يطارد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المال السعودي مقابل تسليح المملكة وبيع الوعود التي بدت مع الزمن “فارغة المعنى”، ويعمل بشتى الطرق على تحقيق أكبر ابتزاز للحصول على مزيد من المال.
ويعرف ترامب كرجل أعمال جنى المليارات قبل أن يصبح رئيساً من أين تؤكل الكتف بشكل عام، والكتف السعودية بشكل خاص، على ما بدا خلال سنوات رئاسته، حيث حرص دائماً على الطلب من الرياض بمزيد من المال، ونجح في توقيع صفقات بنحو 420 مليار دولار.
واستغل الرئيس الأمريكي الأحداث في الشرق الأوسط، وحرب اليمن التي تقودها السعودية، وخلافات الأخيرة مع إيران، فرصة من أجل الضغط بشكل مباشر وغير مباشر لرفد خزينة بلاده بالمال، وفي المقابل لم يحقق ما تريده الرياض بحماية أرضها، وفشلها في الرد على الاعتداءات التي تعرضت لها من قبل الحوثيين وإيران.
اتفاق الحماية
أمريكا والسعودية بينهما اتفاق يسمى “اتفاق كوينسي”، تم التوصل إليه في 14 فبراير 1945؛ بين الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وكان من المقرر أن يدوم هذا الاتفاق 60 سنة، وتم تجديده لنفس المدة في 2005، من قبل الرئيس جورج دبليو بوش.
وأهم ما جاء في هذا الاتفاق هو توفير الولايات المتحدة الحماية اللا مشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة ضد أي تهديد خارجي، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تستحقها الولايات المتحدة، دون أن تعطي حق الملكية لأي جزء من أراضي المملكة، والشركات المتعاملة تقوم فقط باستئجار الأراضي التي تعمل فيها.
تعتبر أمريكا بموجب هذه الاتفاقية ملزمة بحماية السعودية، أو بشكل أدق ملزمة بحماية آل سعود، وبموجبها لم يجد ترامب حرجاً في استنزاف أموالها، إلا أن الأخير بدا لا يحفظ إلا بنداً واحد فقط من بنود هذه الاتفاقية؛ وهي “ضمان السعودية لإمدادات الطاقة”، بل زاد عليها بنوداً أخرى فرضها عليهم وقدّرها بمليارات الدولارات خلال خطاباته التي أهانهم فيها عدة مرات.
وما جاء في خطابات ترامب المتكررة بمنزلة إعلان أمريكي رسمي عن انتهاء مرحلة “النفط مقابل الحماية”، والإقرار بأمر واقع جديد هو حرية التصرف الأمريكي بكل النفط السعودي، ودفع ما تطلبه واشنطن من أموال مقابل الحماية.
المال مقابل الحماية
وبين الحين والآخر يخرج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتصريحات مثيرة حول الحماية التي توفرها بلاده لدول الخليج مقابل المال.
وبرز من بينها التصريحات التي أدلى بها في شهر مايو الماضي، عن حماية بلاده للسعودية، حيث قال في خطاب أمام تجمع لأنصاره في ولاية فلوريدا: “إن دولاً مثل السعودية غنية جداً وليس لديها شيء سوى المال، فأعتقد أن بإمكانهم دفع المال مقابل الدفاع عنهم”.
وتابع: “هناك الكثير من الدول التي ندافع عنها وليس من العدل أن يدفعوا ثمناً قليلاً، ولكنهم سيدفعون؛ فهم يشترون كمية كبيرة من المعدات مقابل 450 مليار دولار من بلادنا”.
وأضاف: “نحن ندافع عن الكثير من الدول الغنية وهم لا يحترموننا حتى. بصراحة حينما أطلب منهم يدهشون ويقولون إنه لم يسبق أن طلب منهم ذلك (..) لا يقولون ذلك بالمعنى الحرفي، فهم أذكياء، ولكن يمكنك أن تشعر بذلك من نظرتهم”.
وكان ترامب قال في تجمع بولاية ويسكونسن (شرقي أمريكا)، أواخر أبريل الماضي، إنه اتصل بالملك سلمان وقال له: “أيها الملك، لقد أنفقنا الكثير ونحن ندافع عنك، وأنت تملك الكثير من المال”، حينها قال ملك السعودية: “لكن لماذا تتصل بي؟ لا أحد أجرى معي اتصالاً كهذا في السابق”، فقال ترامب: “هذا لأنهم كانوا أغبياء”.
ومضى الرئيس الأمريكي بالقول: “السعودية دولة ثرية جداً، ندافع عنها ونقوم بتمويلها. ليس لديها سوى النقود، وهي تشتري الكثير منا، هناك أشخاص يريدون مقاطعة السعودية، لا أريد أن أخسرها”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يكشف فيها ترامب تفاصيل مكالمات مع الملك سلمان؛ فقد تحدث عدة مرات، في تجمعات سابقة العام الماضي، عن تفاصيل اتصاله بملك السعودية، ومطالبته بدفع مزيد من الأموال نظير الحماية الأمريكية لبلاده.
ففي تجمع بولاية فرجينيا، في 29 سبتمبر الماضي، قال ترامب إنه تحدث مطولاً مع الملك سلمان، وقال له: “ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك؛ لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب أن نحصل عليه”.
مطالبات قديمة
ورغم أن ترامب يطالب السعودية بـ”الدفع مقابل الحماية”، فإن هجمات أرامكو الأخيرة أبعدت حجة حمايتها من الخطر الإيراني، بعد تأكيد الرياض أن القصف قد تم بأسلحة إيرانية ومن خارج اليمن.
في 2015، غرد على صفحته في “تويتر”، أي قبل وصوله إلى البيت الأبيض: “إذا كانت السعودية التي تدر مليار دولار كل يوم من النفط تحتاج إلى مساعدتنا وحمايتنا فإن عليهم أن يدفعوا ثمناً كبيراً. لا فطائر مجانية”.
وقبل ذلك بعام قال: “إن على السعودية إما أن تقاتل في حروبها بنفسها (ولن تفعل)، أو أن تدفع لنا ثروة طائلة لحمايتها وحماية ثرائها؛ تريليون دولار”.
أموال بلا حماية
“ثمن الحماية” عبارة لا تفارق لسان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خلال خطاباته مع قادة السعودية، في ابتزاز علني وفاضح لاستنزاف أموال بلاد النفط.
لكن الأحداث المتتابعة على مدار الأشهر الماضية أثبتت فشل ترامب في تحقيق تلك الحماية، وأن كل الأموال المدفوعة ذهبت هباء؛ المجال الجوي مكشوف ومهدد ومياههم الإقليمية مخترقة.
وكانت أكبر ضربة تعرضت لها الرياض هي قصف استهدف منشآت تابعة لشركة أرامكو النفطية السعودية، منتصف سبتمبر الجاري، وتسبب في إيقاف نصف اإنتاج النفط بالمملكة.
ترامب والمال السعودي
ورغم فشل واشنطن في حمايتها، خرج ترامب في تصريح جديد للصحفيين عقب الحادث يبتز مجدداً المملكة، وقال فيه: “أعتقد أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على السعودية في الدفاع عن نفسها، وإذا كانت هناك حماية منا للسعودية فإنه يقع على عاتقها أيضاً أن تدفع قدراً كبيراً من المال، أعتقد أيضاً أن السعوديين يجب أن تكون لهم مساهمة كبيرة إذا ما قررنا اتخاذ أي إجراء، عليهم أن يدفعوا، هم يفهمون ذلك جيداً”.
بيع الأسلحة
كما أن أمريكا تعد الدولة الأولى في العالم بيعاً للسلاح للسعودية، حيث بلغ حجم صادرات السلاح الأمريكي إلى السعودية، من 2015 وحتى 2017، أكثر من 43 مليار دولار، وشملت معدات وأسلحة عسكرية ومروحيات وسفناً حربية ودبابات “آبراهامز”، إضافة إلى طائرات حربية.
وفي مايو 2017، قال ترامب إنه تم عقد اتفاقيات وصفقات تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار بين الولايات المتحدة والسعودية.
وخلال الأشهر الأولى من 2018، بلغ حجم صفقات السلاح من الولايات المتحدة للسعودية قرابة 3 مليارات دولار.
وفي العام 2018، باعت إدارة ترامب شحنات للسعودية عبارة عن قنابل وصواريخ بقيمة 561 مليون دولار، وكذلك عربات مصفحة، وقطع غيار بقيمة 503 ملايين دولار، بالإضافة لقطع غيار لصيانة المقاتلات؛ مثل “أباتشي” و”بلاكهوك” و”إف 15″، بقيمة 552 مليون دولار، وهي المقاتلات التي تستخدم في الحرب باليمن.
البعبع الإيراني
ويؤكد الخبير العسكري اليمني محمد النوبي، أن الرئيس الأمريكي ترامب يستخدم الورقة الإيرانية لابتزاز السعودية.
وقال: “دائماً ما يستخدم البعبع الإيراني ليخيف به دول الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد السعودية، لجلب المزيد من الأموال وضخها في الاقتصاد الأمريكي”.
وتابع: “الرئيس ترامب أكد في العديد من المرات أن على السعودية أن تدفع تكاليف حماية أمنها الداخلي، فهو يحاول أن يدعم اقتصاد بلاده من خلال صفقات الأسلحة التي يجريها مع دول المنطقة؛ من خلال ابتزاز السعودية بالورقة الإيرانية”.
ونبه النوبي إلى أن “دفع السعودية المزيد من الأموال للقوات الأمريكية لغرض وقف النفوذ الإيراني لن يزيد الأمريكان إلا تمسكاً بهذه الورقة، بل وتعظيم مخاطرها في المستقبل”.