نشر موقع “بلومبيرغ” تقريرا أعدته دونا أبو ناصر، قالت فيه إن السعودية تعيد تعريف دورها كمدافع عن المسلمين في العالم، والتأكيد بدلا من ذلك على المصالح الوطنية العلمانية في مرحلة حرجة تمر بها المملكة.

وأشارت إلى تصريحات دبلوماسي صيني في السعودية دافع فيها عن معاملة بكين للمسلمين في إقليم تشنجيانغ، وسط شجب دولي بشأن معسكرات الاعتقال التي فتحتها بلاده لملايين المسلمين من أقلية الإيغور.

ولم تكن تعليقاته مهمة مثل المكان الذي نشرت فيه. ففي مقال نشرته صحيفة سعودية مهمة في تموز/ يوليو، قال الدبلوماسي الصيني تان بانغلين، إن الحزب الشيوعي الصيني توحد مع مسلمي الإقليم بطريقة أدت إلى “تغيرات عظيمة”. وجاء هذا الكلام من القنصل العام الصيني في جدة التي لا تبعد سوى 70 كيلومترا عن أقدس البقاع لدى المسلمين وهي مكة، في وقت اتهمت فيه الولايات المتحدة وأوروبا الصين باضطهاد المسلمين الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة.

وتعلق الكاتبة أن منح الدبلوماسي الصيني مساحة للدفاع عن سياسات بلاده يعكس الحسابات السياسية الجديدة في ظل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومنح الأولويات المحلية العلمانية الأهمية، وهو ما يخدمه جيدا في ظل تغير الإدارة الأمريكية رغم معارضتها لما يحدث في إقليم تشنجيانغ.

وترى الكاتبة أن الموقف السعودي بات يتشكل من خلال الحسابات التجارية والوقائع الجيوسياسية وظهور الطاقة النظيفة المنافسة للنفط، والتحدي مع تركيا على زعامة العالم الإسلامي.

وبدا هذا واضحا في موقف المملكة من القضية الفلسطينية التي ظلت وعلى مدى عقود تدعم حق الفلسطينيين بدولتهم، ولكنها اليوم أقل دعما لهم، وفي السياق نفسه التزمت الرياض بالصمت من قضية المسلمين في كشمير، واضطهاد حكومة الهند القومية لهم، بل أقامت علاقات تجارية معها في وقت باتت تتجه فيه باكستان نحو تركيا.

ونقلت عن الأمير عبد الله بن خالد قوله إن السعودية عانت من الإسلام السياسي العابر للحدود، حيث شارك عدد من أبنائها في مساعدة المسلمين بدون أن يكون لقضايا هؤلاء علاقة بقضاياهم الوطنية” مؤكدا على أهمية تغيير المسار.

وأشارت الكاتبة إلى أن جوزيف بايدن، الرئيس الأمريكي الجديد، تعهد أثناء حملته الانتخابية بمعاملة السعودية كدولة “منبوذة”. وذلك بعد أربع سنوات دافئة مع إدارة سلفه دونالد ترامب. ولن تكون السعودية والحالة هذه، مرتاحة لحديث الإدارة الأمريكية معها بشأن حرب اليمن وحقوق الإنسان والموقف من إيران.

ويُتوقع أن يحدث توتر في ملف الصحافي جمال خاشقجي، الناقد لولي العهد والذي اغتيل داخل قنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018. وبخاصة بعدما أعربت مديرة الاستخبارات الوطنية الجديدة أفريل هينز، عن استعدادها لنشر تقرير المخابرات الأمريكية بشأن الساعات الأخيرة لجريمة قتل خاشقجي.

إلا أن التراجع عن التدخل في الخارج باسم الدفاع عن المسلمين قد يحقق بعض النقاط لدى السعودية عند إدارة بايدن. وتنقل الكاتبة عن المحللة إيملي هوثورن في مركز “ستراتفور” بتكساس والذي يقدم النصح لعملائه بشأن المخاطر الجيوسياسية: “قد ينظر السعوديون لبناء دولة حديثة تركز على الاقتصاد أكثر من مواصلة الحفاظ على دور القيادة للعالم الإسلامي”. وتضيف: “هي مقامرة، وقد تنجح من ناحية منح السعوديين بعض النفوذ”.

وحتى وقت قريب كان من النادر قراءة كلمات دافئة تمدح الحزب الشيوعي في الصحافة السعودية المطبوعة. ففي الثمانينات من القرن الماضي، سمحت المملكة لأبنائها بالسفر إلى أفغانستان والمشاركة في قتال الشيوعيين إلى جانب المجاهدين.

ومنذ تولي الملك سلمان الحكم عام 2015، توطدت العلاقات مع الصين. وقام هو وابنه ولي العهد بزيارات منفصلة إلى بكين. وفي رحلته عام 2019 بدا ولي العهد مدافعا عن اضطهاد الصين للمسلمين، ووقّع مع الحكومة اتفاقية بـ10 مليارات دولار لبناء مجمع تكرير للبتروكيماويات. وأعلنت شركة “هواوي” هذا الشهر، عن فتح أكبر متجر لها خارج الصين في العاصمة السعودية الرياض. وأعلن وزير الاستثمار خالد الفالح في تغريدة عن “فرحته” بهذه الأخبار.

وتقول الكاتبة إن التغيرات بدأت بشكل بطيء بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، والتي شارك فيها 15 سعوديا من بين 19 مهاجما، ولكنها تسارعت بعد صعود ولي العهد إلى السلطة قبل أربعة أعوام.

وبضغوط من الحكومة الأمريكية، شنت الحكومة السعودية حملة ناجحة ضد خلايا تنظيم القاعدة في المملكة. وقرر الملك الراحل عبد الله الإعلان عن 23 أيلول/ سبتمبر “يوما وطنيا” والاحتفال بتأسيس المملكة، وهو ما أغضب المحافظين الذين اعتبروا العيد الوطني مخالفا للإسلام.

ولكن محمد بن سلمان حدّ من سلطة المحافظين بعد صعوده، وسمح بالحفلات وبقيادة المرأة للسيارة وغير ذلك. كما شددت الحكومة القيود التي وضعت بعد هجمات 9/11 على التبرع الخيري للخارج. ويبرر الأمير عبد الله التغيرات الحالية بأنها ليست تخليا عن المصالح الإسلامية، بل “دعما متوازنا” في ظل التغيرات والسياقات المختلفة.

وتشير الكاتبة للخلاف التركي- الفرنسي الذي دفع الرئيس إيمانويل ماكرون لاتهام نظيره رجب طيب أردوغان بالتحريض في قضية قتل المدرس الفرنسي الذي عرض صورا مسيئة للرسول على تلامذته، ولم يَلُم السعودية التي كانت كما تقول أول من يُلام على الهجمات الإرهابية.

عوّلت باكستان على دور السعودية في تولي ملف الدفاع عن مسلمي كشمير، لكن المملكة لم تفعل، وبدلا من ذلك عمّقت علاقاتها التجارية مع الهند

وتشير إلى أن السعودية في ظل محمد بن سلمان، ستحاول الموازنة بين دورها في حماية وخدمة المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة وتسهيل الوصول إليهما وتوفير الخدمات وتوسيع الحرمين بشكل يسمح بمشاركة عدد أكبر من الحجاج. وفي الوقت نفسه أشارت القيادة السعودية إلى أن حل مشاكل العالم الإسلامي ليس من واجبها.

وبعد إلغاء الهند الوضع الخاص لكشمير في الدستور، عوّلت باكستان التي تعتمد على تحويلات مواطنيها العاملين في السعودية، على دور المملكة في تولي ملف الدفاع عن مسلمي كشمير، لكن الأخيرة لم تفعل. وبدلا من ذلك عمّقت علاقاتها التجارية مع الهند التي أصبحت مع مصر في الربع الثالث من 2020 من أكبر المستثمرين في السعودية. وحلت تركيا محل الرياض في باكستان، حيث افتتح وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو قنصلية جديدة في إسلام أباد، ووقّع عددا من العقود، منها عقد لصناعة الأفلام.

وتقول الباحثة إيملي هوثورن إن السعودية ربما خسرت لعبة القوة الناعمة أمام تركيا في الوقت الحالي، لكنها ربما تحاول متابعة لعبة أخرى، خاصة أن مستوى التضحية لدى تركيا في مصالحها الاقتصادية من أجل القوة الناعمة محدود.