توقع موقع إيران دبلوماسي تحسن العلاقات بين إيران والسعودية في المستقبل القريب، وسط محادثات تجرى بين الطرفين بوساطة عراقية.

واستضافت العاصمة العراقية بغداد خمس جولات من مباحثات مباشرة بين مسؤولين من السعودية وإيران، دون الإعلان عن نتائج واضحة حتى الآن.

وتهدف المحادثات إلى إنهاء قطيعة دامت نحو 6 سنوات بين البلدين إثر اعتداءات تعرضت لها سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد.

وقال الكاتب رامين فخاري: “انتشرت في الأشهر والأسابيع الأخيرة أخبار مختلفة مبنية على المساعي الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية للتصالح مع إيران”.

 

أسباب المساعي

بصرف النظر عن تفاصيل هذا الأمر، إلا أنه يمكن الإشارة إلى عدة أسباب قد تدفع السعودية إلى تحسين العلاقات مع إيران.

اولا: احتمال وفاة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز مما يؤدي إلى حدوث فراغ بالسلطة، يزيد من ضعف ولي العهد وخلفه المحتمل محمد بن سلمان.

وقال الكاتب: “ابن سلمان ضعيف أمام منافسيه؛ وبوفاة الملك السعودي ستزداد النزاعات على السلطة وسيضعه هذا الأمر في خطر”.

وأردف: “يجب التركيز على هذا الأمر بحيث بعد وفاة الملك الفعلي، ستكون إيران من بدائل ابن سلمان وبإمكانها أن تدعم حكومته الضعيفة حديثة العهد التي ستواجه تحديات جادة”.

مما لا شك فيه أن هذه المسألة ستحدث في حال أرادت إيران ألا تتخذ موقفا هجوميا تجاه الملك الجديد حينها ابن سلمان، ويجب وجود ضمانات في العلاقة تضمن عدم تغيره بعد الجلوس على عرش السلطنة.

ثانيا: الهزائم المتتابعة للسعودية في اليمن وسائر الأماكن في المنطقة، وهزائم القوات الموكلة عن المملكة في سوريا، وفق الكاتب.

وبين أن “هذه الأمور جعلت السعودية في موضع ضعف بشكل فعلي على مستوى المنطقة، وبناء على السبب الذي سيلي ذكره في النقطة التالية فإن المملكة مضطرة إلى الاعتراف الرسمي بإيران بوصفها قوة إقليمية”.

ثالثا: انسحاب واشنطن من المنطقة وترك السعودية دون دعم أحد الأسباب التي جعلتها تتجه إلى تحسين العلاقات مع إيران.

رابعا: احتمالية وقوع حرب على المستوى العالمي، خاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022.

وبين الكاتب أن الغزو الروسي يمكن أن يسحب العالم نحو فوضى سياسية كما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا الوضع يجب الأخذ في عين الاعتبار احتمال النزاع الأميركي في جبهة شرق أوروبا وجنوب بحر الصين.

فمن البديهي أن أميركا تتوجه من الشرق الأوسط إلى الأنحاء السابق ذكرها، وفق تقدير الكاتب.

وفي النهاية تخشى السعودية هذا الأمر؛ لأنه في ظل هذه الأوضاع إيران أو “محور المقاومة” ستفتح الجبهة ضد المملكة، كما قال.

وبين أنه “للحفاظ على نفوذ عائلة آل سعود لا بد من مد يد الصداقة نحو إيران”، وفق تقديره.

خامسا: ظهور شريك وحليف مشترك لإيران وهو الصين خلال السنوات الأخيرة.

وبين الكاتب أن الصين أصبحت أكبر مشتر للبترول الإيراني والسعودي مما تسبب في ارتباط مصالحهما ببعضهما البعض بشكل غير مباشر.

وعملت الصين بوصفها عاملا غير مباشر على تقليل الخلافات بين إيران والسعودية، لأنها بحاجة إلى مصادر طاقة كلا البلدين، ولن تستفيد من زيادة الخلافات بينهما.

 

مستقبل النزاع

يتساءل الكاتب قائلا: لكن موقفنا تجاه المملكة العربية السعودية: كيف يمكن أن يكون؟

الموقف الأول يمكن أن يكون بهذا الشكل وهو أن الخلاف بين إيران والسعودية غير قابل للحل، ومستمر، وستكون نتيجة الأمر استمرار وضع الفوضى السياسي الموجود في المنطقة.

يرى بعض المحللين (وخاصة الذين لهم دوافع عرقية شديدة أو محبي الوطن والبعض من القوة المتطرفة) أن الحرب بين إيران والسعودية مدنية متحضرة وغير قابلة للحل، وربما يكون هذا الأمر صحيحا من خلال نظرة معينة.

إذ إن التعارض الحضاري بين إيران والسعودية من الممكن أن يستمر لقرون كثيرة، لكن يجب وضع هذه المسألة في موضوع بحث.

فعلى الرغم من التشيع والتسنن أو الإيرانية والعربية، هناك عدة عوامل تتحكم في الاختلاف الحضاري بين إيران والسعودية، وفي الوقت نفسه توجد مجالات كثيرة للصداقة بين البلدين.

على سبيل المثال كلا البلدين عضو في مجتمع كبير يسمى العالم الإسلامي، ومن الممكن أن يحدث تفاهم في هذا الشأن ويصبح بإمكانهما تجنب التيارات المتطرفة بين الشيعة والسنة، بحسب ما ذكر الكاتب.

الأمر الثاني هو أن البلدين يصدران البترول وتسبب هذا الأمر في تطور الخلافات بين البلدين، لكن في الوقت الحالي من الممكن أن يكون سلاحا ذا حدين.

فكلا البلدين يمكن أن يضعا الخلافات وحروب الوكالة جانبًا لتأمين مصالحهما.

وللتأكيد على هذا الموضوع يجب الإشارة إلى أن العامل الاقتصادي في أي مكان في العالم من الممكن أن يجعل كل الخلافات تُودَع جانبا.

فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأميركية أثناء الحرب العالمية الثانية شنت قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وجرى وصفها بأنها تفجيرات أمريكية راح ضحاياها مئات الآلاف من اليابانيين.

وكذلك ألمانيا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية كانتا تعارضان بعضهما البعض، وكذلك برلين وموسكو قتلتا الملايين من البلدين، لكنهما الآن تربط بينهما أفضل العلاقات الاقتصادية.

في العالم اليوم عامل الاقتصاد هو المتحكم في كل مكان، وهو الذي منع فرض التجارب التاريخية المريرة على الزمن الحالي.

هذه المسألة أيضا يمكنها أن تكون نموذجا مطلوبا في حال تعديل سلوك السعودية للعلاقات القادمة بينها وبين إيران.

وتابع الكاتب قائلا: هناك أمر آخر يجب الإشارة إليه هو أن لجرائم المملكة العربية السعودية في حرب اليمن أبعادا متوسعة، لكن في حال أن دول المنطقة تسعى نحو تحسين العلاقات مع إيران، فمن الممكن في المستقبل على الأقل منع ظهور فجائع مثل حرب اليمن وأزمة سوريا.

وكما أن حرب اليمن والسعودية ليس لها فائز، وكلا الطرفين عانى من الخراب والدمار طوال السنوات الأخيرة، فإن استمرار الجدال غير المباشر بين طهران والرياض لم يحظ نتيجة مقبولة لدى الطرفين.

وقد عمل النزاع فقط على تقوية موقف النظام الصهيوني، وأدى إلى تحليل طاقة إيران والسعودية لكبح جماح بعضهما البعض، يقول الكاتب.

والأمر الأخير هو أنه في المناطق التي لا توجد فيها إيران من الشرق الأوسط، ستوجد إسرائيل.

إذن الخيار الدبلوماسي فائز بالنسبة لإيران لأن تحسين العلاقات سيمنع التوسع الأكبر لنفوذ إسرائيل في السعودية وتكرار تجارب إقليم كردستان العراق وجمهورية أذربيجان.

واختتم الكاتب مقالته قائلا: لكن كل الظروف والأمور سالفة الذكر تنطبق عند وجود نية لدى ابن سلمان.

فبعد تحسن الأوضاع والعبور من الوضع الحالي الخطير من المفترض ألا يسعى نحو زيادة التنافس الإقليمي مع إيران ويكرر التاريخ، ويجب أن يكون له رغبة ثنائية لإقرار السلام طويل الأمد بين البلدين، كما قال.