كانت العلاقة القائمة منذ فترة طويلة بين السعودية والولايات المتحدة مبنية على المصالح المشتركة، ومع ذلك، فإن هذه العلاقات لم تجعل أبدًا دعم واشنطن للرياض غير مشروط بالقدر الذي نراه مع الإدارة الأمريكية الحالية.
يصادف 14 فبراير/شباط الذكرى الـ75 لاجتماع 1945 بين العاهل السعودي الملك “عبدالعزيز آل سعود” والرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” على متن حاملة الطائرات الأمريكية “كوينسي” في قناة السويس، وهو حدث يمثل بداية ما يُعرف اليوم بأطول علاقة أمريكية مع دولة عربية.
ليس سراً أن التحالف بين الرياض وواشنطن كان دائمًا قائمًا على المصالح والأهداف المشتركة بدلاً من القيم أو المبادئ المشتركة.
هيمنت هذه المنافع المتبادلة على العلاقة وسمحت لها بالبقاء خلال لحظات متوترة في تاريخها، بما في ذلك الحظر النفطي عام 1973 إبان الحرب التي خاضتها دول عربية ضد (إسرائيل)، وكذلك هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي تسببت في توترات كبيرة لأن 15 من الرجال الـ19 الذين اختطفوا الطائرات كانوا مواطنين سعوديين.
لكن الأهداف الاستراتيجية المشتركة والعلاقات الاقتصادية بين البلدين جعلت دعم واشنطن للرياض يبدو غير مشروط، لقد تم التأكيد على مدى هذا الدعم، بل تكثيفه، من قبل الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس “دونالد ترامب”.
فمن ناحية، لم تتسبب أفعال أي مسؤول سعودي في إلحاق المزيد من الضرر بالعلاقات أكثر من أفعال ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، الحاكم الفعلي للمملكة.
ومن ناحية أخرى، لم يغض أي رئيس أمريكي النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في المملكة أكثر من “ترامب”.
على سبيل المثال، في عام 2011، بعد يومين من إرسال السعودية قواتها لمساعدة البحرين رداً على الاحتجاجات المناهضة للحكومة، ذُكر أن القوات البحرينية استخدمت الدبابات والمروحيات لطرد المحتجين من الشوارع في العاصمة، ولتطهير المعسكر في “دوار اللؤلؤة”، الذي أصبح رمزا للمظاهرات.
في ذلك الوقت، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية “هيلاري كلينتون” إن البحرين وحلفاءها، أي المملكة العربية السعودية دون تسميتها، كانوا على المسار الخطأ.
على النقيض من ذلك، في عهد الرئيس “ترامب”، أصبحت الولايات المتحدة غطاء لانتهاكات السعودية، وبالرغم من أن الولايات المتحدة تهدف إلى أن تكون رائدة لحقوق الإنسان، فإن الرئيس الأمريكي الحالي لم يتحدث أو يتخذ موقفًا حازمًا ضد سجن المملكة لناشطي حقوق الإنسان.
علاوة على ذلك، بالرغم من أن اليمن أصبحت موقعًا لأسوأ أزمة إنسانية في العالم ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تصرفات التحالف الذي تقوده السعودية، فإن دعم الرئيس “ترامب” للمملكة لم يتراجع.
حتى بعد القتل الوحشي للصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة “جمال خاشقجي” في قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، لم يهاجم “ترامب” مباشرة الشخص الذي خلصت وكالة المخابرات المركزية إلى أنه أمر بالقتل وهو “محمد بن سلمان”.
علاوة على ذلك، استخدم “ترامب” حق النقض ضد القانون الذي صدر بدعم من الحزبين، وكان سينهي تورط واشنطن في حرب اليمن.
لو كانت إدارة “ترامب” حازمة في عدم السماح للسعودية باستخدام أسلحتها في قصف المدنيين، ولو لم تظهر سلوكها الحالي غير المفهوم في دعم ولي العهد، فربما لم تكن فترة الحرب اليمنية قد طالت لهذه المدة.
ومع ذلك، يبدو أن التغطية على اغتيال “خاشقجي” قد وحدت العديد من المؤسسات، بما في ذلك الكونجرس، لإدانة الأعمال التي شهدتها المملكة في عهد “بن سلمان”، وقد تجلى ذلك في الغضب الواسع النطاق من حرب اليمن، ومن مقتل “خاشقجي”.
قال “نادر هاشمي”، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة “دنفر”: “سعت إدارة ترامب للتغطية على مقتل خاشقجي ودعم جرائم الحرب السعودية في اليمن. لقد تحدى هذا السلوك الرأي العام العالمي الذي يعارض بشدة السياسة السعودية في كلتا الحالتين، وأدى ذلك إلى نظرة جديدة للعلاقة الأمريكية السعودية، بين المواطنين الأمريكيين. ويبدو مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية مظلمًا للغاية في الأيام المقبلة، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى دعم ترامب لولي العهد وسياساته العنيفة”.
لقد مر ما يزيد على نصف عقد من الزمان منذ تولي الملك “سلمان” العرش، وهي الفترة التي شهدت أيضًا ظهور “محمد بن سلمان”. وقادت سياسات الأمير المملكة إلى التخلي عن نهج “الدبلوماسية الهادئة” الذي كان معروفًا عنها.
وقد أثر ذلك بوضوح على علاقة المملكة بالمؤسسات في واشنطن، ويبدو أن دعم “ترامب” المستمر زاد الموقف سوءًا لأنه ربما أعطى السعوديين انطباعًا بأن “ترامب” غير منزعج مما يفعلونه، وأنه يمكنهم الاستمرار.
هناك شيء استغرق السعوديون بعض الوقت ليدركوه، وهو أنه بالرغم من ظهور “ترامب” كحليف قوي، فمن غير المرجح أن يدخل نفسه في حرب مع دولة مثل إيران من أجلهم، على سبيل المثال، عندما قُصفت منشآت “أرامكو” في 14 سبتمبر/أيلول 2019 كان رد “ترامب” أقل حزماً مما أرادت الرياض.
عندما قال “ترامب” إنه لم يعد السعوديين بأنه سيحميهم، كان ينبغي أن يكون ذلك بمثابة رسالة إلى الرياض، وقال “ترامب”: “لم أعد السعوديين بذلك. علينا أن نجلس مع السعوديين ونعمل شيئًا ما. يريد السعوديون الكثير بالنسبة لنا لحمايتهم، لكنني أقول، حسنًا، علينا أن نعمل.. لقد كان ذلك هجومًا على المملكة العربية السعودية، ولم يكن هذا هجومًا علينا”.
في الواقع، من خلال هذا الرد، تخلى “ترامب” عن عقيدة “كارتر”، التي ألزمت الولايات المتحدة صراحة بالدفاع عن حقول النفط في الخليج ضد التهديدات الخارجية.
يبدو أنه مثال على التزام “ترامب” فقط بالعلاقات الاقتصادية مع المملكة الغنية بالنفط، بدلاً من الالتزام بسياسة أمريكية مستمرة منذ فترة طويلة.