نشر موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي، مقالا للكاتب أمبروزي كاري، تناول فيه شخصية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مشيرا إلى إنه قدم نفسه قبل عامين باعتباره الزعيم القوي، الشاب القادر على تحويل السعودية، لكن الآن لم يعد بإمكانه تقديم القليل.

وقال أمبروزي كاري، وهو مدير في شركة “ألاكو” الاستشارية في مجال الاستخبارات التجارية بلندن، إن: “ابن سلمان، ولي العهد السعودي الصاخب الذي تحرك بثقة على المسرح العالمي قبل عامين، أصبح الآن شخصية تتراجع إلى حد كبير، إن لم تكن تتضاءل”. وأضاف: “أصبحت سمعته كرجل قوي في المنطقة أقل من ذي قبل، وفشلت خططه الاقتصادية الشهيرة في إحداث فارق”.

 

يكافح لنيل الاحترام

وأشار إلى أنه: “بعد الضغط للقبول الواضح بالمسؤولية عن مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، والإذلال بسبب الضربة الإيرانية المزعومة التي أوقفت مؤقتا 50 بالمئة من طاقة الإنتاج النفطي للبلاد، يكافح ابن سلمان من أجل نيل الاحترام على الصعيد الدولي، بل وينظر إليه باعتباره ضعيفا من إيران، المنافسة الإقليمية لبلاده”.

وتابع: “بعد تنفير العديد من المستثمرين الأجانب بسبب ابتزازه المكشوف للأغنياء والأقوياء في البلاد، وتورطه المزعوم في قضية خاشقجي، سيكون إحساس ولي العهد بالعزلة على وشك الاكتمال لولا الدعم المستمر من السعوديين، وخاصة الشباب، الذين تبنوا إصلاحاته الاجتماعية. هذه مفارقة، بالنسبة لشخص استبدادي، يسعى إلى تحويل المملكة إلى بلد أكثر ليبرالية وتطلعا إلى الخارج”.

وأردف الكاتب يقول: “تعد تجارب ابن سلمان الأخيرة وانتكاساتها، بعيدة كل البعد عن صعوده المذهل إلى السلطة في صيف عام 2017، عندما هز أسس المملكة في انقلاب قصر جعل منه وليا للعهد”.

وأكد: “كانت هناك المزيد من المفاجآت: تطهير غير مسبوق للمعارضين المحتملين، الاعتقال الاستثنائي لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في زيارة للمملكة، وحملة مكافحة الفساد المثيرة للجدل إلى حد كبير”.

واستطرد الكاتب: “بعد ذلك، ومن أجل إعطاء مغزى لانتزاع السلطة، تم تقديم خطته الطموحة للتحول الاقتصادي المعروفة باسم رؤية 2030، التي تم تقديمها في العام الذي سبق صعوده للجماهير الغربية بضجة كبيرة”.

وزاد قائلا: “في زيارات رفيعة المستوى لواشنطن ولندن، حشد ولي العهد دعما ماليا لمخططه لإبعاد السعودية عن اعتمادها على النفط من خلال التوسع الهائل في القطاع الخاص الهزيل. على الرغم من قسوته، بدأت صورة لحاكم شاب ديناميكي مصمم على جر بلاده إلى القرن الحادي والعشرين، في التبلور في بعض الأوساط. رغم ذلك، فإن آخرين كانت لديهم شكوكهم”.

 

محاولة ابتزاز الأثرياء

وبحسب الكاتب، فإن تساؤلات بدأت حول استعداده لتنفيذ برنامج تقشف قاس بعد أن سعى لتخفيف الألم الاقتصادي من خلال عطايا بقيمة مليارات الدولارات في أول علامة على معارضة عامة لخططه. وكان هذا في الوقت الذي تتعرض فيه أموال الدولة للاستنزاف بشكل متزايد بسبب الحرب المدمرة الطويلة في اليمن.

ولفت إلى أنه: “من أجل المساعدة في دفع تكاليف إصلاحاته، نفذ حملة مشبوهة لمكافحة الفساد، بلغت ذروتها باعتقال واستجواب أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون في الرياض. اتضح أن الأمر لم يكن أكثر من مجرد محاولة لابتزاز الأموال من الأثرياء. وتبين أن الغنيمة الناتجة أقل بكثير مما كان متوقعا”.

وبيّن الكاتب، أن: “الأسوأ من ذلك هو أن هذه الواقعة أخافت الكثير من المستثمرين الغربيين الذين كان قد غازلهم. أولئك الذين اختاروا الاستمرار في المشاركة كانوا قلقين من المخاطر السياسية، لكن ربما حسبوا أن الأمر في المدى الطويل يستحق المخاطرة. واختبر قتل خاشقجي أعصابهم إلى أقصى حد”.

وتابع يقول: “مضى ابن سلمان في سياسة اقتصادية أخرى محفوفة بالمخاطر. كانت السعودة – استبدال العمال الأجانب بالسكان المحليين- موجودة بالفعل قبل أن يتصدر الواجهة، لكنه سارع في العملية على حساب القطاعين العام والخاص السعودي، اللذين كافحا لملء الوظائف التي تخلى عنها مئات الآلاف من المغتربين الذين تم الضغط عليهم لمغادرة البلاد. وكانت هناك تقارير عن عدم ارتياح بعض الشركات بشأن حيثيات هذه الخطوة، حيث أغلقت السلطات العديد من الشركات غير المتوافقة”.

وشدد الكاتب على أن: “المغتربين ليسوا وحدهم الذين غادروا المملكة، حيث نزح منها المواطنون الأثرياء وحاولوا تحويل أموالهم إلى خارج البلاد عن طريق نقل مبالغ صغيرة نسبيا حتى لا تجذب انتباه السلطات، بحسب مصدر موثوق”.

وأردف: “ليس لدى الكثير من السعوديين البارزين المقيمين بالخارج فكرة عما إذا كانوا سيعتقلون إذا ما أرادوا العودة وليسوا مستعدين لتحمل المخاطر”. وأكد أن: “رجال الأعمال السعوديين وأفراد العائلة المالكة ومستشاريهم يتخطون تأشيراتهم في المملكة المتحدة –حيث تغض الحكومة البريطانية الطرف عن ذلك على ما يبدو”.

ونوه الكاتب إلى أن: “لدى هؤلاء أسباب منطقية لمخاوفهم، حيث لا يزال عدد من معتقلي فندق ريتز الذين وافقوا على التسويات مقابل حريتهم خاضعين لحظر السفر، وأبرزهم الأمير الوليد بن طلال”.

وأوضح أنه: “ضُغط على بعض السعوديين الأثرياء للاستثمار في الاكتتاب العام في أرامكو. وقد يتم تقييد تحركات بعض المعتقلين السابقين لبعض الوقت حيث قد يواجهون صعوبة في دفع المبالغ التي تطلبها الدولة. من المفهوم أن أصولهم المحلية مبالغ في قيمتها إلى حد كبير، في حين أن أصولهم السائلة غالبا ما تكون مقيدة في الخارج تحت سيطرة موثوقين، وبعضهم لن يفرج عن أمواله ما لم يعرفوا أن المستفيدين ليسوا تحت الإكراه”.

ونقل الكاتب عن صحيفة “فاينانشيال تايمز” الأمريكية أنه: “تم الضغط على بعض السعوديين الأثرياء ليصبحوا مستثمرين أساسيين في الاكتتاب العام لأرامكو السعودية”.

 

ضعيف أمام إيران

وبحسب الكاتب، فإن: “ابن سلمان لديه مخاوف أكبر وأكثر إلحاحا. في أعقاب الهجوم الإيراني الأخير، إذ يبدو أن الرئيس ترامب ليس في حالة مزاجية لجر الولايات المتحدة إلى صراع مع طهران. ومع تردد ولي العهد في مواجهة إيران بمفرده، فإن ضعف السعودية واضح”.

وكشف أن: “الحكومة التي انتقلت إلى جدة خلال الصيف، فشلت في العودة إلى الرياض بعد الهجوم الإيراني”، منوها إلى: “وجود حالة من الدهشة في المملكة، لأن الحكومة السعودية لم تستطع العودة إلى الرياض”.

ورأى الكاتب الأمريكي، أن: “الإمارات، حليفة ابن سلمان، تفسح المجال لطهران، بعد أن سحبت قواتها من اليمن وتتعاون الآن مع الإيرانيين في مجال الأمن البحري”. وأضاف: “بينما يقيم ابن سلمان خياراته المحدودة فيما يتعلق بإيران، فمن المرجح أن لديه قليل من الراحة إزاء الوضع في الداخل”.

ووفقا لمعلومات الكاتب، فإن: “البطالة الرسمية في السعودية تبلغ أكثر من 12 بالمئة، في حين أن توقعات صندوق النقد الدولي للنمو لهذا العام ليست سوى 1.9 بالمئة، وذلك على الرغم من أن ميزانية 2019 هي الأكبر على الإطلاق، وذلك لأن انخفاض أسعار النفط والاضطرابات في الخليج لم يكونا مواتيين”.

وأوضح، أن الاستثمار الأجنبي المباشر هو الآن أقل مما كان عليه قبل عقد من الزمن بنسبة 1: 12. ولفت إلى أن الشركات الكبرى متعددة الجنسيات تؤخر الاستثمارات المخططة بسبب ما يعتبرونه عدم استقرار المملكة وولي عهدها.

 

أضرّ بسوق العقار

وبخصوص قيمة العقارات، قال الكاتب: “شهدت الوضع الاقتصادي الكئيب انهيارا في قيم العقارات ومراكز التسوق الفارغة، حيث أن تكلفة المعيشة الهائلة تؤثر على الإنفاق الاستهلاكي. لقد كان إدخال ضريبة القيمة المضافة مساهما كبيرا في الضغط، حيث كبح الاستثمار التجاري السعودي. وقامت مجموعة واحدة كبيرة على الأقل بتعليق خطط التوسع بسبب ضريبة المبيعات”.

ونوه إلى أن: “مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ليست سوى فيل أبيض باهظ الثمن. علاوة على ذلك ، فإن محور رؤية 2030 لخطة ابن سلمان هو مدينة نيوم المستقبلية الجديدة، التي يبدو بشكل متزايد أنها تسير في طريق التطورات المماثلة التي اتبعها عم ولي العهد والملك السابق عبدالله”.

واختتم الكاتب مقاله بالقول: “لحسن الحظ بالنسبة إلى ابن سلمان، فإن الشعب السعودي، إلى حد كبير، لا يزال داعما، على الرغم من أن قياس مثل هذه المشاعر في بلد يخضع لسيطرة محكمة ليس بالأمر السهل. أحيانا ما تفيد وسائل التواصل الاجتماعي بشيء من التذمر والاستياء من سياساته الاقتصادية، خاصة تدابير التقشف، لكن يبدو أن الناس يرحبون بإصلاحاته الاجتماعية، حتى ضحايا عمليات التطهير ضد الفساد”.