MBS metoo

تقرير الاستخبارات الأمريكية عن “خاشقجي” والسياسة الحذرة

بعد يوم واحد من اتصال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، أصدرت الاستخبارات الأمريكية، الجمعة، تقريرها المُنتظر عن مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

قدّر التقرير أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان (35 عاما)، “وافق على خطف أو قتل خاشقجي”.

لكن التقرير استند إلى تقديرات ظنية بأن قرارا كهذا لا يمكن أن يُتخذ من دون علم وموافقة ولي العهد أو بقرار منه، وخلا من تقديم أدلة قطعية تدينه.

وأشار إلى أن ولي العهد كانت لديه “سيطرة مطلقة” على أجهزة الاستخبارات والأمن في المملكة، منذ تعيينه وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، وهو “ما يجعل من المستبعد جدا أن يكون مسؤولون سعوديون قد نفذوا عملية كهذه من دون الضوء الأخضر الصادر عن الأمير”.

وأثناء حملته الانتخابية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قال بايدن إن “خاشقجي قُتل وقُطع أوصالا”، وإنه “يعتقد” بأن الاغتيال كان بأمر من ولي العهد.

وخلافا للرئيس السابق، دونالد ترامب (يناير 2017- يناير 2021)، الذي كان يتواصل بشكل مباشر مع ولي العهد، فإن بايدن سيبتعد عن الاتصال بولي العهد، وسيكون التعامل مباشرة مع نظيره الملك سلمان (85 عاما).

وعقب الاتصال بين الملك سلمان وبايدن، أصدر البيت الأبيض بيانا لم يتطرق فيه إلى حادثة اغتيال خاشقجي، لكنه أشار إلى إفراج السلطات السعودية عن الناشطة السعودية في حقوق المرأة، لجين الهذلول، ما يعكس الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لحقوق الإنسان في السعودية ودول العالم الأخرى، وفق البيان.

وتضمن البيان تأكيدات عدة بالتزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أمن السعودية واستقرارها ضد التهديدات الخارجية، مع الالتزام أيضا بإعطاء الأولوية لملف انتهاكات حقوق الإنسان، ووقف توريد الأسلحة للحرب التي تشارك فيها السعودية باليمن، وضرورة التوصل إلى تسوية سياسية.

وتؤكد الولايات المتحدة أن السعودية تبقى شريكا استراتيجيا في المنطقة لما يقرب من ثمانية عقود على أساس الاحترام المتبادل، والتنسيق المشترك لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وهو الأساس الذي تحاول واشنطن الحفاظ عليه في علاقاتها مع الرياض خلال السنوات المقبلة.

وتشدد إدارة بايدن على إعادة تقييم علاقات الولايات المتحدة مع السعودية، الحليف الأوثق، والتي تربطها بها علاقة شراكة وتحالف تمتد لعقود.

وأوضح الرئيس الأمريكي أن بلاده ملتزمة بعلاقاتها مع السعودية، وأن الشراكة معها يجب أن تعكس القيم الأمريكية بإنهاء التهديدات والاعتداءات التي تتجاوز الحدود الإقليمية للسعودية ضد النشطاء والمعارضين والصحفيين، وأن واشنطن “لن تتسامح معها”.

وتواجه السعودية انتقادات من دول ومنظمات بشأن سجلها في مجال انتهاكات حقوق الإنسان وقمع المعارضين، وهي السياسة التي اتبعها محمد بن سلمان مع معارضيه منذ تعيينه وليا للعهد، وتوليه رئاسة معظم الأجهزة الأمنية والإشراف عليها.

ولا يزال مئات المعتقلين من قادة الرأي والمفكرين والدعاة والحقوقيين محتجزين في السجون السعودية، على خلفية اتهامات بالفساد، أو الاتصال مع جهات أجنبية، أو التعبير عن الرأي وانتقاد سياسات الحكومة أو ولي العهد في مواقع إخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وعقب نشر التقرير، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على مسؤولين سعوديين ليس بينهم ولي العهد.

وأعلنت الخارجية الأمريكية عن سياسة جديدة باسم “حظر خاشقجي” لتقييد منح تأشيرات دخول الولايات المتحدة للأفراد الذين يُعتقد أنهم شاركوا بشكل مباشر في أنشطة مناهضة لمعارضي حكوماتهم خارج الحدود الإقليمية.

ومن بين فريق اغتيال خاشقجي، المكون من 15 شخصا، هناك سبعة أشخاص من أعضاء قوة التدخل السريع المرتبطة بالديوان الملكي، والتي تتولى مهمة الدفاع عن ولي العهد وتتلقى أوامرها منه مباشرة، وهؤلاء لم يكونوا ليشاركوا في اغتيال خاشقجي دون موافقة محمد بن سلمان، وفقا للتقرير.

وسبق وأن فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عقوبات على 17 سعوديا لدورهم في مقتل خاشقجي، بينهم النائب السابق للاستخبارات السعودية، أحمد العسيري، ثم أعادت في 27 فبراير/شباط 2021 فرض عقوبات على قوات التدخل السريع، وقيود على تأشيرات 76 سعوديا.

ورفضت الحكومة السعودية ما وصفته بـ “التقييم السلبي والزائف وغير المقبول” للتقرير الأمريكي، ورأت أنه يحتوي على “معلومات واستنتاجات غير دقيقة”.

واعتبرت أن التقرير “تضمن استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة ولا يمكن قبولها”، وأن المملكة “دانت جريمة قتل خاشقجي، واتخذت الخطوات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحادثة”.

وأكدت الحكومة السعودية، في بيان لوزارة خارجيتها، أن “الشراكة بين المملكة والولايات المتحدة شراكة قوية ومتينة”.

وأعلنت دول خليجية ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمات أخرى تضامنها مع الموقف السعودي الرافض للمساس بسيادة الدولة السعودية واستقلال قرارها والتدخل في شؤونها الداخلية.

وتحرص الولايات المتحدة على إعادة تقييم علاقاتها مع السعودية والحفاظ عليها بدلا من تمزيقها، وتسعى إلى إعادة ضبط تلك العلاقة بما ينسجم مع القيم والمصالح الأمريكية، وفقا لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ردا على سؤال له عن سبب عدم فرض عقوبات على ولي العهد السعودي شخصيا.

وعلى ما يبدو، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعطي ملفات حقوق الإنسان أولوية متقدمة في سياساتها الخارجية وعلاقاتها مع دول العالم، للحد من استهداف الأفراد محليا أو إقليميا لمجرد ممارستهم لحقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية.

وتدرك الإدارة الأمريكية أن الضغوط المتزايدة على السعودية قد تدفعها باتجاه تعميق علاقاتها مع كل من روسيا والصين، علما بأن بايدن قد تحدث في أول خطاب له من مبنى وزارة الخارجية، في 5 فبراير/شباط الماضي، عن ضرورة أن تكون بلاده موجودة “في مواجهة الطموحات المتزايدة للصين ورغبة روسيا في إضعاف الديمقراطية في الولايات المتحدة”.

ويخشى مسؤولون أمريكيون أن يساهم نشر تقرير الاستخبارات في تعقيد العلاقات مع السعودية في المستقبل، خاصة في مجال التعاون الأمني والاستخباراتي وتبادل المعلومات والحرب على الإرهاب ومواجهة التهديدات الإيرانية.

وقبل أسابيع، بحث مسؤولون عسكريون أمريكيون، في الرياض، إمكانية استخدام قواعد عسكرية في غربي المملكة كقواعد احتياطية للقوات الأمريكية في المنطقة، في حال اندلاع نزاع عسكري مع طهران.

وسيكون على الإدارة الأمريكية التعامل بحذر في علاقتها مع السعودية مع اتجاهها إلى إعادة امتثال إيران بالاتفاق النووي، في ظل احتمالات حاجة واشنطن للرياض مستقبلا في أي مواجهة مع إيران أو القوات الحليفة لها.

يأتي ذلك بعد أن أمر بايدن بشن ضربات جوية على مواقع لفصائل عراقية حليفة لإيران على الحدود مع سوريا، بعد تحميلها مسؤولية الهجمات الصاروخية الثلاث على قاعدتين تتواجد فيهما قوات أمريكية في أربيل وقضاء بلد، وعلى السفارة الأمريكية في بغداد، بالإضافة إلى تهديدات جديدة من تلك الفصائل باستمرار الهجمات على القواعد والمصالح الأمريكية في العراق.

Exit mobile version