بعث الله النبي محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الثقلين لتبليغ دين الإسلام، وتوضيح شرائعه، وأمر الخلق ونهيهم لبلوغ رضى الله سبحانه وتجنب غضبه، وقد اجتهد الرسول وأدى الأمانة وبلغ الرسالة ونشهد له بذلك، حتى تركنا على محجة واضحة لا يزيغ عنها إلا هالك، وأمر الناس بعده بتبليغ دين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقضى حياته مجاهدًا ومعلمًا وحاكمًا في سبيل الله ولإعلاء كلمته، وجعل هذا العمل واجبًا على أمته من بعده.
ومن المحفوظ في سيرة النبي أنه ولد عام الفيل حين قدم أبرهة الحبشي بجيش لمهاجمة مكة، واقتلاع الكعبة ومعاقبة العرب بعد أن اعتدى أحدهم على بناء منافس شيده الحبشي في اليمن، فلم يجد قبولاً من الناس آنذاك، وفي طريقه نحو مكة لم يصادف أبرهة أي مقاومة، حتى استطاع سَوق الإبل دون عناء، وحين سمح لعبد المطلب بمقابلته وهو كبير قريش، تفاجأ الحبشي أن عبد المطلب طلب منه إعادة الإبل ولم يطلب منه الرجوع عن مهاجمة الكعبة، وأبدى أبرهة استغرابه لعبد المطلب، فقال له كلمته الشهيرة: الإبل لي وللبيت رب يحميه.
ونحن في بلاد الحرمين بين خيارين: إما أن نسير على منهج النبي صلى الله عليه وسلم، ونحمي دينه، ونحافظ على شريعته؛ لأن الحكومة الحالية تعبث بالشرائع والأحكام، وتنقض عرى الإسلام، وتوالي الكفار دون حياء، وتلغ في دماء المسلمين دون رادع، وتتآمر ضد الأمة ومقدساتها، وتفرط في الحرمين ومكانتهما، وتنصرف عن القشرة التي كانت تتستر تحتها ضمن مشاريع خيرية ودعوية واحتسابية.
وإذا لم نفعل، فهو وإن كان من الخسران المبين، إلا أن الدين لا يحتاج لأحد، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، وسنة الاستبدال ماضية، فعسانا إذا تكاسلنا عن سنة محمد ألا نعجز عن مطالب جده عبد المطلب، فنقف في وجه الحكومة التي تبعثر الأموال، وتضيق علينا، وتجبي عرق الجبين، وتفسد المشاريع، وتولي غير الأكفاء، وتهب ممتلكاتنا للبيت الأبيض وغيره من أجل ضمان عرش الوريث الأهوج، وتدخل في صفقات فاسدة، ومشاريع وهمية، بينما مصالح البلد ضائعة، وأمنه يكاد أن ينفلت، واحتقان أهله يزداد.
ونحن بالخيار إما أن نحمي الدين والدنيا فنغنم فيهما، أو على أقل تقدير ندافع عن دنيانا وحقوقنا ومصالحنا، كي لا نصبح ممن خسر الباقية، ولم يستمتع بالفانية، وهذه خسارة شنيعة مضاعفة، وخزي وعار لا يرضاه من لديه يسير الحياء وقليل الأنفة.