انطلق ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في جولة خليجية بدأت في عمان في 6 ديسمبر/كانون الأول وانتهت في الكويت في 10 ديسمبر/كانون الأول بعد توقف في أبوظبي ودبي وقطر والبحرين.

وجاءت جولة “بن سلمان” قبل أسبوع من انعقاد القمة الخليجية التي حاولت القيادة السعودية استثمارها لتعزيز أوراق اعتماد “بن سلمان” وتجاوز الصعوبات التي يواجهها في إعادة بناء مكانته الإقليمية والدولية.

وخلال زيارته لدول مجلس التعاون الخليجي، التقى “بن سلمان” بسلطان عُمان وأميري قطر والكويت وملك البحرين وولي عهد أبوظبي. وأكدت هذه الاجتماعات أن “بن سلمان” هو القائد الفعلي للمملكة والذي يجب على جميع القادة الآخرين التعامل معه ما يعكس المركزية التي رسخها ولي العهد.

كما كان الهدف من قمة “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، التي جلبت القادة الإقليميين إلى الرياض في أكتوبر/تشرين الأول، هو تقديم “بن سلمان” كشخصية مركزية ذات أهمية على مستوى المنطقة.

 

سياق مجلس التعاون الخليجي المتغير

وجعلت العديد من التطورات هذه اللحظة مناسبة لمثل هذه الجولة الإقليمية. وأزاحت وفاة سلطان عُمان “قابوس بن سعيد” وأمير الكويت “صباح الأحمد الجابر الصباح” في عام 2020 اثنين من كبار رجال الدولة الذين بدا أن لديهم شكوكا حول نهج “بن سلمان” المتهور في الشؤون الإقليمية.

وفي الواقع، انتهت زيارة “بن سلمان” السابقة للكويت في سبتمبر/أيلول 2018 بعد ساعات قليلة فقط، وسط تقارير عن خلافات سياسية حول عدد من القضايا من بينها حصار قطر والإغلاق المستمر لحقول النفط في المنطقة المحايدة المشتركة بين السعودية والكويت.

وبالنسبة لشخص كرس 60 عاما من حياته للدبلوماسية الإقليمية، كان الخلاف الأعمق في تاريخ مجلس التعاون الخليجي مسألة صعبة بالنسبة للأمير “صباح” الذي توفي قبل أن يتم حل الأزمة نهائيا.

وقام ولي عهد الكويت الجديد، ووسيط السلطة المشهور، وبالنظر إلى الحالة الصحية غير المستقرة للأمير “نواف الأحمد الجابر الصباح”، قام ولي العهد الشيخ “مشعل الأحمد الصباح” بأول زيارة رسمية له إلى السعودية التقى خلالها “بن سلمان” في يونيو/حزيران. وبعد شهر، اتجه سلطان عمان الجديد “هيثم بن طارق” إلى السعودية في أول زيارة خارجية له منذ تولى المنصب.

وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لسلطان عماني إلى المملكة منذ أكثر من عقد. وأسفرت الزيارة عن عدد من المبادرات الاقتصادية المهمة وبرزت فيها نغمة جديدة في العلاقات السعودية العمانية بعد فترة من الفتور.

وتوضح العلاقات مع قطر أيضا السياق الإقليمي المتغير لعام 2021 مقارنة بالفترة المشحونة بالتوترات التي ميزت فترة ولاية “بن سلمان” المبكرة بعد توليه منصب ولي العهد في يونيو/حزيران 2017.

وبالرغم أن وسائل الإعلام ركزت على زيارة “بن سلمان” إلى الدوحة في 8 ديسمبر/كانون الأول للمرة الأولى منذ رفع الحصار، فقد كان هذا اللقاء هو الخامس مع أمير قطر “تميم بن حمد آل ثاني” خلال عام 2021 وحده، حيث زار الشيخ “تميم” السعودية 4 مرات، في قمة العلا، ومرة أخرى في مايو/أيار ثم سبتمبر/أيلول، فضلا عن زيارة أكتوبر/تشرين الأول لحضور مبادرة الشرق الأوسط الأخضر

وتشير وتيرة الاجتماعات بين الجانبين إلى أن عملية المصالحة وإعادة بناء العلاقات والثقة تسير بشكل أسرع مقارنة بدول الحصار الأخرى مثل الإمارات والبحرين.

 

التركيز على الدبلوماسية الإقليمية

ويعد تموضع “بن سلمان” في قلب الدبلوماسية الإقليمية في الخليج جزءا من إعادة تأطير رواية ولي العهد السعودي بعيدا عن صورة المتهور والمندفع والمزعزع للاستقرار، ولكنه أيضا أكثر من مجرد محاولة لفعل ذلك.

وبالرغم أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لم ينفذ ما وعد به في خطاب حملته الانتخابية بجعل الدولة السعودية “منبوذة” ووقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة، فإنه لم يتعامل بشكل مباشر مع “بن سلمان”، وفوض الاجتماعات مع ولي العهد إلى المسؤولين الأقل مرتبة في إدارته.

وتجنب “بن سلمان” قمة مجموعة الـ 20 في روما في أكتوبر/تشرين الأول بالرغم أن السعودية تولت الرئاسة الدورية لمجموعة الـ 20 في العام السابق، كما تجنب قمة المناخ “كوب 26” في جلاسكو في نوفمبر/تشرين الثاني، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه ربما أراد تجنب أي مشهد للازدراء من قبل “بايدن” أمام الكاميرات.

ومن خلال زيارات ولي العهد لدول الخليج الأخرى ودوره البارز في قمم مجلس التعاون الخليجي، يريد “بن سلمان” أن يرسل رسالة مفادها أن دول المنطقة على استعداد للتعامل معه حتى لو كان البيت الأبيض لا يريد ذلك. كما أن تحفظ “بن سلمان” على السفر دوليا، وخاصة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، منذ مقتل “خاشقجي” في عام 2018 يبدو مناقضا لمشاهد الترحيب التي لقيها في عواصم المنطقة.

وكما أقرت إدارة “بايدن” بأنها بحاجة إلى الاستمرار في التعامل مع القادة السعوديين بشأن اليمن، قد يعتقد السعوديون كذلك أنه يجب على واشنطن الاعتراف بـ”بن سلمان” كشخصية ذات مكانة إقليمية، حتى لو لم تكن راغبة في ذلك.

 

استعادة القيادة الإقليمية بهدف إعادة تأهيل الصورة عالميا

وبالإضافة إلى مشاهد إعادة تقديم “بن سلمان” كشخصية سياسية، ربما يسعى السعوديون أيضا إلى استعادة زمام المبادرة بعد موجة من التطورات الإقليمية التي لعبت فيها الإمارات، وليس السعودية، الدور المركزي.

وفي الأسابيع التي تلت جولة “بن سلمان” في عواصم الخليج، سافر ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” إلى أنقرة للقاء الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في 24 نوفمبر/تشرين الثاني واستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” في أبوظبي في 13 ديسمبر/كانون الأول. والتقى مستشار الأمن القومي الإماراتي “طحنون بن زايد”، بنظيره الإيراني وكذلك مع الرئيس “إبراهيم رئيسي” في طهران يوم 6 ديسمبر/كانون الأول.

وتوضح المبادرات الإماراتية لإعادة التواصل مع تركيا وإيران وتعميق العلاقة مع إسرائيل كيف تتحرك القيادة الإماراتية بشكل استباقي لحماية مصالحها المتصورة في المنطقة. وجاء ذلك بعد فترة من التوتر في العلاقات السعودية الإماراتية التي خلقت درجة من التباعد بين “بن سلمان” و”بن زايد”، اللذين هيمنت علاقتهما على السياسة الخليجية بين عامي 2015 و2018.

وتعد نقاط الخلاف الرئيسية بين الجانبين اقتصادية وليست سياسية أو أيديولوجية لذلك من غير المرجح أن تتصاعد أو تنفجر كما حدث مع قطر في عام 2017. ومع ذلك فإن الخلاف سيتصاعد مع التنويع الاقتصادي الذي تتبناه الرياض عبر التركيز علي قطاعات مثل السفر والسياحة والضيافة والترفيه والتي لطالما هيمنت عليها أبوظبي ودبي.

ومع اقتراب الإمارات من شغل أحد المقاعد الـ10 غير الدائمة في مجلس الأمن لمدة عامين، قد يرى “بن سلمان” مركزية السعودية في مجلس التعاون الخليجي كوسيلة لإبراز مكانته بشكل مختلف.

وقبل كل شيء، تُظهر تحركات “بن سلمان” الأخيرة كيف بدأ من جديد على المستوى الإقليمي بعد أن تحطمت صورته العالمية واحترقت في موجة الاشمئزاز الدولي التي صاحبت وتيرة الكشف عن حقائق مقتل “جمال خاشقجي”.

وقد يستغرق الأمر أعواما حتى يتخلص “بن سلمان” من صورته كقائد متهور ومندفع. وقد لا يتم إعادة تأهيل صورته بالكامل في بعض الأوساط. ومع ذلك سيخلف “بن سلمان” والده في وقت ما ليصبح “خادم الحرمين الشريفين”، مع كل الثقل الذي يجلبه هذا المنصب من الناحية الجيوسياسية الإقليمية وكذلك الدينية.

وكملك، قد يتطور سلوك “بن سلمان” ليلائم مكانته كزعيم دولي، خاصة خلال فترة حكم يمكن أن تستمر لعقود. ولكن حتى تلك اللحظة، فإن تعزيز موقعه محليا وإعادة تأكيد مركزيته على المستوى الإقليمي قد يبدو نهجا ذكيا لاستعادة بعض الأرضية التي فقدها خلال الاضطرابات التي حدثت في الأعوام القليلة الماضية.