بصورة بدت تمثيلاً لا أكثر، اتجه ولي العهد السعودي إلى قدم الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز لتقبيلها خلال صدور أمر إعفائه من مناصبه ولياً للعهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ومن منصب وزير الداخلية، في 21 يونيو 2017، ليظهر للعالم مدى الرضى والقبول بينهما، ولكن الأخير اختفى عن المشهد السعودي ولم يعد يراه أحد، مع سيطرة كاملة للأمير الجديد على كل مفاصل الحكم في البلاد.
أعاد بن سلمان نفس الأسلوب مع والده الملك سلمان بن عبد العزيز، أثناء وداعه قبل سفره خارج المملكة، السبت (23 فبراير 2019)، متوجهاً إلى مصر لحضور القمة العربية الأوروبية، حيث قبل قدمه أمام الكاميرات، للفت أنظار العالم إلى مدى الانسجام والطاعة له.
ومع مغادرته، أصدر الملك سلمان أمراً ملكياً ينيب ولي العهد محمد في إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح الشعب خلال غيابه عن المملكة.
ومع مغادرة طائرة والده خارج الأجواء السعودية، اتخذ ولي العهد سلوكاً أظهر عكس ما أبداه لوالده من احترام وتقدير، حيث سارع إلى اتخاذ قرارات سيادية في المملكة بتعيين شقيقه، خالد بن سلمان، نائباً لوزير الدفاع بمرتبة وزير، بعد أن كان سفيراً لبلاده لدى الولايات المتحدة، وتعيين ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود سفيرة لدى الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة وزير، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”.
وبدأ بن سلمان من خلال تدخله في تعيين نائب له في وزارة الدفاع التي يشغلها، وسفيرة في أهم دولة في العالم، إعطاء صورة بأنه يتحكم في سياسات بلاده ويعبد الطريق للوصول إلى العرش، بعد زجه بكثير من الأمراء المعارضين له في السجن.
ويبدو أن بن سلمان أراد من خلال اتخاذ قرارات جديدة في ظل غياب والده، إيصال رسائل للداخل في السعودية، بأنه بات مسيطراً على جميع القرارات داخل البلاط الملكي، وأصبح بإمكانه إصدار أوامر ملكية دون الرجوع لوالده، وهو ما يعني بداية تجاهله.
وأصدر بن سلمان أمراً لجلب عطف العسكريين في الجيش السعودي، من خلال صرف راتب شهر مكافأة للعسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية للأعمال العسكرية في الحد الجنوبي للمملكة.
استمرار التفرد بالقرار
وشن بن سلمان (32 عاماً)، في 2017، حملة طالت عدداً من أبناء عمومته الأمراء بدعوى “مكافحة الفساد”، وذلك في مسعى لإحكام سيطرته على البلاد التي يعتبره العالم الحاكم الفعلي لها.
وكان أول ضحايا بن سلمان هو ولي العهد السابق بن نايف، حيث جمدت حساباته البنكية وعدد من أفراد أسرته المقربين في إطار ما يعرف بحملة مكافحة الفساد.
وبعد أيام من الإطاحة ببن نايف الذي حاول بن سلمان ترويج احترامه له بتقبيل قدمه، خرجت تفاصيل توضح أن بن سلمان يقف وراء عزله من منصبه بدعوى تناوله العقاقير وعدم قدرته على إدارة المنصب، ولكن مصدراً مقرباً سعودياً كشف لوكالة “رويترز” أن ما حدث انقلاب.
وعمل بن سلمان على إبعاد جميع الأمراء المرشحين لولاية العهد أو الوصول إلى منصب الملك، وخاصة وزير الحرس الوطني السابق ونجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز الأمير متعب، ثم فرض عليه إقامة جبرية بعد الإفراج عنه، كحال بن نايف، وفق تصريح سابق للأمير السعودي المنشق عن العائلة المالكة خالد بن فرحان آل سعود.
وتخلص بن سلمان من الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان بن محمد آل سعود الملقّب بـ”غزالان”، وأدخله السجن بعد الاعتداء عليه بالضرب في مكتب بن سلمان، بصحبة أبيه الذي اعتُقل هو الآخر بعد أن اعترض على ما تعرّض له ولده، وفق الأمير المنشق.
دعم أمريكي
مجلة “نيويوركر” الأمريكية كانت كشفت في دراسة مطولة نشرت في مايو 2018، أن الأمريكيين قرروا “تبني محمد بن سلمان بالكامل”.
وقالت الدراسة إن جهود “تقوية قاعدة بن سلمان لقيت دعماً من الخارج، من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، ومن سفيره في واشنطن يوسف العتيبة، ومن شركات دعاية دفعت لها الإمارات”.
وأكدت الدراسة أن بن سلمان أرسل وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير للقاء وزير الخارجية الأمريكي حينها جون كيري ليعرف موقف الأمريكيين في حال أطاح بن سلمان بابن نايف من ولاية العهد، وقد أكد كيري للجبير أن واشنطن لن تدعم طرفاً على طرف.
كما كشفت مجلة “نيويوركر”، خلال الدراسة، دور ولي العهد السعودي في “صفقة القرن”، التي تحضر لها واشنطن لتصفية القضية الفلسطينية متجاوزاً حقوق الفلسطينيين.
وبدا لافتاً في مشاركة الملك سلمان في القمة العربية-الأوروبية، حضور وزير خارجيته إبراهيم العساف لأول مرة في مشاركة خارجية، وذلك رغم مرور شهرين على توليه منصبه بقرار ملكي.
فيما يواصل الوزير السابق ووزير الدولة الحالي للشؤون الخارجية عادل الجبير، والذي بدا خلال الفترة السابقة ينفذ سياسات ولي العهد، تمثيل المملكة في عدة مناسبات أبرزها مؤتمر وارسو الأخير بشأن إيران، والذي شهد حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسط امتناع الجبير عن نفي حصول لقاء بينهما.
خطوة استباقية
وتأتي محاولات بن سلمان لتوطيد شخصيته داخل السعودية ليكون ملكاً، بعد كشف وكالة “رويترز”، نقلاً عن 3 مصادر مقربة من الديوان الملكي السعودي، في نوفمبر الماضي، أن أعضاء بالأسرة الحاكمة في المملكة يسعون لمنع ولي العهد من تسلم عرش البلاد، بعد قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وقالت المصادر إن العشرات من الأمراء وأبناء العم من فروع قوية لأسرة آل سعود الحاكمة، يريدون أن يروا تغييراً في خط الخلافة، لكنهم لن يتصرفوا ما دام الملك سلمان، والد ولي العهد، البالغ 82 عاماً، على قيد الحياة، وهم يدركون أنه من غير المرجح أن ينقلب الملك ضد ابنه المفضل.
ويناقش هؤلاء الأمراء مع أفراد العائلة الآخرين مرحلة ما بعد وفاة الملك الحالي، وإمكانية تنصيب شقيقه الأمير أحمد بن عبد العزيز، البالغ من العمر 76 عاماً، ملكاً على عرش البلاد، ويمكنه أن يتسلم العرش على نحو شرعي، بحسب المصادر.
وقال أحد المصادر السعودية للوكالة، إن الأمير أحمد، شقيق الملك الوحيد الباقي على قيد الحياة، سيحصل على دعم أفراد العائلة المالكة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.
وعاد الأمير أحمد إلى الرياض في أكتوبر الماضي، بعد قضائه شهرين ونصف الشهر في الخارج، وخلال رحلته خارج المملكة، بدا كما لو أنه ينتقد القيادة السعودية عندما كان يرد على المتظاهرين خارج مقر إقامته في لندن وهم يهتفون بسقوط أسرة آل سعود.
وكان أحمد أحد ثلاثة أشخاص فقط في مجلس البيعة، المؤلف من كبار أعضاء العائلة الحاكمة، الذين عارضوا أن يصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد في عام 2017، حسبما قال مصدران سعوديان في ذلك الوقت.
الخليج أونلاين