منذ وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الحكم في بلاده، برزت انتقادات دولية لسجل انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، مع أخذه أشكالاً مختلفة، سواء في التعذيب الجسدي، أو محاولات التحرش بالمعتقلات السياسيات، أو الإخفاء القسري للمعتقلين.

ولم تترك منظمة دولية معنية بحقوق الإنسان تقريراً شهرياً أو سنوياً يصدر عنها إلا وثقت فيه انتهاكات لحقوق الإنسان تتم في السجون السعودية، في ظل صمت دولي وعدم وجود أي تحرك يضمن إنهاء ما يتم داخل المملكة.

الخارجية الأمريكية تنتقد

التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن حقوق الإنسان في العالم، الذي تم إصداره في مارس 2020، انتقد أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، كاشفاً أن حكومة المملكة لم تعاقب في حالات عدة مسؤولين متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان.

وذكر التقرير أن الانتهاكات الحقوقية في المملكة تشمل ممارسات عدة، من بينها الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي.

وقال إن محكمة سعودية قضت بإعدام خمسة مسؤولين في قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي (أكتوبر 2018)، وبرأت ثلاثة آخرين، في إشارة إلى المقربين من ولي العهد بن سلمان.

وأكد أن موقف الخارجية الأمريكية من هذه الجريمة لم يتغير، وأن السعودية تفتقر إلى الشفافية في هذا الإطار.

وأضاف التقرير أن الغارات الجوية التي ينفذها التحالف العسكري بقيادة السعودية في اليمن تؤدي إلى خسائر في صفوف المدنيين، وأن الرياض لم تحاكم حتى الآن أياً من المتهمين المشار إليهم في تقرير الفريق المشترك لتقييم الحوادث باليمن.

تعذيب واغتصاب

وإضافة إلى ذلك، اتهمت السلطات السعودية بقضايا تعذيب المعتقلين لديها، على غرار ما حدث مع الناشطة والمدافعة عن حقوق النساء، لجين الهذلول، لتعذيب جسدي (صعقها كهربائياً مع جلدها، وإرغامها على الأكل بعد حد الإشباع، والتحرش بها جنسياً، وفقاً لما كشفته شقيقتها).

وكشفت شقيقة لجين الهذلول، في نهاية يناير الماضي، أن سعود القحطاني المستشار السابق في الديوان الملكي، هددها بالاغتصاب من ثم القتل ومن ثم تقطيع الجسد ورميه في مجاري الصرف الصحي، مع تكرار شتمها بالشتائم الفاحشة، وإفزاعها من نومها في منتصف الليل لكي يبدؤوا التعذيب.

وإلى جانب ما حدث مع الهذلول وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” شهادات وأرقاماً تتحدث عن “تشديد القمع في عهد بن سلمان، يشوّه الإصلاحات التي يزعمها”، مشيرة إلى ما وصفته بـ”الغياب التام لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات المستمرة منذ تولي بن سلمان منصب ولي العهد، منتصف 2017”.

جاء ذلك في تقرير للمنظمة الدولية ومقرها واشنطن، نشر في نوفمبر 2019، بعنوان “الثمن الفادح للتغيير”، يتحدث عن مساوئ تولي بن سلمان منصب ولي العهد، وما يسميها بـ”الإصلاحات لصالح المرأة والشباب”، والتي رأت أنه منذ تعيينه “زادت الانتهاكات، في حين لا تزال سلطة القانون ضعيفة، وقد تتقوّض متى شاءت القيادة السياسية في المملكة”.

وتحدث التقرير عن محاولة بن سلمان التخفي وراء ما أسمته بـ”المظاهر البرّاقة المستجدة والتقدم الذي أحرزه لنساء المملكة وشبابها”، لكنها رأت أنه “يقبع خلف حقيقة مُظلمة، مع سعي سلطاته إلى إزاحة أي شخص في المملكة يجرؤ على الوقوف في طريق صعود بن سلمان السياسي”.

كما تحدثت المنظمة عن إعادة السلطات بالمملكة في صيف 2017، في الفترة التي شهدت تعيينه ولياً للعهد، تنظيم أجهزة النيابة العامة والأمن السعودية أدوات القمع الأساسية في المملكة، ووضعتها تحت إشراف الديوان الملكي مباشرة.

ورأت المنظمة الدولية أن الجانب القمعي لسجل ولي العهد الداخلي لم يخضع للتدقيق الدولي الذي يستحقه قبل أكتوبر 2018، “حينها شكّل خبر مقتل جمال خاشقجي، الصحفي وكاتب الرأي السعودي في واشنطن بوست، بوحشية في القنصلية السعودية في إسطنبول، صدمة للرأي العام الدولي، وأدى إلى تدقيق أشمل في وضع الحقوق في السعودية”.

وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن على السلطات السعودية “إطلاق سراح كافة المعتقلين تعسفياً أو لتهم متصلة فقط بآرائهم أو تعبيرهم السلمي، وإسقاط كافة التهم بحق المعارضين التي لا تشبه أي جريمة مُعترف بها، وتوفير العدالة عن الانتهاكات مثل التعذيب والعقاب التعسفي”.

الاختفاء القسري

ولم يسلم القطريون أيضاً من انتهاكات السعودية، حيث تعرض عدد منهم للاعتقال والإخفاء القسري، منذ الحصار المفروض على الدوحة في يونيو 2017.

واعتقلت السعودية، في مايو 2018، المواطن القطري نواف طلال الرشيد، دون توجيه أي تهم له، وكان من المختفين قسرياً حتى أفرجت عنه في أبريل من العام الجاري.

وكانت منظمة “إفدي” الحقوقية الدولية كشفت، في نوفمبر الماضي، عن اعتقال السعودية الطالب القطري عبد العزيز سعيد عبد الله، في 6 يوليو 2018، وتواصلت عائلته مع المنظمة وأخبرتها بأن الأمن السعودي اعتقل ابنها، وهي لا تعرف مكان احتجازه حتى اليوم.

كما أخفت المملكة مواطناً قطرياً آخر هو محسن صالح سعدون الكربي، الذي اعتقلته قوات التحالف السعودي الإماراتي، في أبريل 2018، في المنفذ الحدودي الواقع بين اليمن وسلطنة عمان، أثناء عودته من زيارة أقارب له هناك، وأفرج عنه في يونيو الماضي.

وفي 21 أغسطس الماضي، اتهمت دولة قطر السعودية بإخفاء المواطن القطري علي ناصر علي جار الله، البالغ من العمر 70 عاماً، وابنه عبد الهادي، البالغ من العمر 17 عاماً، في المملكة العربية السعودية، ولا يعرف مصيرهما حتى اليوم.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان كان قد أطلق بدوره نداءً ناشد فيه السلطات السعودية بضرورة إغلاق ملف الإخفاء القسري في المملكة؛ بعد الكشف عن ناشط مختفٍ منذ نحو عامين كاملين.

ونبّه المرصد الحقوقي، ومقره جنيف في سويسرا، إلى الحاجة الملحّة للكشف عن مصير عشرات النشطاء الحقوقيين والإصلاحيين الذين أخفتهم السلطات السعودية خلال حملات أمنية منظمة، على مدار السنوات الثلاث الماضية.

ودعا السلطات إلى إيضاح المسوغات القانونية لاحتجازهم، وضمان تنظيم محاكمات عادلة لمن يثبت تورطه في ارتكاب مخالفات قانونية.

وذهب المركز إلى مطالبة الأمم المتحدة بتشكيل لجان تحقيق خاصة للبحث في حالات الإخفاء القسري في المملكة، ومحاسبة مرتكبيها، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.

والإخفاء القسري هو جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، إذ يُتيح للدولة إخفاء الأشخاص خارج إطار القانون، ومن ثم ممارسة مختلف أنواع الانتهاكات ضدهم، بما في ذلك التعذيب، دون أن يتحمل المنخرطون في العملية أيّ تبعات قانونية.

ولا تزال المملكة تشهد تصاعداً كبيراً في عدد المعتقلين في سجونها؛ إذ شنت سلسلة حملات طالت أمراء ووزراء ودعاة وعلماء ونشطاء حقوقيين ومقيمين عرباً من عدة جنسيات.

كما طالت تلك الحملات ناشطات حقوقيات، وهو ما دفع شبكة “سي إن إن” الأمريكية لوصف السعودية بأنها باتت “مملكة الخوف”، حيث يقمع كل من يُعارض السلطات الحالية، ويزج به خلف القضبان.