لم يأت تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم ) في عام ٢٠٠٩ كصدفة، بل كان نتيجة ممارسات مدنية وجهود فردية وجماعية تمت قبل تأسيسها. فقد اتفقت في عام ٢٠٠٣ مجموعات وطنية مختلفة على إصدار عدد من البيانات الإصلاحية كان أولها خطاب “رؤية لحاضر الوطن ومستقبله” الذي صدر في ٢٨ سبتمبر عام ٢٠٠٣ مطالباً بالملكية الدستورية، ومجلس شورى منتخب، و لحوار وطني مشترك، وبعد صدوره بثلاثة أشهر تقريباً، صدر البيان الأكثر أهمية وهو “نداء الى القيادة والشعب معاً: الإصلاح الدستوري أولاً” والذي تم على إثره تم اعتقال الثلاثي الاصلاحي، المرحوم الدكتور عبدالله الحامد، والمرحوم الأستاذ علي الدميني، والدكتور متروك الفالح، الذي يقبع حالياً تحت الاعتقال القسري بلا تهمة. قام الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالإفراج الفوري عنهم فور توليه الحكم، فهو الذي رحب ببيانهم بعبارته الشهيرة لهم: “رؤيتكم هي رؤيتي.”
في الثاني من فبراير من عام ٢٠٠٧، تم اعتقال بمن عرفوا لاحقاً إصلاحيي جدة العشرة، وهي مجموعة من الإصلاحيين والأكاديميين تعاهدوا على كتابة بيان إصلاحي أكثر جرأة وشمولية ويدعوا إلى المشاركة السياسية والسماح بالعمل المدني، لكن يد الغدر طالت هذه المجموعة وتم اعتقالهم بطريقة بشعة في مخالفة سافرة لقوانين نظام الإجراءات الجزائية التي تنص المادة الثانية فيه على “حظر إيذاء المقبوض عليه جسدیاً، أو معنویاً، كما يحظر تعريضه للتعذيب، أو المعاملة المھینة للكرامة.” تكونت هذه المجموعة النبيلة من الدكتور سعود الهاشمي، والمرحوم الدكتور موسى القرني، والدكتور عبدالرحمن الشميري، والقاضي سليمان الرشودي، والمحامي الأستاذ عصام بصراوي، والأستاذ سيف الدين الشريف، و الأستاذ عبدالرحمن بن صديق، والدكتور عبدالعزيز الخريجي، والأستاذ فهد الصخري. كان هذا الاعتقال مخيباً للآمال بعد تعهد الملك عبدالله بالإصلاح، لكن اتضح عندها أن هناك صراعات أجنحة داخل الأسرة المالكة بين الطرف الإصلاحي بقيادة عبدالله، و الطرف القمعي بقيادة المجموعة السديرية والتي كانت تتشكل من نايف وزير الداخلية، وسلطان وزير الدفاع في ذلك الوقت، وسلمان أمير الرياض حينها. تم ذلك على الرغم من أن المناخ العام تغير من الجو القمعي في عهد فهد إلى الحرية النسبية في المجال العام والصحافة في بداية عهد عبدالله، مع استمرار المخاوف من بطش الداخلية التي لم تكن مقتنعة بالمشروع الإصلاحي الذي يقوده عبدالله.
على إثر اعتقال إصلاحيي جدة العشرة، تم تكوين مجموعة دعاة العدل والشورى وحقوق الإنسان، وظفت هذه المجموعة نفسها للدفاع عن المعتقلين بشكل عام ومعتقلي جدة بشكل خاص، وأيضا مطالبتها بالملكية الدستورية في أكثر من بيان
تم صقل كل هذه الممارسات الإصلاحية عبر نقاشات مطولة ومستمرة إلى أن تم تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) على يد كل من: الشهيد والمرحوم الدكتور عبدالله الحامد، الدكتور محمد القحطاني، محمد البجادي، فوزان الحربي، عبدالرحمن الحامد، عبدالكريم الحضر، فهد العريني، محمد المحيسن، منها الفالح، وسعود الدغيثر، وعيسى الحامد.
تطور خلالها العمل الإصلاحي من مبادرات فردية، إلى عمل مدني جماعي لديه رؤية واضحة حول الأهداف الإصلاحية وهي الملكية الدستورية كنظام سياسي يحدد العلاقة بين الأسرة الحاكمة وبين الشعب. خلال سنوات التأسيس الأولى دشنت حسم بيانات ومطالب جوهرية مثل إصلاح القضاء ومكافحة الفساد، وإغلاق جهاز المباحث السياسي، ومحاكمة المعتقلين تعسفاً وإطلاق سراحهم.
أكدت حسم على حضورها الاجتماعي الشعبي عندما حلت كارثة سيول جدة للمرة الأولى عام ٢٠٠٩، مطالبة بفتح تحقيق حول الفساد السياسي المتسبب في الكارثة. كما طالبت أيضاً بالسماح للشعب بإقامة مظاهرة سلمية للتضامن مع فلسطين، لكن تم رفض هذه المبادرة من خلال اجتماع مع وكيل وزارة الداخلية مع ممثلي حسم.
مسيرة حسم لا يمكن أن تختصر في مقال سردي، لكن هذا المقال يحاول أن يتناول ملامح أولية لتأسيسها. لكن أهم نقطة أود الإشارة لها أن الإصلاح السياسي في مجمل التجارب المتنوعة يتم عبر العمل الجماعي التوافقي بين مجموعة لديها نفس القيم السياسية والرؤية الموحدة حول مستقبل الوطن ومشاكله الحقيقية، وهذا ما تجلى في تكوين حسم، حيث اختلفت مشارب وخلفيات المؤسسين، إلا أن الهم الوطني والإصلاحي جعلهم يتجاوزن الأطر الفكرية والشخصية و ينصهرون في قالب عمل مدني أقلق أجهزة القمع على رئسها وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، الذي من المفارقات أنه يعاني من القمع حالياً.
حتمية العمل الجماعي الإصلاحي هو المسار الوحيد والواقعي للعمل الوطني الإصلاحي، عبر بسط الأفكار والمشاريع على طاولة حوار بين أبناء وبنات الوطن، والدفع نحو نقاش أكثر حيوية وواقعية، و الانفتاح على خوض التجربة تلو التجربة، وتصحيح الأخطاء، وتشكيل مناقشات مستمرة ومراجعات نقدية حول الإخفاقات قبل النجاحات.
عندما التقى الإصلاحيين فوزان الحربي ومحمد البجادي مع المرحوم الدكتور عبدالله الحامد أبو بلال لأول مرة كان هناك فرق أربعة أجيال بين الجيلين، لكن هذا لم يمنع من الانصهار في قالب تجربة مدنية والعمل معاً. وهذا أيضا ما دفع الدكتور محمد القحطاني الذي كان يعمل في المعهد الدبلوماسي كأستاذ ومستشار في وزارة الخارجية للعمل مع المجموعة الإصلاحية من باب الوعي السياسي والحرص على حاضر ومستقبل الوطن. يطول عرض مواقف آثر فيها أعضاء حسم سلامتهم واستقرارهم الذاتي على الخوض في الذود عن الوطن ضد دولة القمع.
هذه المجموعة الصغيرة العدد جداً، كانت كبيرة جداً في المسار التاريخي للإصلاح السياسي، لقد فكرت بصوت مسموع حول مخاطر القمع وضرورة العمل لأجل مستقبل الوطن. أفكار الإصلاح السياسي لازالت حية في وجدان أبناء الوطن، حتى ممن لا يرى في نفسه أنه إصلاحي، لكن مجرد الاحتراق الداخلي لحال الوطن هو حالة إصلاحية صحية تدل على رشد الشخص ونبله ويقظة حسه نحو الوطن.
اليوم أصبح الاستبداد المطلق هو الأعلى صوتاً، وكما قال أبو بلال ذات مرة: النهر يحفر مجراه. ولابد لهذا النهر من أن يزيح أنظمة الطغيان والاستبداد.
إلى نبلاء حسم، نحن ندين لكم بالجميل الذي لا ينسى، أسمائكم وبياناتكم لا زالت معالم شاخصة في الذاكرة الوطنية أكثر من اليوم الوطني، أو اليوم الذي يسمونه بيوم التأسيس. تضحياتكم و ومبادراتكم هي أكثر واقعية ومصداقية لدى عامة الشعب، فهي إرث حضاري مدني نعتز به للأبد. كنتم، ولازلتم، الشجعان الذين مثلوا هموم الوطن في الوقت الذي لم يستطع أحد مواجهة الطغيان السياسي الذي سوف يرحل، وتبقون أنتم للأبد.