رغم تكشف أنباء الحراك الدبلوماسي الذي شهدته سلطنة عمان بين ممثلين عن جماعة الحوثي ومسؤولين أمريكيين لإنهاء الحرب، فقد أتبعه تكثيف المليشيا لهجماتها على السعودية، في محاولة منها لفرض شروطها في أي مفاوضات قادمة.

ومنذ إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلغاء تصنيف جماعة الحوثي إرهابية، مطلع فبراير 2021، تتعرض مناطق عدة في السعودية باستمرار لهجمات بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة مفخخة تطلق من اليمن باتجاه مطاراتها ومنشآتها النفطية.

ويحاول الحوثيون استثمار المناخات المتاحة لتحقيق أي تقدم عسكري أو سياسي يصب في مصلحة الجماعة، ففي الوقت الذي تسعى فيه أمريكا لخلق مناخ تهدئة نحو الجماعة يحاول الحوثيون استغلال هذه الفرصة، كما يسعون لمعرفة السياسات الأمريكية الجديدة، واكتشاف نقاط قوتها وضعفها للاستفادة منها في أي مفاوضات قادمة.

 

هجمات لا تتوقف

لا يمر يوم إلا والحوثيون يشنون هجمات مكثفة على السعودية، كان آخرها مساء الـ7 من مارس 2021، حيث أعلنت السلطات السعودية أن “إحدى ساحات الخزانات البترولية، في ميناء رأس تنورة في المنطقة الشرقية (من أكبر موانئ شحن البترول في العالم) قد تعرضت لهجوم بطائرة مُسيرة دون طيار، قادمة من جهة البحر”.

وأضاف المصدر أن “شظايا صاروخٍ باليستي سقطت بالقرب من الحي السكني التابع لشركة أرامكو في مدينة الظهران (شرق)، الذي يسكنه الآلاف من موظفي الشركة وعائلاتهم، من جنسيات مختلفة”.

وفي ذات اليوم أعلنت مليشيا الحوثي اليمنية استهداف منشأة تابعة لشركة أرامكو، وأهداف عسكرية في السعودية، بـ14 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليستية.

وأوضح بيان صادر عن الحوثيين أن “العملية استهدفت شركة أرامكو في ميناء رأس التنورة (شمال شرق)، وأهدافاً عسكرية بمناطق الدمام (شرق) وعسير وجيزان (جنوب غرب)، وكانت الإصابات دقيقة”.

ومنذ فجر ذات اليوم أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية، في بيانات متتالية صادرة عن ناطقه الرسمي تركي المالكي، اعتراض وتدمير 12 طائرة مسيرة مفخخة خلال ساعات النهار، أطلقها الحوثيون باتجاه السعودية.

 

موقف واشنطن

الولايات المتحدة بدورها لم يكن لها أي دور باستثناء التنديدات المتكررة، بعدما خرج متحدث باسم الخارجية الأمريكية مندداً بالهجمات الحوثية الأخيرة على السعودية ووصفها بأنها “غير مقبولة وخطيرة”.

ونقلت قناة “الحرة” الأمريكية عن المتحدث الذي لم تذكر اسمه قوله إن الهجمات الأخيرة “غير مقبولة وخطيرة، وتعرض حياة المدنيين الأبرياء للخطر، بمن فيهم الأمريكيون”.

وأضاف: “ما زلنا نشعر بالقلق من تواتر هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية”، مشيراً إلى أن “هذه الهجمات المتصاعدة ليست تصرفات مجموعة جادة في السلام”.

ولاحقاً، أدان المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، الهجمات الحوثية الأخيرة على السعودية، وقال إنها غير مقبولة، واصفاً التصعيد بـ “الخطير”.

وأعرب كيربي عن قلق البنتاغون من الهجمات المتكررة التي يقوم بها الحوثيون ضد المملكة، وقال إن هذه الممارسات “لا تقوم بها مجموعة تملك رغبة جدية لإحلال السلام”.

كما قالت السفارة الأمريكية بالرياض، في بيان نشرته على صفحتها بـ”تويتر”: “تقف الولايات المتحدة إلى جانب المملكة العربية السعودية وشعبها، إن التزامنا بالدفاع عن المملكة وأمنها أمر ثابت”.

وغالباً ما تخرج الإدارة الأمريكية الجديدة ببيانات تؤكد بين الحين والآخر رفضها لأي هجمات ضد حليفتها السعودية، وتؤكد أنها معنية بحمايتها.

 

إظهار قوة الحوثي

يعتقد المحلل العسكري والاستراتيجي الدكتور علي الذهب، أن التصعيد الحالي لمليشيا الحوثي “لا يرتبط فقط بمحاولة الولايات المتحدة الدفع بعملية السلام في اليمن إلى خطوات أكثر إيجابية وفاعلية، بل بمحاولة المليشيا إظهار قوتها”.

ويوضح لـ”الخليج أونلاين” قائلاً: “تصعيدهم في الوقت الراهن ينطلق من قربهم من العام السابع للحرب (27 مارس) وهم يحاولون أن يُظهروا أنفسهم بأنهم في قوة أو موقع قوي أكثر مما كانوا عليه، وأن السنوات الست الماضية لم تأخذ من قوتهم شيئاً”.

ويضيف: “المسألة الأخرى هي أنهم لا يريدون السلام، لأن السلام معناه انكشاف حقيقتهم وحجمهم أمام الشعب اليمني في حال حدث حل حقيقي للسلام، حيث سيتحولون إلى منبوذين وسط هذا الشعب، لأن اليمنيين خلال ست سنوات تراجعت قدراتهم وطاقتهم وصبرهم على تحمُّل تكاليف الحرب سياسياً واجتماعياً ومادياً واقتصادياً”.

ويرى أن جماعة الحوثي وجدت في هذه الحرب “مُتَّسعاً لبناء قوتها، وتحقيق مكاسب كثيرة على مستوى الجماعة”، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن إيران “لا تريد أن يحل السلام في اليمن، لأن الأزمة اليمنية هي أحد أهم الملفات الساخنة بالمنطقة والتي تناور بها في سبيل الخروج بالملف النووي إلى بر الأمان”.

وتابع حديثه عن طهران: “هم الآن يفاوضون ويناورون بهذه في سوريا وبالعراق، ولكن في اليمن بشكل أكثر للخروج بمشروعهم النووي إلى بر الأمان، ولذلك لا يريدون السلام”.

ويؤكد أن أي محاولة لأمريكا للضغط على الحوثي أو على إيران أو على السعودية لإحلال السلام، “معناها إبقاء فقط الخطوات الإيرانية في تحوُّل إيران إلى دولة نووية”.

وأضاف: “طالما وافقت السعودية على أن يكون للحوثيين دور فاعل ورئيس في اليمن، فأعتقد أنها أخطأت بشكل كبير بحقها وبحق مستقبلها السياسي وبحق أمنها القومي السياسي والاقتصادي وبحقها الوجودي، وعلى وجه الخصوص الأسرة السعودية الحاكمة، فهي تضع قدرها ومصيرها على حد سيف الحوثيين وعلى ما سيملكونه في المستقبل من قوة تطيح بهم”.

 

تصعيد ولقاءات سرية

التصعيد الحوثي لم يكن فقط بالهجمات على السعودية، بل رافقه هجوم كبير على محافظة مأرب الواقعة تحت سيطرة الحكومة المدعومة من الرياض، منذ مطلع فبراير 2021، وسط دعم جوي سعودي.

وفي 7 مارس 2021، أعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، بدء تنفيذ عملية عسكرية نوعية بضربات جوية ضد مليشيات الحوثي، مشيراً إلى أنها “تستهدف القدرات الحوثية بصنعاء وعدد من المحافظات اليمنية”.

في المقابل تحدثت وسائل إعلام دولية كـ”رويترز” و”الأناضول”، عن مناقشات لم يُعلَن عنها، جرت بمسقط، في 26 فبراير الماضي، بين المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ وكبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر، قوله إن اجتماع مسقط كان جزءاً من سياسة “العصا والجزرة” الجديدة التي يتبناها الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعلن الشهر الماضي وقف الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية، وألغى أيضاً قراراً للرئيس السابق دونالد ترامب، يقضي بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.

 

تدمير الجهود الدبلوماسية

الصحفي اليمني مراد العريفي يرى من جانبه، أن التصعيد العسكري الأخير سيدمر الجهود الأخيرة للولايات المتحدة والمبعوث الأممي إلى اليمن والمتعلقة بالتوصل إلى حل سياسي للنزاع في اليمن.

وأرجع العريفي في حديثه سبب ذلك إلى أن الرياض “لن توافق على أي مقاربات تتعلق بإنهاء الحرب وفق هذه الصيغة”.

ويقول: “صحيحٌ أن الحوثيين صعّدوا مؤخراً بإطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية نحو الأراضي السعودية رداً على غارات التحالف في مأرب، وممارسة ضغوط على السعودية لوقف عملياتها الجوية، إلا أن المبالغة في التصعيد جعلت السعودية تتخذ موقفاً آخر ونقلت المعركة من مأرب إلى صنعاء بإطلاق عملية عسكرية نوعية”.

ويشير إلى أن القصف المتبادل بين الطرفين ليست له فاعلية على الأرض عكس مأرب، إلا أنه يعتقد أن ذلك “مؤشر على أن جهود المبعوثَين الأمريكي والأممي خلال الآونة الأخيرة، “قد تذهب سدى ما لم تفرض واشنطن ضغوطاً على الطرفين”.

ويضيف: “القصف على السعودية متعلق بالمعارك في مأرب، وفي حال سلمت السعودية المحافظة للحوثيين فإن الأخيرين قد يذهبون إلى طاولة المشاورات، لكن حينها ستكون الرياض قد فشلت في اليمن بعد ست سنوات من الحرب”.