تكشف التطورات الإقليمية وحملات التراشق الإعلامي الأخيرة انهيار تحالفات محمد بن سلمان وخذلان أقرب حلفائه له بما يعكس تخبط ولي العهد وفشل رهاناته.

ومنذ سنوات لجأ محمد بن سلمان إلى تحالف رباعي جمعه مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان وملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

ومثّل هذا التحالف الرباعي “محور الشر” في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وساهم في وأد أحلام شعوب واعتقال وقتل الآلاف وتدمير بلدان، حتى آن الأوان اليوم لانتهاء التحالف، بعد تصدّع العلاقات بينهم وبروز أكثر من نقطة خلاف في ملفات شتى.

إذ شهدت الأيام الماضية تراشقات متبادلة بين وسائل إعلام وأقلام كبيرة مصرية وسعودية، كشفت حجم الخلاف الذي يعصف برموز النظامين.

وقبل ذلك كانت خلافات بن زايد وبن سلمان قد طفت للسطح، لتؤتي مؤشرات واضحة على تصدّع في أركان مثلث الشر.

وقد بدأت التصريحات السعودية من القمة وبدون تدرّج، حيث أكّد وزير المالية أن “زمن المساعدات المالية غير المشروطة ولّى” في إشارة واضحة للسيسي الذي اعتاد الاعتماد على مساعدات الخليج وعدم إرجاعها.

تزامن مع ذلك انتقادات مباشرة وجّهها كبار كتاب الديوان الملكي مثل: تركي الحمد وخالد الدخيل اللذان انتقدا صراحة حكم العسكر وأنه سبب دمار الدول وخرابها.

ليردّ الإعلام المصري برئيس تحرير صحيفة حكومية بوصف المملكة بـ “الحفاة العراة”. ويتناوب الذباب الإلكتروني لنظامي البلدين بتبادل السب والشتم والقذائف.

الإمارات دخلت على الخط مباشرة، عبر مستشار بن زايد غير المعلن (عبد الخالق عبد الله) الذي أعلن عن انتهاء التحالف الرباعي بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين.

وفي محاولة لإخفاء حقيقة الخلاف أو التقليل من شأنه، حذف عبد الخالق عبد الله تغريدته وكذلك تركي الحمد وخالد الدخيل وهدّأ إعلام السيسي حدّته قليلًا، بل أطل السيسي بنفسه متحدثًا عن أواصر المحبة بين الأشقاء.

ولكن…هل بقي تحالف الشر متماسكًا، وهل يمكن حل الخلافات بتصريحات إعلامية؟!. المتتبّع لمسار العلاقات بين أركان تحالف الشر يجد خلافات في أكثر من صعيد.

السيسي مثلًا لم يرجع عشرات المليارات التي أخذها كودائع، بل وفُوجئ بمطالبة الرياض بسداد الديون القديمة المستحقة لشركة “أرامكو” السعودية للنفط قبل سنوات والتي كان يعتبرها منحة، حسب موقع ميدل إيست مونيتور.

ورغم عدم توفية السيسي لمستحقاته للمملكة، إلا أنه استمر بمطالبة المزيد باعتباره “حقًا” لقاء دوره في محاربة الإسلام السياسي.

إلا أن سياسة المملكة المالية الجديدة بشأن المنح والودائع أغضبته، وقد يكون ذلك وراء عدم تسليم جزيرتي صنافير وتيران للمملكة رغم وجود اتفاق بضمان أمريكي!

ملف الاستثمارات السعودية في الأصول المصرية أثار حساسية وخلافًا بين الجانبين.

فبينما تريد المملكة توسيع نفوذها الاستثماري (بشروطها) عبر الاستثمار المباشر والاستحواذ على أصول وممتلكات الدولة.

فإن هذا سيقلّص مكاسب عسكر مصر المتغوّلين في كبرى المشاريع وقد يقودهم لصدام مع السيسي.

أما خلاف ابن سلمان وابن زايد فأصبح حديث المحللين ووكالات الأخبار.

وانفجرت تداعياته للعلن في أكثر من مناسبة خصوصًا العام الماضي عندما علّقت المملكة السفر من وإلى الإمارات، وحدّدت دخول البضائع الإماراتية للمملكة بقوانين فُصّلت على مقاس المنتجات الإماراتية.

تضارب المصالح في أوبك+ فجّر خلافات عميقة، فالإمارات عارضت علنًا خطط المملكة ورغبتها في الاستفراد بقرار المنظمة لمصالحها السياسية.

ويؤكد المراقبون أن الإمارات تسعى لمزاحمة السعودية على قيادة منظمة أوبك وتبوّء دور أكبر من المُعطى لها.

تباين مواقف البلدين في ملف حرب اليمن ساهم في تصعيد الخلف.

فبينما سحبت الإمارات قواتها من التحالف عام 2019 (بدون سابق إنذار) بعد أن بسطت نفوذها على مناطق اليمن الغنية، وأنشأت ميليشيات موالية لها على الأرض، تاركة المملكة تواجه لوحدها صواريخ الحوثي وهجماته!

وما إعلان تشكيل وحدات عسكرية جديدة في اليمن باسم “درع الوطن” (بتمويل وإشراف وتسليح سعودي) إلا خطوة جديدة من الصراع المحتدم بين ابن سلمان وابن زايد، ومحاولة لكبح جماح ابن زايد وميليشياته وتقليص نفوذه في اليمن.

ملف العلاقات مع إيران شهد تباينًا هو الآخر، ففي الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات بين المملكة وإيران، بحثت الإمارات عن مصالحها الخاصة فقط واستمرت في تبادلاتها التجارية لأعلى مستوى، كما قررت فتح صفحة جديدة من العلاقات مع طهران، وتم تبادل الزيارات على أعلى المستويات.

وبرز خلاف المقرات الإقليمية الذي تسعى الرياض لسحب بساطه من الإمارات، بمطالبتها كبرى الشركات العالمية بنقل مقراتها للرياض كشرط لمزاولة أعمالها في المملكة، كما عدّلت المملكة من التعرفة الجمركية في مناطق التجارة الحرة، واستهدفت البضائع المنتجة في إسرائيل، لتنافس اقتصاد جارتها.

قد يتم تلافي إعلان تفكّك تحالف الشر الرباعي رسميًا بتصريحات وتحركات دبلوماسية محدودة، إلا أن تصدّعه بات واضحًا!

وستشهد المرحلة المقبلة تحالفات جديدة رسمت خطوطها العريضة القمة الصينية الخليجية التي غاب عنها بن زايد، ومن ثم عدم دعوة بن سلمان لقمة أبو ظبي التشاورية.