مثلت المبادرة التي قدمتها السعودية في 22 مارس/آذار لإنهاء حرب اليمن تطورا حيويا نحو محادثات سياسية أوسع، ومسارًا محتملًا لإنهاء الصراع. فقد قدمت السعودية عدة تنازلات كخطوة لبناء الثقة من شأنها أن تدفع الحوثيين للموافقة على وقف إطلاق النار وبدء المحادثات. ومع ذلك، فإن تضارب المصالح الكثيرة يجعل صنع السلام في اليمن مشكلة معقدة تتجاوز استعداد طرف واحد لاتخاذ إجراءات.

وليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها السعودية لإيجاد حل للحرب في اليمن أو التواصل مع الحوثيين؛ فلطالما بحثت عن استراتيجية خروج مجدية بسبب تعثر موقفها السياسي والعسكري والوضع الإنساني المزري الذي أدى إلى إدانة واسعة للحملة الجوية التي تقودها السعودية.

وبالرغم من الحاجة الملحة لإنهاء الحرب، فإن توقيت هذه المبادرة المقترحة يضع السعودية في وضع غير مواتٍ بالنظر إلى عاملين مهمين.

أولا، فإن السعودية أصبحت في وضع دفاعي بعد وصول مقاتلي الحوثيين إلى المناطق الحدودية مع السعودية؛ لذلك ترسل مبادرة السلام رسالة مفادها بأن السعوديين خضعوا لهجمات الحوثيين على أراضيهم وعلى المدن اليمنية مثل مأرب، وتعز، والضالع، حيث تنتشر القوات التابعة لحكومة الرئيس “عبد ربه منصور هادي”، والتي تتكبد خسائر باهظة.

أما العامل الثاني فهو مطالبات إدارة “جو بايدن” بإنهاء الصراع في اليمن، والتي قد تعطي انطباعا بأن السعودية تتعرض لضغوط لتسريع انسحابها.

لكن القيام بانسحاب مفاجئ أو اتفاق سلام متعجل قد يخاطر بترك الحوثيين في وضع قوي يمكن أن يهدد بالمزيد من العنف وعدم الاستقرار.

وقدمت السعودية تنازلات مؤقتة للحوثيين للمساعدة في جلبهم إلى طاولة المفاوضات، بما في ذلك إعادة فتح مطار صنعاء الدولي والسماح بواردات الوقود والغذاء إلى ميناء الحديدة (غربي اليمن)، الذي يخضع لسيطرة الحوثيين.

ورغم أن هذه كانت متطلبات أساسية للحوثيين، فإنهم لم يتجاوبوا مع العرض، مبررين ذلك بضرورة رفع المملكة جميع القيود البحرية والجوية قبل المحادثات، وليس بعدها.

وفي الواقع، فإن التنازلات السعودية لا تكفي لدفع الحوثيين للموافقة على أي اقتراح سلام؛ لأنهم تمكنوا من إدارة عملياتهم السياسية والعسكرية بدرجة كبيرة من النجاح، ووسعوا سيطرتهم على المزيد من الأراضي اليمنية.

إضافة إلى ذلك، يحتاج أي اتفاق سلام مستدام إلى إدراج عنصر تقاسم السلطة بما يشمل الحوثيين، الذين يتمتعون بموقف عسكري مهيمن في الشمال، لكن الحوثيين لم يعربوا بعد عن استعدادهم لقبول فكرة تقاسم السلطة.

 

خطر إغفال مخاوف اليمنيين

ترجع بعض الإخفاقات في عمليات السلام اليمنية جزئيا إلى الجهود الدولية التي تتجاهل الديناميات الداخلية المعقدة وتخلق خيارات مبسطة لا تنسجم مع آراء شرائح واسعة من اليمنيين.

على سبيل المثال، فقد تم تشكيل عملية انتقالية في اليمن بعد الإطاحة بالرئيس “علي عبدالله صالح” في عام 2011، وتم تدشين مؤتمر للحوار الوطني. ومع ذلك، فشل المؤتمر في أن يضع في اعتباره ديناميات السلطة، وأغفل المخاوف الأساسية لليمنيين، والتي من بينها الشعور بعدم المساواة في تقديم الخدمات والتوزيع غير المتكافئ للسلطة.

كما لم يتمكن أعضاء مؤتمر الحوار الوطني من الحصول على قراءة جيدة عن ديناميات السلطة خارج غرفة المفاوضات، واختاروا استبعاد “صالح”؛ ما مثل فجوة كبيرة فتحت بوابة الصفقات الخلفية والتحالفات غير التقليدية، عندما توحد “صالح” مع الحوثيين.

وقد طغت حقائق ساحة المعركة في كثير من الأحيان على حقيقة أن أعدادا كبيرة من اليمنيين يرفضون الوقوع تحت سيطرة طرف غير حكومي يستخدم العنف لفرض مثل هذه السيطرة. وغالبا ما طغت مشاهد الدماء والدمار نتيجة التدخل السعودي، على العنف الذي يمارسة الحوثيون، لكن الحقيقة أن السكان الذين ليسوا تحت سيطرة الحوثيين خائفون من الوقوع تحت مثل هذا السيطرة.

فقد عانى العديد من اليمنيين تحت سيطرة الحوثيين؛ حيث أصبحت الحريات الدينية للسنة مهددة، وكذلك الأمر بالنسبة للبهائيين، واليهود، كما أصبحت حرية التعبير مقيدة بشدة.

وعلاوة على ذلك، تدهورت العلاقات بين الحوثيين والجهات الفاعلة المحلية، بما في ذلك القبائل في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين منذ عام 2014؛ مما زاد المعارضة ضد حكمهم.

وهكذا، من المرجح أن تؤدي خطة السلام المتعجلة والتي تعكس هيمنة الحوثيين على ساحة المعركة في الشمال، إلى جولة أخرى فاشلة من المفاوضات مماثلة لمحادثات السلام المتعجلة التي رعتها الأمم المتحدة في ستوكهولم في ديسمبر/كانون الأول 2018.

وكانت محادثات ستوكهولم مدفوعة بالرغبة الدولية في إيقاف هجمات مخطط لها من حكومة “هادي” والسعودية لاستعادة الحديدة؛ لكن هذه المحادثات أظهرت فجوات مثل إغفال توسع الحوثيين وعدم التزامهم بعناصر الاتفاقية التي لا تخدم قضيتهم، مثل رفع الحصار الحوثي عن تعز، والذي ظل قضية خلافية.

ولهذا السبب، يحتاج المجتمع الدولي والسعودية، وكذلك الحوثيين، إلى فهم أن حل الصراع اليمني يجب أن يأتي من الداخل.

 

الحل من الداخل

وقد ينعكس ذلك إلى حد ما في تفاصيل الاقتراح؛ حيث يبدو أن السعودية على استعداد لتوفير طاولة المفاوضات للأطراف المتحاربة، ومع ذلك، فإنه لا ينعكس في روح الاقتراح، لأنه لم يُطوّر بمساعدة الجماعات اليمنية، وبعضها يخشى أن تتجاهله السعودية.

تحتاج الحكومة السعودية إلى إعادة النظر في نهجها، مع التركيز أولا وقبل كل شيء على مساعدة حلفائها اليمنيين، بما في ذلك مجموعات المجتمع المدني والنساء والشباب، للاستفادة من رؤيتهم الخاصة لتقاسم السلطة مع الحوثيين والمصالحة الوطنية.

وسيتعين على المجتمع الدولي إدراك أن المصالح والتهديدات محددة بشكل مختلف لدى أطراف النزاع، وهناك شعور بالتهديد لدى جماعات يمنية، بما في ذلك حزب الإصلاح الإسلامي والمجلس الانتقالي الجنوبي، من استحواذ الحوثيين على العاصمة والمناطق ومراكمة النفوذ السياسي.

ويخشى هؤلاء أن تؤدي أي صفقة بين الحوثيين والسعودية إلى تركهم في وضع غير مستقر يحفز المزيد من الصراعات المحلية الأخرى التي يسهل على الحوثيين إشعالها ويصعب على المجتمع الدولي وقفها.

لقد كشفت تجربة اليمن مشكلة خطيرة في خطط السلام التي غالبا ما تصوغها الجهات الفاعلة الخارجية اعتمادا على حقائق ساحة المعركة. فقد أدت هذه الخطط في اليمن إلى استبعاد أصحاب المصلحة اليمنيين الذين يشعرون بالتهميش من قبل الديناميات الداخلية وجهود الوساطة الدولية، ويشعرون بالتهديد من عنف الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية.

لن تؤدي المبادرة السعودية الحالية، وكذلك نهج إدارة “بايدن”، إلى معالجة المستويات الخطيرة من العنف التي يواجهها الشعب اليمني بسبب توسع الحوثيين. وللتغلب على ذلك، تحتاج السعودية، بمساعدة الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية، إلى توسيع النقاش ليشمل حلفاءها اليمنيين المحليين.

وتحتاج المبادرة أيضا إلى أن تعكس حقيقة أن العديد من اليمنيين يخشون أن يقعوا تحت سيطرة الحوثيين وأن يخضعوا لرؤيتهم المقيدة لمستقبل اليمن.

وليس هناك شك في أن البحث عن نفوذ تفاوضي أمام الحوثيين هو تحد كبير؛ لكن الشمولية في التعامل مع المكونات اليمنية تضمن على الأقل أن تكون جهود صنع السلام على إلمام تام بالديناميات ووجهات النظر داخل اليمن، وهذه الشمولية تعزز فرص حل مستدام للنزاع المستمر في اليمن.