطنيها إلى تسهيل السفر إلى الخارج لتتخلص من الفائض البشري والأمثلة على ذلك كثيرة”.
وردا على الذين أشادوا بالقرار قالت: لا ننسى آلاف المساجين من جماعة المجتمع المدني والناشطين والناشطات والتعذيب بالسجون وأحكام القتل والجلد والصلب”.
وذهب الأستاذ في جامعة واشنطن والمحلل فراس مقصد، إلى الربط بين القرار وبين مساعدة سفيرة السعودية الجديدة لدى واشنطن الأميرة ريما بنت بندر، لتخفيف الضغط على المملكة في الكونجرس الأمريكي.
رسمياً: تعديلات على نظام وثائق السفر ونظام الأحوال المدنية، تضمنت منح الحقوق ذاتها للذكر والأنثى فيما يتعلق بحرية السفر إذا تجاوز عمره 21 عاما.
وكتب مقصد عبر صفحته الخاصة على “تويتر”، أن “التعديلات السعودية تتزامن مع الإفراج عن الطبيب وليد فتيحي الذي يحمل الجنسيتين السعودية والأمريكية، بعد 20 شهرا، الخطوتان قد تؤديان إلى تخفيف الإحباط في الكونجرس على السعودية ومساعدة سفيرة المملكة الجديدة لدى واشنطن الأميرة ريما بنت بندر”.
ويُعرف عن ريما بنت بندر موقفها الداعم لقضايا المرأة، إذ عبّرت صراحة عن رفضها لولاية الرجل. وأعلنت تأييدها لقضايا مثل حضور النساء للمباريات الرياضية، وقيادة المرأة للسيارة.
ويركز الكونجرس على العلاقة الأمريكية مع السعودية والإمارات بشكل كبير. ولعل أقوى الانتقادات لتلك العلاقة هي وصف الحكومتين السعودية والإماراتية بأنها “أنظمة وحشية” وبأنها “تسحق الحركات الديمقراطية في الخارج” وبأنها “كانت تمول الإرهابيين”.
ومع تقويض القوتين الخليجيتين للمصالح الأمريكية طويلة الأجل في المنطقة، رأى بعض الأعضاء أن “علاقة أمريكا بالسعودية والإمارات بشكلها الحالي، علاقة غير أخلاقية، بل تؤدي إلى نتائج عكسية لأمن أمريكا القومي”.
حالات الهرب
إذا كانت السعودية تؤكد أنها تمنح للمرأة حقوقها، وأنها دخلت عهداً جديداً يكفل لها كل حقوقها وحرياتها، فلماذا تحاول 1000 سعودية سنويا الهرب من المملكة؟
الرقم كشفت عنه المنظمة الحقوقية الدولية “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير أصدرته كانون الثاني/يناير 2019، رصدت فيه 10 أسباب تدفع السعوديات إلى الإقدام على الخطوة.
وإذا كانت المرأة ستتمكن من استخراج جواز السفر، فهي تمنع النساء من مغادرة المنازل بلا إذن، ويمكن للوصي أن يطلب أمر محكمة بأن تعود المرأة إلى منزل الأسرة. ولا يمكن للسعوديات الزواج من دون موافقة ولي الأمر، ولا يوجد حد أدنى لسن الزواج.
في 2019، وافق مجلس الشورى السعودي بأغلبية ساحقة على اقتراح تحديد السن الأدنى للزواج في سن 18، لكن ترك استثناءات للفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عاما للزواج بموافقة المحكمة. وسيصبح الاقتراح قانونا فقط إذا أصدره مجلس الوزراء السعودي.
35 بالمئة من النساء السعوديات تعرضن للعنف، ولم تصل سوى 1059 حالة عنف إلى المحاكم السعودية في 2017. ولا تتخلص النساء من العنف بمجرد التوجه إلى أحد الملاجئ، التي أُعدت في السعودية لتمكين النساء من العيش باستقلالية. إذ لا يمكن للمرأة مغادرة الملجأ إلا إذ تم الصلح مع العائلة أو الزوج.
في الوقت الذي شهد فيه العهد الجديد زيادة من نسب النساء في سوق العمل، لكن لا يزال يُطلب إذن ولي الأمر لتوظيفها، مع حظرها من بعض المهن كقاضية وسائقة مثلا. الحق في التطبيب أيضا مشروط بموافقة ولي الأمر، إذ تشترط بعض المستشفيات موافقة ولي الأمر لإدخال المرأة السعودية إلى المستشفى أو السماح لها بإجراء عملية جراحية.
وبحسب “نظام ولاية الرجل” على المرأة في السعودية، فإنه يتعين أن يكون لكل مواطنة وصي من الرجال، عادة الأب أو الزوج، وأحيانا العم أو الشقيق أو حتى الابن، وتكون موافقته مطلوبة للعمل والعلاج والدراسة والحصول على جواز سفر والسفر إلى الخارج.
ثقافة أبوية
لا يوجد في السعودية قانون مكتوب ينظم شؤون الأسرة، ويعتمد الأمر على نصوص الشريعة. إذ يطلق الرجل زوجته شفهيا، وفي بعض الحالات تصلها رسالة نصية على هاتفها تخبرها بذلك عندما يسجل الزوج طلاقه في المحكمة، وذلك دون حضورها أو علمها، فيما لا يحق للمرأة التطليق من جانب واحد.
يمنح القانون السعودي للمرأة رفاهية اختيار الوصي عنها، لكن في بعض الحالات فقط وذلك في حال إثبات قصور أو سوء معاملة ويتم ذلك عن طريق المحكمة. ولا تستطيع النساء الدراسة في الخارج بمنحة حكومية دون موافقة ولي الأمر، وغالبا ما يلزم وجود قريب ذكر في نفس البلد طيلة مدة الدراسة.
وفي حين هربت نساء سعوديات شابات من بلادهن في الأشهر الأخيرة، بهدف الفرار من استعباد “ولي الأمر”، لا يزال أغلب الرافضين للتغيير من النساء، وهو ما أظهره التفاعل على هاشتاج “#الولاية_سقطت” الذي تصدّر قائمة الأكثر تفاعلا في المملكة بعد التعديل على القانون.
وعبّرت أغلب المغردات عن تمسكهن بنفس العادات والتقاليد التي نشأن عليها داخل المملكة، مشددات على أن شيئا لن يتغير في حياتهن رغم تغيير القوانين التي قد يستعصى تطبيقها، فولاية الرجل مستمدة من التقاليد وتمارسه الأسر بصفة خاصة.
وقال دبلوماسي وخبير بشؤون المملكة لمجلة “لوبوان” الفرنسية: “المملكة لا تزال تحت تأثير ثقافة أبوية، محمد بن سلمان يتقدم بحذر مع الإصلاحات لتجنب صدمة المواطن السعودي العادي، وهو يتحرك نحو إلغاء الوصاية”.
قمع الناشطات
أطلق محمد بن سلمان حزمة تغييرات تغنى بها “إعلام السلطة” على أنها لصالح المملكة، أبرزها على المستوى الداخلي، تغيير وضعية المرأة وتحسينها، إذ أطلقت المملكة في السنة ذاتها (2017) خطة أسمتها السعودية “إدماج المرأة في التنمية”.
لكن هل هذا ما تحتاجه المرأة السعودية، قيادة سيارة؟ السؤال تجيب عليه مجموعة من الأحداث أتت متتالية، وأشهرها هروب سعوديات من البلد وطلب اللجوء إلى دول أخرى. تحاول 1000 امرأة على الأقل الفرار من السعودية كل عام، بحسب موقع “إنسايدر” الأمريكي.
ولعل السبب الرئيسي هو أن المملكة تعتقل في سجونها ناشطات حقوقيات وكاتبات رأي، تحقق منظمات حقوقية دولية في تهمة التعذيب والتحرش الجنسي في حقهن وتهديدهن بالاغتصاب والضرب والتهديد بالإعدام.
ولا ترتبط مشاكل المرأة السعودية بقيادة السيارة ولا استخراج جواز السفر، وحتى إذا شمل القانون السفر والدراسة، لا تزال الوصاية سارية على الزواج والطلاق وفتح حساب مصرفي وبدء مشروع تجاري.
كما أن المرأة السعودية حتى اليوم لا تدرس أو تعمل في كل المجالات بسبب ممارسات فصل الجنسين، ما يضطرها للعمل في مجال يوفر أماكن مخصصة للنساء. كما يصعب عليها تقديم شكوى ضده إلى الشرطة لكونها في حاجة لولي أمرها ليقدم البلاغ عنها.
واعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية أن ما يمارس في حق النساء في المملكة، منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، هو “حملة قمع منسقة”. إذ وصل قمع المدافعات والمدافعين البارزين عن حقوق المرأة في البلاد سنة 2018، إلى اتهام العديد بجرائم خطيرة.
10 نساء على الأقل محتجزات دون تهمة، والتهم المنتظرة قد تشمل أحكاما بالسجن حتى 20 عاما. عذب المحققون السعوديون 4 من النساء على الأقل، بما شمل الصعق بالصدمات الكهربائية، الجلد، التحرش والاعتداء عليهن جنسيا.